النقيب مرقص باشا حنا أنشودة الوطنية (6)
نشر بجريدة الأهرام الاثنين 6/12/2021
ـــ
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
كان اهتمام المصرين بهذه المحاكمة عظيمًا ، ومضت المحاكمة سريعًا بسبب إمتناع الدفاع بالاتفاق مع المتهمين ، وقبل أن يلخص نائب الأحكام القضية صباح 10 أغسطس ، وقف حمد الباسل باشا ليلقى هذه الكلمة على الجميع :
« باسم الوفد المصرى ، إننا ، ونحن الوكلاء عن الشعب المصرى المكلفون بالمطالبة باستقلاله ، لا نستطيع أن نعترف ، بأى حال من الأحوال ، بقضاء محكمة أجنبية ولو أن هذه المحكمة تأخذ بتصريح حكومتها أو تعتبره تصريحًا جديًا ، وهو أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة ، لكان حقًا عليها أن تعلن من تلقاء نفسها عدم اختصاصها بمحاكمتنا » .
« ولكم أن تحكموا علينا . ولكن ليس لكم أن تحاكمونا . نحن لا نعرف مهيمنًا علينا غير ضمائرنا وتوكيل الأمة التى شرفتنا به وقوانين بلادنا ومحاكمنا » .
« فأمامكم وأمام محكمة الضمير الإنسانى نعلن عاليًا أن الوفد لم يجعل نُصب عينيه من يوم تأليفه غير السعى فى استقلال وادى النيل بكل الطرق المشروعة القانونية . وأنه استنكر دائمًا الإجرام واستهجن العنف لاعتقاد أن القضية الحقة لابد أن تفوز بنفسها وأن استعمال العنف لا يمكن إلاَّ أن يحط من شأنها ويصمها » .
« إننا لم نحارب فى يوم من الأيام حكومة بلادنا ، وإنما حكومة لا تمثل البلاد ، وذلك حق تقره شرائع البلاد المتمدينة جميعًا ، بما فيها مصر وانجلترا » ..
« ومهما تكن العقوبة التى يروق لكم أن تشرفونا بها ، فإننا سنقابلها بالسرور والفخار ، فهى خطوة فى طريق مجد مصر » .
وما كادت المحكمة العسكرية الإنجليزية تسمع ترجمة الكلمات ، حتى أصدرت حكمها يوم 14 أغسطس 1922 بالإعدام .
وعلم الإنجليز ، قبل غيرهم ، أن هذه الأحكام ستزيد الثورة اشتعالاً ، وستؤدى إلى المزيد من العنف ، ومن ثم فقد اضطرت بريطانيا العظمى إلى استبدال عقوبة الإعدام ، بعقوبة السجن سبع سنوات ، وأصدر اللورد اللنبى أمرًا بذلك يوم 18 أغسطس ، كما سارعت سلطات الإحتلال إلى إعتقال « المصرى السعدى بك » ، ومنهم الحسيب النسيب حسين القصبى بك ـ عميد أعيان الغربية ، وفخرى بك عبد النور ، والشيخ مصطفى الآياتى من أبرز رجال الأزهر ، وأحد خطباء مصر المفوهين ، والأستاذ راغب إسكندر المحامى ، ولم يفرج عنهم وعن المحكوم عليهم السبعة إلاّ فى عام 1923 بمناسبة صدور الدستور .
وفى عام 1921 ، وكان مرقص باشا حنا نقيبًا للمحامين ، أطلق ونستون تشرشل تصريحًا مستفزًّا ، فى مأدبة عشاء أقيمت للورد « ريدنج » حاكم الهند العام . فأطلق أن المسألة المصرية ، من المسائل البريطانية ، معتبرًا أن مصر جزءًا من الإمبراطورية البريطانية.
وأثار هذا التصريح المستفز عاصفةً من الغضب والاحتجاج فى مصر ، إذ كيف يصرح وزير المستعمرات بأن مصر جزءٌ من الإمبراطورية البريطانية .
واحتج على هذا التصريح عدلى باشا يكن رئيس مجلس الوزراء ، وسلم كتابًا للمندوب السامى يعبّر فيه عن استياء الحكومة المصرية والرأى العام المصرى ، من التصريحات التى وردت على لسان تشرشل ».
واحتج رجال الدين ، ببيان صادر من الشيخ / محمد بخيت مفتى الديار المصرى وآخرين .
أما مرقص باشا حنا ـ نقيب المحامين ، فقد ضمن احتجاج النقابة ـ كتابًا أصدره فى 20 يونيو 1921 ، إلى رئيس الوزراء البريطانى ، ولم يكن ما أورده فى كتابه مجرد احتجاج ، بل تحدث فيه عن حقوق مصر، وعن توابع هذا التصرف . قال :
« المستر لويد جورج .
« أتشرف بتبليغكم قرار مجلس نقابة المحامين :
« الاحتلال الإنجليزى بمصر مؤقت وليس له صفة شرعية وقد اعترفت بذلك الحكومة البريطانية مرات عديدة ووعد وزراؤها بسحب الجنود غير مرة .
« ومصر أصبحت مستقلة دوليًا بعد انتهاء علاقاتها السياسية بتركيا كما أن الحماية التى أعلنتها انجلترا عليها من تلقاء نفسها باطلة .
« وبعد أن طلب الوفد المصرى الاعتراف باستقلال بلاده طلبت إنكلترا من عظمة السلطان ندب مفوضين ليضعوا أساس ذلك الاستقلال .
« وبما أن حكومة جلالة الملك لم تقدم على هذه المفاوضة ولم تعلن استعدادها لإلغاء الحماية إلا وهى عالمة بأحوال مصر التى خبرتها من أربعين سنة مضت .
« فمن غير المفهوم أن ينتهز أحد وزرائها المسئولين فرصة حادثة مشؤمة يقع أمثالها فى جميع أنحاء العالم المتمدين وعلى الخصوص فى الموانى المحتشدة بمختلف الأجناس لم يتعد أثرها بعض أنحاء مدينة واحدة من مدن القطر المصرى حيث توجد الأجانب منتشرة مطمئنة فى أبعد نواحيه ــ ليقول إن وقت خروج الجنود الإنكليزية لم يحن بعد وأن فى سحبها خطر على الأجانب وعلى الإصلاحات الإنجليزية . لهذا يحتج مجلس النقابة بكل قوته على هذه التصريحات التى من شأنها أن تزيد حرج المركز وتعرقل الاتفاق بالشكوك التى تبرزها حول المفاوضات المزمعة . »
ومما ذكرته الدكتورة أمانى الطويل , فى كتابها : « المحامون بين المهنة والسياسة » أنه مما يؤكد ذوبان المحامين فى حوادث ثورة 1919 , وتزعمهم إياها , ما ذكره اللورد اللبنى ذاته لحكومته , من أن التقارير الواردة تشير إلى أن المحامين هم الفئة الرئيسية التى تتزعم الإثارة والاضطرابات السياسية , وأن العديد منهم يعيشون على الإعانات التى يدفعها لهم الحزب , ويبدو أن هذه الإعانات هى التى قدمتها لجنة الوفد المركزية وسعد زغلول إلى عبد الرحمن فهمى ؛ لتمويل النشاط السرى للجنة الوفد المركزية لاسيما أن الجمعيات السرية كان يترأسها محامون ويتعاون معهم الطلاب , ومنها جمعيتا اليد السوداء ولجنة الدفاع الوطنى برئاسة عبد الحليم البيلى , ومحمد « أبو » شادى المحاميين , وجمعية الشعلة ويرأسها مرقص بك حنا المحامى .