الناشط الحقوقي محمد رسول الله (2)
بقلم: أ. عمرو فتحي
كان اليهود أقرب مَنْ يُجاور المسلمين في المدينة، وهم وإن كانوا يُبْطِنون العداوة للمسلمين، إلاَّ أنهم لم يكونوا قد أظهروا أيَّة مقاومة أو خصومة بعدُ؛ فعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المعاهدة التي قرَّر لهم فيها النصح والخير، وترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال، ولم يتَّجه إلى سياسة الإبعاد أو المصادرة أو الخصام.
إن مواد هذه الوثيقة – وثيقة المدينة – تُثْبِتُ بما لا يدع مجالاً للشكِّ ما كانت عليه الدولة الإسلامية في هذه المرحلة الأولى من البناء والتأسيس من حرية تامَّة، وإفساح للآخرين للمشاركة والمعايشة القائمة على احترامهم، كما يظهر ذلك من خلال القراءة المتأنِّية لبنود هذه الوثيقة، فإن «قبول الآخر»، والتشريع لأجله، ولأجل ما يُنَظِّم حياته بين أفراد المجتمع المسلم، ويحفظ له حقوقه ويردُّ عنه الظلم إن وقع عليه. كل هذا يستحيل وجوده في مجتمع يقوم على الدكتاتورية والحَجْرِ على الآخرين، أو التضييق عليهم.
لقد كان ذلك العهد الذي أبرمه النبي -صلى الله عليه وسلم بمثابة أول وثيقة تُوَقِّعها دولة المسلمين، وإذا نظرنا إلى بنود المعاهدة إجمالاً وجدناها تحتوي بوضوح على المبادئ الآتية: حرية العقيدة في الإسلام، استقلال الذمة المالية، التعاون في حماية الوطن حالة الحرب، التعاون والتناصح وحفظ الوطن، عناية الإسلام بحقوق غير المسلمين.
إن هذه الوثيقة التاريخية تثبت بما لا يدع مجالا لأي شك أن الإسلام دين العدل والرحمة وليس دين السيف والدم كما يروج أعداء الإسلام.
هذا هو محمد رسول الإنسانية سبق العالم لإقرار حقوق الإنسان التي يزعمون أنها نتاج رقي فكر الغرب ويعودون الآن لترويجها وإساءة استغلالها علينا فأقول لهم: “هذه في الأصل بضاعتنا وردت “إلينا”.
“كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ”.