«النقض»: التفتيش ليس من إجراءات كشف الجرائم قبل وقوعها بل هو من إجراءات تحقيقها بعد ارتكابها
كتب: علي عبدالجواد
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٥٢٠١ لسنة ٨٨ قضائية، الصادر بجلسة ٢٠٢١/٠٣/٠٦، التفتيش ليس من إجراءات كشف الجرائم قبل وقوعها بل هو من إجراءات تحقيقها بعد ارتكابها .
الحكم
باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
جلسة السبت ( أ ) الموافق ٦ من مارس سنة ٢٠٢١
الطعن رقم ١٥٢٠١ لسنة ٨٨ قضائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤلفة برئاسة السيد القاضي/ وجيه أديب نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة القضاة / بدر خليفة، خالد إلهامي، هاني صبحي
” نواب رئيس المحكمة ” ومصطفى سيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١-٤) دستور . تلبس . تفتيش ” التفتيش بغير إذن ” . صيادلة . مواد مخدرة . دفوع ” الدفع ببطلان القبض والتفتيش ” . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” . نقض ” حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون ” ” نظر الطعن والحكم فيه ” .
١-المادة ٥٤ من الدستور . مفادها ؟
التلبس . صفة تلازم الجريمة لا شخص مرتكبها . وجود مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن ارتكاب الواقعة . كفايته لتوافر حالة التلبس . حد ذلك ؟
التفتيش . مشروعيته : أن يقع التلبس بالجريمة قبله .
٢-التفتيش ليس من إجراءات كشف الجرائم قبل وقوعها بل هو من إجراءات تحقيقها بعد ارتكابها . لمفتشي الصيادلة دون غيرهم صفة الضبطية القضائية في دوائر اختصاصهم ممن لهم الحق في دخول الاماكن العامة لمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح باعتباره إجراء إداري مقيد بذلك الغرض .
التعرض إلى حرية الآشخاص واستكشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة . غير جائز . حد وأساس ذلك ؟
٣- التفتيش المحظور . ماهيته ؟
حرمة الصيدلية . مستمدة من اتصالها بشخص صاحبها . إجازة تفتيشه يشمل بالضرورة تفتيش محل تجارته .
٤- ضبط الأقراص المخدرة في دولاب أسفل حوض المعمل بعد فتحه بمعرفة الشاهد. انحراف بالسلطة وتجاوز لحدود التفتيش يبطله . مخالفة الحكم هذا النظر . يوجب نقضه وبراءة الطاعن . أساس وعلة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” الوقائـع “
اتهمت النيابة العامة المحكوم عليه في قضية الجناية رقم …. لسنة ٢٠١٦ قسم بني سويف ” والمقيدة بالجدول الكلي برقم …. لسنة ٢٠١٦ “.بأنه في يوم ٨ من فبراير سنة ٢٠١٦ بدائرة قسم بني سويف – محافظة بني سويف .
– حاز بقصد الإتجار عقاراً مخدراً ( الترامادول ) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً .
وأحالته لمحكمة جنايات بني سويف لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في ١٠ من إبريل سنة ٢٠١٨ عملاً بالمواد ۱ ، ۲ ، ٧/١ ، ٣٤ بند(أ) ، ٤٢/١ من القانون رقم ۱۸۲ لسنة ١٩٦٠ والمعدل بالقانون ۱۲۲ لسنة ۱۹۸۹ والبند رقم (١٥٢) من القسم الثاني من الجدول رقم (١) الملحق بالقانون الأول والمستبدل بالقرارين ٤٦ لسنة ۱۹۹۷ ، ١٢٥ لسنة ۲۰۱۲ ، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ست سنوات وتغريمه مائة ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في ١٦ من إبريل سنة ٢٠١٨ .
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه في ٢٠ من مايو سنة ٢٠١٨ موقعاً عليها من الأستاذ / …. المحامي .
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على نحو ما هو مبين بمحضر الجلسة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة حيازة عقار الترامادول المخدر بقصد الإتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً، قد شابه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعن دفع ببطلان إجراءات الضبط والتفتيش لحصوله من غير مختص بإجرائهما بالمخالفة للقانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٥ في شأن مزاولة مهنة الصيدلة، إلا أن الحكم اطرح هذا الدفع برد غير سائغ، مما يعيبه بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله في أنه وبتاريخ ٨ من فبراير سنة ٢٠١٦ وحال مرور كلاً من ….، ….، …. وهم مفتشين بإدارة الصيدلة بمديرية الصحة بـ…. وبصفتهم من مأمور الضبط القضائي طبقاً للقانون ١٢٧ لسنة ١٩٥٥ بشأن مزاولة مهنة الصيدلة وبالدلوف لصيدلية المتهم عثر بداخل دولاب أسفل الحوض الخاص بالمعمل بداخل الصيدلية على شرائط عقار الترامادول بعد فتحه وبعد أن سرد الحكم أقوال شهود الإثبات بما يتطابق مع هذه الصورة عرض للدفع ببطلان الضبط والتفتيش بقوله : ( وحيث إنه عما أثاره الدفاع ببطلان الضبط والتفتيش بقالة أن التفتيش تم مخالفاً لقانون مزاولة مهنة الصيدلة فمردود عليه أن المقرر قانوناً وعملاً بالمادة ٨٥ من القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٥ في شأن مزاولة مهنة الصيدلة أنه يعتبر من مأموري الضبط القضائي في تطبيق أحكام هذا القانون الصيادلة الرؤساء ومساعدوهم من مفتشي الصيدليات بوزارة الصحة العمومية وكذلك كل من يندبه وزير الصحة لهذا الغرض وإذ كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن القائمين على أمر تفتيش الصيدلية الخاصة بالمتهم والتي يمتلكها ويديرها بترخيص صادر من الجهة المختصة هم من مفتشي الصيادلة بمديرية الصحة ببني سويف والمنوط بهم تفتيش الصيدليات بصفتهم من مأموري الضبط القضائي المختصين قانوناً في ذلك الشأن ومن ثم يكون التفتيش صحيحاً وما أسفر عنه من ضبط المواد المخدرة المضبوطة ومن ثم يكون ما تساند عليه الدفاع غير سديد ) . لما كان ذلك ، وكانت المادة ٥٤/١ من دستور جمهورية مصر العربية قد نصت على أنه ( الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق )، وكان مؤدى هذا النص أن أي قيد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقاً طبيعياً من حقوق الإنسان لا يجوز إجراؤه إلا في حالة التلبس كما هو معرف قانوناً أو بإذن من السلطة المختصة فالتلبس وصف يلازم الجريمة ذاتها بغض النظر عن شخص مرتكبها كما يفهم من ظاهر اللفظ أن الجريمة واقعة وأركانها ظاهرة بادية ومظنة احتمال الخطأ فيها طفيفة ويكفى لتوافرها أن يكون مأمور الضبط القضائي قد حضر ارتكابها بنفسه أو أدرك وقوعها بأية حاسة من حواسه متى كان الإدراك بطريقة يقينية لا تحتمل شكاً أو تأويلاً كما أن التلبس بالجريمة والذي يعد سبباً مشروعاً في التفتيش هو الذي ينشأ قبل التفتيش ومن ثم يجب أن يثبت التلبس أولاً ثم يلي ذلك التفتيش ، كما أن التفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق التي تؤدي إلى ضبط أدلة الجريمة وبالتالي فهو ليس من إجراءات كشف الجرائم قبل وقوعها بل هو من إجراءات تحقيقها بعد ارتكابها . لما كان ذلك ، وكانت المادة ٨٥ من القانون رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٥ في شأن مزاولة مهنة الصيدلة قد نصت على ( يعتبر من مأموري الضبط القضائي في تطبيق أحكام هذا القانون الصيادلة الرؤساء ومساعدوهم من مفتشي الصيدليات بوزارة الصحة العمومية وكذلك كل من يندبه وزير الصحة العمومية من الصيادلة لهذا الغرض ) ، كما نصت المادة ٥٠ من القانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ في شأن قانون مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها ( لمفتشي الصيدلة دخول مخازن ومستودعات الاتجار في الجواهر المخدرة والصيدليات والمستشفيات والمصحات والمستوصفات والعيادات ومصانع المستحضرات الإقرباذينية ومعامل التحليل الكيمائية والصناعية والمعاهد العلمية المعترف بها ، وذلك للتحقق من تنفيذ أحكام هذا القانون ولهم الاطلاع على الدفاتر والأوراق المتعلقة بالجواهر المخدرة ويكون لهم صفة رجال الضبط القضائي فيما يتعلق بالجرائم التي تقع بهذه المحال ) ، لما كان ذلك ، وكان المستفاد مما نصت عليه المادتين سالفتي الذكر أنهما منحا مفتشي الصيادلة دون غيرهم صفة الضبطية القضائية في دوائر اختصاصهم مما لهم الحق في دخول الأماكن العامة لمراقبة تنفيذ القوانين واللوائح وهو إجراء إداري مقيد بالغرض سالف البيان ولا يجاوزه إلى التعرض إلى حرية الأشخاص أو أن يتعرض بالبحث فيما يحتويه من أشياء احتفظ بها صاحب المحل أو مديره في مكان خاص أو استكشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة وإلا أصبح التفتيش باطلاً ما لم يدرك المفتش الصيدلي بحسه وقبل التعرض لها كنه ما فيها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها جريمة تبيح التفتيش ، فيكون هذا التفتيش في هذه الحالة قائماً على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة والإشراف على تنفيذ القوانين واللوائح ، وكان من المقرر أيضاً أن التفتيش المحظور هو الذي يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون ، أما حرمة المتجر – الصيدلية – فمستمدة من اتصاله بشخص صاحبه ، ومن ثم فإن إجازة تفتيش الشخص يشمل بالضرورة تفتيش محل تجارته . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن شهود الإثبات مفتشي الصيدلة أقروا أنهم لم يدركوا بحسهم كنه ما بداخل دولاب أسفل الحوض الخاص بالمعمل بصيدلية الطاعن مما يشكل حيازته جريمة قبل فتحه وتفتيشه بما يصم عملهم بالبطلان لمخالفته للقواعد المنظمة لعمل مفتشي إدارة الصيدلة أثناء التفتيش على الصيدليات . لما كان ذلك ، وكان التفتيش الحاصل من مفتشي الصيادلة على صيدلية الطاعن – على السياق المتقدم – تم بغير إذن من السلطة المختصة وفي غير حالات التلبس ودون أن تكون هناك ثمة دلائل كافية على اتهامه تسوغ لمفتشي إدارة الصيدلة التفتيش بغير إذن ، وأنهم تجاوزوا في مباشرتهم لهذا الإجراء الإداري حدود غرض المشرع من منحهم هذه الصلاحية ولم يلتزموا في مباشرتهم بالقواعد الدستورية والقانونية بأن تعرضوا لحرية الأشخاص ومدوا بصرهم إلى ما يحتويه الدولاب بالصيدلية بعد أن قاموا بفتحه واستكشفوا الأشياء المغلقة غير الظاهرة دون مبرر ، فإن تجاوزهم لحدود التفتيش والغرض منه يتسم بعدم المشروعية وينطوي على انحراف بالسلطة ، وإذ كان الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر وجرى في قضائه على صحة هذا الإجراء ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما يوجب نقضه . لما كان ما تقدم ، وكان بطلان التفتيش مقتضاه قانوناً عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمداً منه ، وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل ، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد فيها من دليل سواه ، فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملاً بالفقرة الأولى من المادة ٣٩ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، وبمصادرة الأقراص المخدرة المضبوطة عملاً بالمادة ٤٢ من قانون مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها الصادر بالقانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ المعدلة بالقانون رقم ١٨٩ لسنة ١٩٨٩ .
فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب
حكمت المحكمة :- بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما أسند إليه ومصادرة المخدر المضبوط .