«النقض»: ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني

كتب/ عبد العال فتحي

أوضحت محكمة النقض في حكمها في الطعن  رقم 3871 لسنة 90 قضائية، أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق ، وكان الدليل المستمد من أقوال شاهد الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من التقرير الطبي الشرعي.

 

الوقائـــــــــــــــــــــــع

اتهمت النيابة العامة كل من 1- …………………. ( الطاعن الأول) ، 2- ……………… ( الطاعن الثاني) ، 3- ……………………… في قضية الجناية رقم 6550 لسنة ٢٠١8 مركز أبو حمص (المقيدة بالجدول الكلي برقم 2514 لسنة ٢٠١8 ) بأنهم في يوم 26 من مارس سنة 2018 بدائرة مركز أبو حمص – محافظة البحيرة .

1ــــ ضــربوا المجنـي عليـه/ ………….. فـرج عمـداً مـع سـبق الإصـرار بـأن بيتـوا النيـة وعقـدوا العـزم علـى ارتكـاب جـريمتهم وأعـدوا لـذلك الغـرض أدوات هـي عصا حديديـة ، شـوم وانتقلـوا إلـى المـكـان الـذي أيقنـوا سـلفا تواجـد المجنـي عليـه فيـه ومـا أن ظفـروا بـه حتـى انـهـالوا عليـه ضـرباً بتلـك الأدوات فأحـدثوا بـه الإصابات الموصـوفة بتقريـر الطـب الشـرعي بعينـه اليمنـى والتـي تخلـف لديــه جرائهـا عاهـة مستديمة يستحيل برؤهـا هـي فـقـد الإبصـار الـنـافع بهـا تمـامـاً ونهائيـاً وتقـدر نسـبة العجـز المتخلـف عنهـا بنـحـو 35% وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .

۲- حــــازوا وأحـرزوا أدوات (عصـا حديديـة ، شـوم) ممـا تستخدم فـي الاعتـداء علـى الأشـخاص دون أن يوجـد لحملهـا أو إحرازهـا أو حيازتهـا مـسـوغ قــــــانوني أو مبرر من الضرورة المهنية أو الحرفية .

وأحالتهم إلـى محكمـة جنايــات دمنهـور لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمـة المـذكورة قضـت غيابياً بجلسـة 18 مـن فبراير سـنة ٢٠١٩ عمـلاً بالمــــــادة 240/1 مـن قـــــــانون العقوبـــات والمادتين ١/١، ٢٥ مكــرراً/1 مـن القـانون رقـم 394 لسـنة 1954 المعـدل والبنـد رقـم (6) مـن الجـدول رقـم (۱) ، مع إعمال المادة 32 عقوبات . بمعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات وإلزامهم بالمصاريف الجنائية .

وإذ أعيدت إجراءات محاكمة المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) . وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهم الأول بمبلغ مائة ألف جنية وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت .

والمحكمة قضت حضورياً بجلسة 18 من ديسمبر سنة 2019 عملاً بالمواد 240/2،1 ، والمادتين 1/1 ، 2٥ مكرراً /1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل والبند رقم (7) من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون ، مع إعمال المادة 32 عقوبات ، وإعمال المواد 17 ، 32 ، ٥٥ ، ٥6 من قانون العقوبات بشأن المتهم الثاني . أولاً : بمعاقبة الأول بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وإلزامه بالمصاريف الجنائية ، ثانياً : بمعاقبة الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة وإلزامه بالمصاريف الجنائية وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ اليوم .

ثالثاً : بـالزام المتهمـيـن بـأن يـؤديا للمجني عليه بالتضامن فيما بينهما مبلغ عشرة آلاف جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمتهما مصاريفها .

فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض في 21 من يناير سنة 2020 كما طعن أيضاً الأستاذ/ …………. المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه الثانى في 10 من فبراير سنة 2020 ، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليهما بالتاريخ ذاته موقعاً عليها من المحامي المقرر .

 

وبجلسة اليوم نظرت المحكمة الطعن حيث سمعت المرافعة على النحو المبين بمحضر الجلسة .

المحكمـــــة

 

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقــــرر والمرافعة وبعد المداولة قانونــاً.

حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .

 

وحيث ينعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم إحداث عاهة مستديمة مع سبق الإصرار و حيازة وإحراز أسلحة بيضاء – عصا حديدية وشوم – بدون مسوغ قانوني قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، والخطأ في الإسناد ؛ ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجرائم التي دانهما بها ، واكتفى في بيان مضمون تقرير الطب الشرعي بإيراد ما انتهى إليه من نتيجة دون بيان أسانيده فيما انتهى إليه.

 

وعول في إدانتهما على أقوال المجني عليه رغم عدم معقولية تصويره للواقعة وتناقض أقواله بمحضر جمع الاستدلالات عنها بتحقيقات النيابة العامة وتناقضها مع الدليل الفني ، ملتفتاً عن دفعهما في هذا الشأن ، كما عول على تحريات الشرطة حال كونها ترديداً لأقوال المجني عليه ودون أن يفصح عن سبب اطمئنانه لها ، والتفت عن دفاعهما بعدم تواجدهما على مسرح الجريمة ، وأخيراً عول على أقوال المجني عليه وتقرير الطب الشرعي وتحريات الشرطة بما لا أصل له في الأوراق ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .

 

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة الأركان القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها ، وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ، وما ثبت من تقرير الطب الشرعي ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.

 

وإذ كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين يكون لا محل له .

 

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مضمون تقرير الطب الشرعي الخاص بالمجني عليه / …………. – شاهد الإثبات الأول – وأبرز ما جاء به أن إصابة المجني عليه رضية تنشأ عن المصادمة بجسم صلب ويجوز حصولها وفق التصوير الوارد على لسان المجني عليه وفي وقت معاصر لتاريخ الواقعة وقد تخلف لديه من جرائها فقد الإبصار النافع تماماً بالعين اليمنى نهائياً مما يعتبر عاهة مستديمة يستحيل برؤها تقدر نسبتها بنحو 35% .

 

فإن ما ينعاه الطاعنان من عدم إيراد مضمون تقرير الطب الشرعي كاملاً لا يكون له محل ؛ لما هو مقرر من أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكامل أجزائه .

 

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ، حسبما يؤدي إليه اقتناعها.

 

وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم ، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.

 

كما أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذ تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها ، بل حسبها أن تورد في حكمها من أقوال الشاهد ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ، ما دامت قد اطمأنت إليها ، كما أن تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله أو تناقض روايته في بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن بها إليها في تكوين عقيدتها.

 

وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعنان – في هذا الصدد – ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها فيه ومصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض .

 

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق ، وكان الدليل المستمد من أقوال شاهد الإثبات الذي أخذت به محكمة الموضوع واطمأنت إليه غير متعارض والدليل المستمد من التقرير الطبي الشرعي ، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الخصوص يكون على غير أساس .

 

لما كان ذلك ، وكان للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث ، وكان لا ينال من صحة التحريات أن تكون ترديداً لما أبلغ به المجني عليه ؛ لأن مفاد ذلك أن مجريها قد تحقق من صدق ذلك البلاغ ، فإن منعى الطاعنين في هذا الشأن يكون غير قويم .

 

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الدفع بعدم الوجود على مسرح الحادث مردود بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

 

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن تعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة مخالفة الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو مواطن البطلان الجوهري الذي وقع فيه أو موطن بطلان الإجراءات الذي أثر فيه ، وكان الطاعنان لم يكشفا بأسباب طعنهما عن أوجه مخالفة أدلة الثبوت للثابت بالأوراق ، بل ساقا القول في كل ذلك مرسلاً مجهلاً ، فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون مقبولاً .

 

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في ظل أحكام المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 95 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات والإجراءات الجنائية والمعمول به اعتباراً من 20 من يونيه سنة 2003 والتي نص في المادة الرابعة منه على استبدال الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية بجعلها إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوي ويُعرض المقبوض عليه محبوساً بهذه الجلسة وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطياً حتى الانتهاء من نظر الدعوى.

 

لا يسقط الحكم الغيابي سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات إلا بحضور من صدر ضده جلسات المحاكمة ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضي به الحكم الغيابي وكان نص المادة 395 المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي ، إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضي به الحكم الغيابي وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكم بات أصلح للمتهم وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات .

 

لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الصورة الرسمية للحكم الغيابي أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعنين بالتعويض ، فإن الحكم المطعون فيه إذا قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمتها حضورياً بإلزامهما بالتعويض ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله.

 

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه يتعين إعمالاً لنص المادة 39 من القانون المذكور القضاء بتصحيح الحكم المطعون فيه وذلك بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

فلهــذه الأسبــاب

حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتصحيح الحكم المطعون فيه بإلغاء ما قضى به في خصوص الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

أميــن الســر نائب رئيس المحكمــة

 

زر الذهاب إلى الأعلى