المهنة الشريفة
دينا المقدم
نشأت مهنة المحاماة منذ فجر التاريخ، فقد وجد عند المصريين القدماء، منذ عام 2778 قبل الميلاد، جماعة من أهل العلم يسدون المشورة للمتخاصمين.
في عهد حمورابي بالأخص، كانت المحاماة فنا رفيعا لعلية القوم.
قال المفكر الفرنسي فولتير عن المحاماة: كنت أتمنى أن أكون محاميًا، لأن المحاماة أجمل مهنة في العالم. فالمحامي يلجأ إليه الأغنياء والفقراء على السواء، ومن عملائه الأمراء والعظماء، يضحى بوقته وصحته حتى بحياته في الدفاع عن متهم برئ، أو ضعيف مهضوم الحق.
أما دوجيسو، رئيس مجلس القضاء الأعلى بفرنسا، فقال: المحاماة عريقة كالقضاء، مجيدة كالفضيلة، ضرورية كالعدالة. هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب، حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان. المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبدًا له. ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلًا بغير ولادة، غنيًا بلا مال، رفيعًا من غير حاجة إلى لقب، سعيدًا بغير ثروة.
وقال المستشار عبدالعزيز فهمي، رئيس محكمة النقض المصرية، عند افتتاح أولى جلساتها سنة 1931:
إذا وازنت بين عمل القاضي، وعمل المحامي، لوجدت أن عمل المحامي أدق وأخطر، لأن مهمة القاضي هي الوزن والترجيح . أما مهمة المحامي، فهي الخلق، والإبداع، والتكوين.
كما قال لويس الرابع عشر : لو لم أكن ملكا لفرنسا، لوددت أن أكون محاميا.
إن مهنة المحاماة ليست مهنة مجرّدة من الأحاسيس، بل هناك أخلاقيات المهنة، والتي يجب أن يتحلّى بها المحامي، ولا يتعامل مع هذه المهنة بشكل ربحي، بل عليه أن يتحرى العدالة، والصدق، والأمانة، وأن يراعي حقوق الناس، ولا يظلم أحدا، ولكن كيف يصبح الشخص محاميًا؟
أن تكون محاميا، فعليك أن تتميز بخلق، وبلاغة، ومثابرة، وجلد، وثقة بالنفس، وأمانة، ثم أمانة، ومروءة، وشجاعة، وثقافة، وعلم، وقناعة، ومراقبة الله والتفانى..هكذا، تصبح محاميا، عادلا، صادقا، بارعا.
ففى الآونة الأخيرة، كان هناك نقاش حاد واعتراض، من قبل بعض الأشخاص الذين ينتمون لهذه المهنة والرسالة العظيمة، على ضوابط القيد الأخيرة من قبل نقابة المحاماة، ولا عجب من فرض هذه الضوابط التى جاءت متأخرة جدا بعد سنوات طويلة، أصبحت مهنة المحاماة فيها للفشلة والجهلة، ومن لا مهنة له.
أصبح الكثيرون منهم ينتمون للنقابة اسما فقط دون العمل بها، وهذا يشكل عبئا كبير على النقابة. يحمل بطاقة عضوية نقابة المحاماة، ويعمل سائق أجرة، أو مقاولا، أو سمسارا. كما أن هناك الكثيرات من المحاميات لا يعملن فى المهنة، وهن ربات بيوت، وهذا ينافى المنطق والعقل السليم… والعديد ممن يمتهنون مهنة المحاماة يسيئون بشكل خطير إلى المهنة، بداية من مظهره الذى هو أشبه بعامل صيانة من كونه محاميا، مرورا بأخلاقه التى هى أقرب للنصب والابتزاز، نهاية بجهله بالقانون. كيف تريد أن يحترمك المجتمع وأنت لا تحترم مهنتك المقدسة؟
ضاعت هيبة ومكانة المحامى بهؤلاء المرتزقة من المهنة، والتصقت صفة النصب بلقب المحامى. علينا جميعا أن نعمل من أجل ارتقاء هذه المهنة التى ترد الحقوق إلى أصحابها. على المحامي أن يلتزم في معاملة زملائه بما تقضي به قواعد اللياقة، وتقاليد المحاماة، وآدابها، وواجب الزمالة، وأن يتعامل مع موكله بمنتهى الأمانة، والتفانى، وعدم استغلاله ماديا.
فالإنسان في صراعه من أجل الحياة، وكفاحه المستمر في درء الأخطار عن حياته، وماله، وحريته، وكرامته، وعرضه بحاجة إلي حماية. والمحاماة وجدت لحماية أغلى ما لدى الإنسان؛ حياته، وكرامته، وماله، وحريته، وعرضه، وحماية حقوق الأمة. والحياة لا تستقيم بدون حماية، ودون حماية المحاماة ذاتها.
استقيموا يرحمكم الله