«النقض»: الأحكام الجنائية يجب أن تُبنى على الجزم واليقين
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ۲٥۷٥ لسنة ۹۰ قضائية، أن الأحكام الجنائية يجب أن تُبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة.
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر ، والمرافعة ، وبعد المداولة .
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة في تزوير محررين رسميين ، وتقليد أختام جهة حكومية واستعمالها مع علمه بذلك ، والنصب ، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ، ذلك أنه لم يدلل على اشتراكه في الجرائم التي دانه بها تدليلاً سائغاً يرتد إلى واقع من أوراق الدعوى وأدلتها مستنداً في إثبات ذلك على تحريات الشرطة رغم أنها لا تصلح دليلاً لذلك ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الشارع يوجب في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم بالإدانة على الأسباب التي بُني عليها وإلا كان باطلاً والمراد بالتسبيب الذي يحفل به القانون هو تحديد الأسانيد والحجج التي إنبنى عليها الحكم والمنتجة هي له سواء من حيث الواقع أو القانون ولكي يحقق التسبيب الغرض منه يجب أن يكون في بيانٍ جلي مفصل بحيث يتيسر الوقوف على مبررات ما قضى به إما إفراغ الحكم في عبارات عامة معماة أو وضعه في صورة مجملة مجهلة فلا يحقق الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيب الأحكام ، ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه وإن كان الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ويكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت بحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ولها أن تستقي عقيدتها في ذلك من قرائن الحال إلا أنه يحسب على المحكمة وهي تقرر حصوله أن تستخلص من ظروف الدعوى وملابساتها ما يوفر اعتقاداً سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم وأن مناط جواز إثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استناداً إلى القرائن أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة الاتفاق على ارتكاب الجريمة أو التحريض أو المساعدة في ذاتها ، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها لا يتجافي مع العقل والمنطق.
فإذا كانت الأسباب التي اعتمد عليها الحكم لا تؤدي إلى ما انتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون ، وكان من المقرر كذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تُبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة.
وكان الحكم المطعون فيه لم يبين بوضوح سواء في معرض إيراده واقعة الدعوى أو في سرده لأدلة الثبوت فيها تفصيل الوقائع والأفعال التي قارفها الطاعن مع المتهم الآخر والمثبتة لارتكابه جريمة الاشتراك في التزوير بطريق الاتفاق والمساعدة ، ولم يستظهر عناصر هذا الاشتراك وطريقته ، ولم يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها .
لما كان ذلك ، وكان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة .
لما كان ذلك ، وكانت الدعوى قد خلت من ثمة تقرير فني يثبت أن الطاعن هو الذي ارتكب التزوير ، وكان ما أثبته الحكم في سياق التدليل على ثبوت الاتهام المسند إلى الطاعن جاء قاصراً على تحريات الشرطة دون أن تكون معززة بأدلة أخرى ، والتي أثبت بها ضابط الواقعة مجري التحريات.
أن الطاعن يقتصر دوره علي سرقة السيارة المبلغ عنها فقط ، وذلك بالاشتراك في سرقتها مع المتهم / إبراهيم العمري محمد ، ومن ثم فإن الحكم يكون قد أُقيم على الظن والاحتمال والفروض والاعتبارات المجردة وبُني على عقيدة حصلها الشاهد من تحريه لا على عقيدة استقلت المحكمة بتحصيلها بنفسها ، ومن ثم فإنَّ ما أورده الحكم على النحو المبين به لا يكفي لإثبات ارتكاب الطاعن لما أُسند إليه من اتهام ممَّا يصمه بالقصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال.
مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما أُسند إليه عملاً بحكم الفقرة الأولى من المادة ٣٩ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ والمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية ، ومصادرة المحررات المزورة المضبوطة عملاً بنص المادة ٣٠ من قانون العقوبات .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما أُسند اليه مع مصادرة المحررات المزورة المضبوطة .
أمين السر نائب رئيس المحكمة