المنتحر.. مجرم أم مريض؟
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة
صدم المجتمع المصري مؤخراً بالحادثة المعروفة إعلامياً باسم «انتحار فتاة المول»، حيث أقدمت فتاة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً على الانتحار، بأن ألقت نفسها من الدور السادس في أحد المولات الشهيرة، وتوفيت بعد ذلك في المستشفى بسبب توقف عضلة القلب والتنفّس، وقال أحد الأقارب إنَّ الفتاة كانت تعاني من الاكتئاب بسبب بعض الخلافات الأسرية. وقد شاءت الظروف أن تتزامن هذه الواقعة مع الاحتفال باليوم العالمي لمنع الانتحار، حيث تقوم الرابطة الدولية لمنع الانتحار بتنظيم الاحتفال بهذا اليوم، في العاشر من سبتمبر من كل عام. والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بإمكانية منع الانتحار. وتشارك منظمة الصحة العالمية في رعاية ذلك اليوم. وإذا كانت حادثة فتاة المول قد حظيت باهتمام إعلامي كبير، فإن حالات انتحار كثيرة تتم من مراهقين بعد نتيجة امتحان، وفتيات بعد فشل عاطفي، أو مثل حالة فتاة المول التي انتحرت نتيجة عدم تفهّم واحتواء واحتضان من الأهل للبنت.
وعلى الصعيد العالمي، ورغم التقدم المحرز في الاستراتيجيات الوطنية للدول في الحد من حالات حدوثه، ما زال العالم يشهد حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية، حسب التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية في شهر سبتمبر 2019م حول تقديرات الانتحار العالمية. ويمثل الانتحار واحداً من بين كل 100 حالة وفاة، مما يجعله من بين الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم، ورابع سبب رئيسي للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، بعد حوادث المرور والسل والعنف بين الأشخاص. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يفوق عدد الأشخاص الذين يموتون، سنوياً، بسبب الانتحار عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب الإيدز أو الملاريا أو سرطان الثدي أو بسبب الحرب وجرائم القتل مجتمعة. ووفقاً للتقرير ذاته، يموت ما يقرب من 800 ألف شخص نتيجة الانتحار كل عام، ويقابل كل حالة موت أكثر من 20 محاولة انتحار. وبحسب التقرير ذاته، تحدث 79% من حالات الانتحار في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل؛ غير أن بلدان الدخل المرتفع لديها أعلى معدلات للانتحار بين سكانها. وحسب التقرير أيضاً، جاءت حوادث الانتحار بين الرجال بدرجات أعلى بثلاثة أضعاف من النساء في الدول الأغنى، بينما تبدو المعدلات أكثر تساوياً بين الجنسين في الدول الفقيرة.
وغني عن البيان أن الانتحار هو نحر الإنسان نفسه أو هو قتل الإنسان نفسه عن عمد، وبأي وسيلة كانت. وقد يتم التعامل مع المنتحر باعتباره مريض، وقد يتم التعامل معه على أساس أنه مذنب أو مجرم. وللوقوف على النهج الأمثل في التعامل مع المنتحر، ومدى إنسانية النهج المتبع في هذا الشأن، نرى من الملائم تقسيم هذه الدراسة إلى مطالب ثلاثة، كما يلي:
المطلب الأول: تحريم الانتحار في الأديان السماوية.
المطلب الثاني: الانتحار في توصيات منظمة الصحة العالمية.
المطلب الثالث: الانتحار في خطة التشريعات الجنائية المقارنة.
المطلب الأول
تحريم الانتحار في الأديان السماوية
الانتحار فعل مذموم شرعا. وقد أجمعت كل الأديان السماوية على تحريمه. ففي الشرع الإسلامي، على سبيل المثال، يقول الله عز وجل يقول «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة». وفي الحديث النبوي الشريف، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار». ومعنى «لا ضرر» ألا يضر الشخص غيره، ومعنى «لا ضرار» ألا يضر الفرد نفسه. وإذا كانت النصوص السابقة عامة في كل صور الإضرار بالنفس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خص الانتحار بأحد الأحاديث النبوية حيث يقول «من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن قتل نفسه بسم فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً».
واعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع قد يدفع المشرع في بعض الدول الإسلامية إلى تجريم الشروع في الانتحار. إذ تقرر معظم الدساتير العربية أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي أو على الأقل مصدر رئيسي للتشريع. ومن ثم، وتأثراً بتحريم الانتحار في الشرع الإسلامي، قد يجد المشرع نفسه ملزماً بتجريم الانتحار وعقاب فاعله. وفي حالة خلو التشريعات من نص تجريم، قد يرى القاضي في بعض الدول عقاب من يشرع في الانتحار، معتبراً إياها جريمة تعزيرية. وللتدليل على ذلك، يمكن أن نذكر مثالاً من المملكة العربية السعودية. بيان ذلك أن الأنظمة الجنائية الخاصة بالمملكة العربية السعودية تخلو من أي نص يضع عقوبة على الشروع في الانتحار أو التحريض عليه. ومعلوم أنه لا يوجد قانون عقوبات عام في المملكة، وأن القضاء يطبق أحكام الشريعة الإسلامية، بحسب ما قرره الفقهاء، وله السلطة التقديرية في توقيع العقوبة التعزيرية التي يراها مناسبة على كل فعل مجرم شرعاً، ومن ذلك محاولة الانتحار أو الشروع فيه أو التحريض عليه. وتطبيقاً لذلك، وفي الحكم رقم 34343170 لسنة 1434هـ، الصادر في 16/07/1434هـ، وبناء على المعاملة المحالة من رئيس المحكمة الجزائية بمكة المكرمة برقم 34243045 وتاريخ 26/05/1434هـ، المقيدة بالمحكمة برقم 341283115 وتاريخ 26/05/1434هـ، أصدر القاضي في المحكمة الجزائية بمكة المكرمة حكماً قضى بمعاقبة متهم حاول الانتحار. وتتلخص واقعات هذا الحكم في أنه في يوم الأحد الموافق 16/07/1434هـ، افتتحت الجلسة الساعة 10:30، وفيها حضر المدعي العام…. المعمد لدينا مدعياً عاماً بموجب خطاب التعميد رقم هـ م/ 2/ أ/ 2439 في 24/5/1433هـ وادعى على الحاضر معه بالمجلس الشرعي…. سعودي الجنسية بموجب سجل مدني رقم (….) قائلاً في دعواه عليه بالاطلاع على محضر أفراد شعبة الإصلاحية المتضمن قيام المدعى عليه/… المذكور بأخذ قطعة كانت ملقاة على الأرض وقام بالهرب والركض بداخل السور الخاص بالأمن والحماية متجهاً إلى المستوصف بداخل شعبة الإصلاحية وكان المذكور يهدد كل من اقترب منه أنه سوف يقوم بإيذاء نفسه وكان يطلب حضور الضابط المناوب وعند التفاوض معه من قبل الضابط طلب نقله خارج السجن وإذا لم يقوموا بنقله سوف يقوم بالانتحار وبعد محاولات عدة قام بالتجاوب وسلم قطعة الحديدة التي كانت بيده وباستجواب المدعى عليه/… المذكور أفاد بأنه كان في حالة نفسية سيئة وأنه كان يريد إكمال دراسته ولم ينفذوا طلبه حيث إنه لم يكن ينوي الانتحار. وقد انتهى التحقيق إلى توجيه الاتهام للمدعى عليه/…. بالتهديد بإيذاء نفسه بمحاولة الانتحار وذلك للأدلة والقرائن التالية: 1- ما جاء في أقواله المنوه عنه لفة (18- 17). 2- محضر أفراد شعبة الإصلاحية المنوه عنه لفة (8).
وإزاء هذه الوقائع، وتسبيباً لحكمها، قالت المحكمة: «وحيث إن ما قام به المدعى عليه وهو بكامل أهليته المعتبرة شرعاً فعل محرم ومعاقب عليه شرعاً أطلب إثبات ما أسند إليه والحكم عليه بعقوبة تعزيرية لقاء ذلك. وتشديد العقوبة عليه لقاء تعدد سوابقه استناداً لبرقية صاحب السمو الملكي نائب وزير الداخلية رقم (1/5/5/93958) وتاريخ 23/8/1429هـ. هذه دعواي وبسؤال المدعى عليه أجاب قائلاً إن ما ذكره المدعي العام صحيح وقد فعلت ذلك لأني كنت في حالة نفسية سيئة وأنا نادم على ما فعلت والآن أصبحت أتناول أدوية تمنع تكرر هذه الاضطرابات النفسية بإذن الله هذا ما لدي وبالاطلاع على المعاملة وجدت بين طياتها على لفة رقم 6 صحيفة سوابق المدعى عليه المتضمنة وجود خمس عشرة سابقة تنوعت بين عقوق الوالدين وشرب المسكرات والسرقة والتهديد وإشهار السلاح والتلفظ فجرى مني وعظه وتذكيره بقصر أجل الإنسان في هذه الدنيا وخطورة قنوط المسلم من رحمة الله فبناء على ما سبق من الدعوى والإجابة وبما أن المدعى عليه أقر بما أتهم به ولحرمة قتل النفس وإيذائها ولقوله صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام) ولما أظهره المدعى عليه من توبة وندم لذلك فقد ثبت لدي إدانة المدعى عليه بالتهديد بإيذاء نفسه بمحاولة الانتحار وحكمت بسجنه أسبوعين وجلده سبعين جلدة دفعة واحدة وبعرضه على الطرفين قرر المدعى عليه قناعته بالحكم كما قرر المدعي العام الاعتراض بلائحة وجرى تسليمه صورة من نسخة الحكم.
وبناء على لائحة اعتراض المدعي العام، فقد جرى من قضاة الدائرة الجزائية الأولى في محكمة الاستئناف بمنطقة مكة المكرمة الاطلاع على المعاملة الواردة من رئيس المحكمة الجزائية بمكة المكرمة برقم 341283115 وتاريخ 20/10/1434هـ المرفق بها القرار القضائي رقم 34270068 وتاريخ 16/7/1434هـ الصادر من المحكمة الجزائية بمكة المكرمة، المتضمن دعوى المدعي العام ضد /….. المتهم بالتهديد بإيذاء نفسه بمحاولة الانتحار المحكوم فيه بما دون باطنه. وبدراسة الحكم وصورة ضبطه واللائحة الاعتراضية، قررت الدائرة الجزائية الأولى في محكمة الاستئناف بمنطقة مكة المكرمة الموافقة على الحكم.
وإزاء هذا الفهم، نرى من المناسب التنبيه إلى ضرورة التمييز بين المعصية والجريمة. فالجريمة تنصرف إلى الأفعال الضارة للمجتمع أو لأحد الناس، والتي يؤدي اقتراف إحداها إلى حدوث خلل في سير الحياة في المجتمع. أما إذا كان الفعل ينطوي على مخالفة لأوامر الله عز وجل أو نواهيه، دون أن يكون من اللازم تقرير عقوبة دنيوية له، فإننا نكون بصدد معصية لا جريمة. فإذا كانت كل جريمة معصية، فإن العكس غير صحيح. إذ قد يكون الفعل معصية متروك أمر العقاب إليها إلى يوم القيامة دون حاجة لتقرير عقوبة تعزيرية له. وعلى ذلك فإن مدلول المعصية أوسع نطاقا من مدلول الجريمة. والتشريع الجنائي الإسلامي لا يمكن أن يتضمن عقابا لكل المعاصي، إذ أن بعض المعاصي يكون العقاب عليها مؤجلاً إلى الآخرة. وفي ذلك تتميز الأديان السماوية عن القوانين الوضعية. ولعل الاقتصار على عقوبة أخروية للانتحار يبدو جلياً في الحديث النبوي الشريف الذي ركز على عقوبة المنتحر في الدار الآخرة عندما يقف بين يدي رب العالمين. يؤيد ذلك أن دار الإفتاء المصرية أفتت بأنه «مع كون الانتحار معصية عظيمة إلا أن المنتحر المسلم ليس كافراً، فلا يخرج من الملة، وعلى ذلك فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وندعو له بالمغفرة والرحمة ونتصدق عنه بما نتيسر، والله سبحانه وتعالى أعلم بحاله، إن شاء حاسبه على ما فعل وإن شاء عفا عنه». وقال شمس الدين الرملي: «وغسله (أي الميت) وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفاية إجماعاً؛ للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتل نفسه وغيره».
وربما يكون حكم المنتحر مختلفاً بحسب ما إذا كان نتيجة لمرض نفسي أو عقلي، أم كان تعبيراً عن حالة يأس وقنوط وانعدام الأمل. فعلى الرغم من ثبوت الصلة بين الانتحار والاضطرابات النفسية، وفى مقدمتها الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطى الكحول، فإن كثيراً من حالات الانتحار تحدث باندفاع في لحظات الأزمة عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشكلات المالية، أو الانفصال أو الطلاق أو الآلام والأمراض المزمنة والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو فقد الأحبة والشعور بالعزلة. وفي جميع الأحوال، فإن حساب هذا الشخص إنما هو بيد الله عز وجل، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، وليس لنا أن ننصب من أنفسنا قضاة يقررون من يدخل الجنة ومن يدخل النار. فلا يجوز في رأينا أن يثور الجدل في كل مرة تحدث فيها حالة انتحار حول جواز الصلاة على المتوفى، وهل يُصلى عليه أم لا؟ وبدلاً من الانشغال بهذا الأمر، وما إذا كان المنتحر كافراً أم مؤمن، قد يكون من الأفضل البحث في أسباب الانتحار وكيفية علاجه. وفي هذا الصدد، يقول البعض إن إدانة المنتحر نتيجة الاكتئاب القاتل الأقسى من السرطان، هي قسوة مع إنسان هشّ ومكسور وبائس. إن التعليقات على أي منتحر من قبيل «مات كافراً».. «الشيطان وسوس له».. «انتحر رغم أنه كان يصلي».. إلخ، هي خلل فهم، فهذا الاكتئاب الجسيم مرض وخلل كيمياء وموصلات عصبية في المخ، وقصة علمية كبيرة لها تفاصيل معقّدة، إنه مسئولية طبيب نفسي وليس رجل دين، والمريض حينها يحتاج إلى دكتور لا واعظ، قرص دواء أو جلسات تنظيم إيقاع مخ وليس خطبة جمعة أو درس أحد، تكفير المنتحر أو عدم الصلاة عليه في الكنيسة لا يمكن أن أصفها إلا بالقسوة في التعامل مع هذا الغلبان المنتحر الذي لم يملك من أمر نفسه شيئاً.
وعلى حد قول بعض الكتاب، إن للأهل دور في الاحتواء دون قتل للروح، والنصيحة والمصاحبة دون تضييق في رؤية، والإنصات والحديث مع أبنائهم منذ الصغر وحتى الكبر، فما أحوج أبنائنا لنا ولأحضاننا ورعايتنا وحبنا واهتمامنا دون إفراط أو تفريط. نحتاج للوجود في حياة أبنائنا بما تعنيه الكلمة لا بما توفره الإمكانيات. ولكل نبّاش منح لنفسه حق الحكم على من انتحر، فوصفه بالكفر أو تعرّض لحياته السابقة دون علم، نقول: لا تحكموا على أحد، فمن خلقه أعلم به وبمصيره. ادعوا له بالرحمة، ولأنفسكم بالثبات مع أزمات الحياة، واحضنوا أولادكم واسمعوهم.
المطلب الثاني
الانتحار في توصيات منظمة الصحة العالمية
في ملاحظاته عن أسباب ظاهرة الانتحار، يقول التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية في شهر سبتمبر 2019م إن الصلة بين الانتحار والصحة العقلية في البلدان ذات الدخل المرتفع تم إثباتها بالفعل. ومع ذلك، فإن العديد من حالات الانتحار تحدث باندفاعية في لحظات الأزمات. ومن ناحية أخرى، فإن تقرير منظمة الصحة العالمية يربط بشكل وثيق بين التعرض لتجارب «النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقد والشعور بالعزلة» وبين السلوك والنزوع الانتحاري. كما يلاحظ التقرير أن المجموعات الضعيفة التي تعاني من التمييز تظهر معدلات مرتفعة من حالات الانتحار.
وحسب توصيات التقرير، تتطلب هذه القضية المعقدة التنسيق عبر قطاعات متعددة لتعزيز الوقاية، مؤكداً أن ظواهر عامة (مثل الوصمة الشائعة حول أمراض الاضطرابات النفسية، وعدم الوعي الكافي بالانتحار كمشكلة صحية كبيرة، وغياب المناقشة المفتوحة في المجتمعات) تعني أن الكثير ممن ينزعون لفكرة الانتحار لا يحصلون على المساعدة الكافية.
ومن ثم، توصي منظمة الصحة العالمية البلدان بتدريب أفضل للعاملين الصحيين وغير المتخصصين أيضاً ليتمكنوا من «تقييم السلوك الانتحاري والتعامل معه». كما توصي بالعلاج المبكر لاضطرابات الصحة العقلية، وبالرصد الفعال لتعاطي الكحول والمخدرات، وبالتوجيه المسؤول من قبل وسائل الإعلام، بالإضافة إلى الحد من الوصول إلى وسائل الانتحار.
وتعترف منظمة الصحة العالمية بالانتحار باعتباره «أولوية في مجال الصحة العامة»، وقد حددت خطة عمل المنظمة للفترة 2013-2020 هدفاً عالمياً لخفض معدلات الانتحار بنسبة 10% بحلول عام 2020م، تمشياً مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتي تحدد هدف خفض معدلات الانتحار بمقدار الثلث حتى عام 2030م.
وتطلق منظمة الصحة العالمية في اليوم العالمي لمنع الانتحار، حملة 40 ثانية الإعلامية لزيادة الوعي بالانتحار حول العالم وطرق الوقاية منه، وتستمر جهود هذه الحملة حتى العاشر من شهر أكتوبر، والذي يصادف اليوم العالمي للصحة النفسية.
ولدعم المقبل على الانتحار، أطلقت منظمة الصحة العالمية والجمعية العالمية لمكافحة الانتحار شعار (Communicate, care, connect). واتساقاً مع هذه الحملة، وتطبيقاً للشعار سالف الذكر في التعامل مع المقبلين على الانتحار، يدعو البعض إلى أن يكون هذا شعارنا القادم، وهو التواصل مع المقبل على الانتحار وفهمه.
كذلك، أصدرت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الإرشادات لتحسين سبل الوقاية والرعاية لمن يتملك الحزن منهم إلى درجة إقدامهم على الانتحار. وصاغت المنظمة تلك الإرشادات تحت عنوان «عش الحياة»، وتشتمل على أربع استراتيجيات، هي: تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار، مثل المبيدات شديدة الخطورة والأسلحة النارية، وتثقيف وسائل الإعلام بشأن الصياغة المسئولة للتقارير عن الانتحار، وتعزيز مهارات الحياة الاجتماعية – العاطفية لدى اليافعين، والتعرف المبكر على حالات تبدى أفكاراً أو سلوكيات انتحارية وتقييمها وإدارتها ومتابعتها. وبالتمعن في الاستراتيجيات الأربع سالفة الذكر، يبدو سائغاً القول إن ثمة مسئولية مجتمعية وأسرية لمواجهة حوادث الانتحار.
ومنذ صدور التقرير الأول لمنظمة الصحة العالمية عام 2014م الذي يدرس هذه القضية، تبنت مزيد من بلدان العالم استراتيجيات وطنية خاصة بها لمنع الانتحار، ليبلغ عددها بعد خمس سنوات 38 دولة. ومع ذلك، فإن هذا العدد لا يزال متدنياً جداً، مقارنة بالعدد الإجمالي للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، الأمر الذي يعني أن العديد من الحكومات بحاجة إلى الالتزام بتأسيس مثل هذه السياسات.
المطلب الثالث
الانتحار في خطة التشريعات الجنائية المقارنة
تمهيد وتقسيم:
إذا كانت الأديان السماوية قد أجمعت على تحريم الانتحار، فإن التشريعات الوضعية تختلف في تجريم فعل الانتحار من عدمه. وتنقسم القوانين الوضعية في هذا الشأن إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى من التشريعات لا ترى فائدة من تجريم الانتحار وعقاب فاعله، وتنسحب هذه النظرة كذلك إلى الشريك. أما الطائفة الثانية، فتذهب إلى تجريم الاشتراك في الانتحار. وتذهب الطائفة الثالثة إلى تجريم الشروع في الانتحار والاشتراك فيه. وثمة اتجاه رابع، استحدث تدبير الإيداع في مأوى علاجي، بما يشكل إرهاصاً بالتعامل مع من يشرع في الانتحار بصفته مريض، وليس مجرماً. وسنحاول فيما يلي إلقاء الضوء على هذه الاتجاهات الأربعة تباعاً، كما يلي:
- 1. اتجاه عدم تجريم الانتحار
تذهب طائفة من التشريعات إلى عدم وجود ثمة فائدة من تجريم الانتحار وعقاب فاعله. وعلة ذلك أن من هانت عليه حياته لن يقعده التهديد بالعقوبة عن التضحية بها. ومن حاول الانتحار ففشل أو أصاب نفسه هو شخص مريض نفسياً أو على الأقل يجتاز حالة نفسية شاذة، ويتعين بالتالي علاجه لا عقابه. والمثال الأبرز لهذا الاتجاه يكمن في قانون العقوبات المصري. إذ يخلو هذا القانون من أي نص يجرم الانتحار ويعاقب على الشروع فيه أو التحريض عليه. ومن ناحية أخرى، ولما كان التعريف القانوني للقتل أنه اعتداء على حياة الغير، ويفترض بالتالي أن من يصدر عنه فعل القتل شخص مختلف عمن يقع عليه هذا الفعل، لذا فإن الانتحار لا يخضع للأنموذج القانوني للقتل.
ومؤدى ما سبق هو تجرد الانتحار في القانون المصري من الصفة غير المشروعة وعدم قيام جريمة به. ويترتب على نفي الصفة الإجرامية عن الانتحار نفي هذه الصفة كذلك عن الشروع فيه. إذ يفترض الشروع انصراف البدء في التنفيذ إلى فعل ذي صفة إجرامية. ويترتب على ذلك أيضاً نفي الصفة الإجرامية عن الاشتراك في الانتحار.
ولكن قاعدة عدم العقاب على الاشتراك في الانتحار لها حدودها التي تقف عندها، فلا يجوز إساءة فهمها، بحيث يعتقد البعض على سبيل الخطأ أنها تشمل صوراً من القتل يتعين العقاب عليها. فمن ناحية، يتعين رسم الحدود الفاصلة بين الاشتراك في الانتحار وبين القتل بالرضا: فمن قتل غيره برضائه، يقع تحت طائلة العقاب، ولا يستطيع أن يلتمس في رضاء المجني عليه ما ينفي مسئوليته. والتفرقة بين القتل بالرضا وبين الاشتراك في الانتحار تعتمد على الضوابط ذاتها المميزة بين نشاط الفاعل الأصلي ونشاط الشريك؛ ففي الحالة الأولى، يوجد قتل بالرضا، وفي الحالة الثانية يتحقق الاشتراك في الانتحار. ولتوضيح هذا الفارق، يمكن لنا أن نقارن بين حالة شخص يسمح لغيره بأن يطلق الرصاص عليه، وبين حالة شخص آخر يمسك بيده المسدس فيطلق الرصاص على نفسه.
ومن ناحية ثانية، فإن قاعدة عدم العقاب على الاشتراك في الانتحار لا يكون لها محل حيث تنتفي الفكرة الأساسية في الانتحار، وهي تفترض أن شخصاً قد أقبل على الموت عن رغبة، وأن انتحاره كان ثمرة لإرادته واختياره الحر عن بينة وبصيرة. وبناء على ذلك، يرى بعض الفقه أنه إذا كان من شأن نشاط شخص آخر أن صار المجني عليه مجرد أداة في يديه يوجهه إلى الموت، وهو على غير بينة من أمره أو غير محتفظ بحريته، فإن نظرية الفاعل المعنوي تجد مجالها للتطبيق في هذه الحالة، ويبدو سائغاً بالتالي القول إن هذا الشخص الآخر يعتبر فاعلاً معنوياً للقتل. وغني عن البيان أن نظرية الفاعل المعنوي تتحقق في حالتين، هما: أن يكون المجني عليه غير مميز، أو يكون حسن النية. وتطبيقاً لذلك، يؤكد صاحب هذا الرأي أن من يكره شخصاً على قتل نفسه، ومن يحرض مجنوناً أو صغيراً غير مميز على الموت، ومن يوقع ضحيته في غلط يتعلق بطبيعة الفعل الذي يحمله عليه، فيوهمه أن المادة السامة التي يحمله على تناولها هي دواء، أو أن السلك الذي يحمل التيار الصاعق لا خطر منه، ويحمله بذلك على لمسه، كل أولئك فاعلون لقتل. وفي اعتقادي أن هذه الأمثلة تشكل تطبيقات لجريمة القتل في صورتها العادية، وليست تطبيقاً لنظرية الفاعل المعنوي. ووجه الفارق بين الأمثلة سالفة الذكر وبين نظرية الفاعل المعنوي أن الفاعل المعنوي يلحق الضرر بالغير، ولا يتصور وصف شخص ما بأنه فاعل، ويكون في الوقت ذاته مجني عليه. ففي رأينا، أن الأمثلة سالفة الذكر تندرج تحت النموذج القانوني للقتل، ويمكن فهمها في ضوء المبدأ القائل إن «كل الوسائل لدى القانون سواء».
ومن ناحية ثالثة، فإن الحامل التي تشرع في الانتحار، فتفشل، ويترتب على محاولتها إجهاض جنينها، تسأل عن إجهاضها نفسها، ولا يستبعد قصد الانتحار قصد الإجهاض، بل إنه يتضمنه على الأقل في صورته الاحتمالية: فإذا توقعت الحامل حدوث الإجهاض – وهو ما يتحقق غالباً – فرضيت بهذا الاحتمال، كان قصد الإجهاض متوافراً لديها.
- 2. اتجاه تجريم الاشتراك في الانتحار
لما كانت العلة التي يقوم عليها الاتجاه سالف الذكر تصدق بالنسبة للفاعل، أي المنتحر، ولا تنطبق على الشريك، أي من يساعده أو يحرضه على الانتحار، لذا يغدو مستساغاً ومتعيناً عقاب هذا الأخير. ولكن، ولما كان الشريك يستمد إجرامه من إجرام الفاعل، فإن عدم تجريم الانتحار يؤدي إلى عدم عقاب المحرض على الانتحار أو الذي يساعد عليه. لذلك، لجأت هذه الطائفة من التشريعات إلى النص على تجريم الاشتراك في الانتحار. فعلى سبيل المثال، وفي مملكة البحرين، ثمة نص يعاقب على التحريض أو المساعدة على الانتحار، متى وقع الانتحار بناء عليه. إذ تنص المادة (335) من قانون العقوبات البحريني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنين من حرض آخر أو ساعده بأية وسيلة على الانتحار إذا تم الانتحار بناء على ذلك. وإذا كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة أو كان ناقص الإدراك أو الاختيار عد ذلك ظرفاً مشدداً. ويعاقب الجاني بعقوبة القتل عمدا أو الشروع فيه بحسب الأحوال إذا كان المنتحر فاقد الإدراك أو الاختيار».
وفي الاتجاه ذاته، سار المشرع الكويتي، حيث ارتأى المشرع من المناسب تجريم التحريض أو المساعدة أو الاتفاق على الانتحار، متى تم الانتحار بناءً عليه. فوفقاً للمادة (158) من قانون الجزاء الكويتي رقم (16) لسنة 1960م، «كل من حرض أو ساعد أو اتفق مع شخص على الانتحار، فانتحر، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وفي سلطنة عمان، ثمة نص يعاقب على التحريض أو المساعدة على الانتحار، إذ تم بناء عليه أو نجم عنه أذى، وهو المادة (304) من قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/ 2018م، بنصها على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (7) سبع سنوات كل من حرض شخصا على الانتحار أو ساعده على قتل نفسه، إذا أفضى ذلك إلى الوفاة. وإذا كان المنتحر لم يكمل (18) الثامنة عشرة من عمره، أو كان ناقص الإرادة أو الإدراك عوقب الجاني بالسجن مدة لا تقل عن (5) خمس سنوات، ولا تزيد على (10) عشر سنوات. وإذا كان المنتحر فاقد الاختيار أو الإدراك، عوقب الجاني بالسجن مدة لا تقل عن (7) سبع سنوات، ولا تزيد على (15) خمس عشرة سنة. وفي جميع الأحوال، إذا لم تحدث الوفاة ونجم عن المحاولة أي أذى، فتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة». وتفرد قانون الجزاء العماني عن غيره من التشريعات العربية بأن أورد نصاً خاصاً للعقاب على القتل بدافع الشفقة، وبناء على إلحاح من المجني عليه، حيث تنص المادة (305) من قانون الجزاء العماني على أن «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (10) عشر سنوات كل من قتل شخصا عمدا بدافع الشفقة، وبإلحاح من المجني عليه».
- 3. اتجاه تجريم الانتحار
على النقيض من الاتجاهين السابقين، اتجهت طائفة أخرى من التشريعات إلى تجريم الانتحار. ويقود هذا التجريم إلى عقاب الشريك في الانتحار، سواء توفي الشخص أو أن فعله قد وقف عند حد الشروع. أما بالنسبة للفاعل، أي الشخص الذي أقدم على الانتحار، فلا يمكن عقابه إلا إذا خاب أثر فعله ولم تنجح محاولة الانتحار. إذ أن نجاح المحاولة ووفاته يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية في حقه. ولعل ذلك هو السبب وراء اقتصار بعض التشريعات على تجريم الشروع في الانتحار، كما هو بالنسبة لقانون عقوبات أبو ظبي لسنة 1970م، والذي تنص المادة 67 منه على أن «يعاقب بالسجن لمدة قد تصل لعامين أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا كل شخص يشرع في الانتحار».
والواقع أن النص سالف الذكر قاصر، إذ يؤدي التطبيق الحرفي له إلى امتناع عقاب الشريك إذا أفلح المنتحر في محاولته ومات فعلاً على أثر ذلك. والأفضل أن يتم النص على تجريم الشروع في الانتحار، الأمر الذي يسمح بعقاب الشريك أيضاً، وأن يتم كذلك تجريم فعل الشريك إذا تم الانتحار فعلاً. وقد فطن المشرع الجنائي في بعض الدول العربية إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، وفي دولة قطر، ثمة نص يعاقب على الشروع في الانتحار، وهو المادة (304) من قانون العقوبات رقم (11) لسنة 2004م، بنصها على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر، وبالغرامة التي لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من شرع في الانتحار، بأن أتى فعلاً من الأفعال التي تؤدي إلى الوفاة عادة». وثمة نص آخر يعاقب على التحريض أو المساعدة على الانتحار، وهو المادة التي تليها، أي المادة (305)، بنصها على أن «يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، كل من حرَّض شخصًا أو ساعده بأي وسيلة على الانتحار، إذا تم الانتحار بناءً على ذلك. فإذا كان المنتحر لم يبلغ السادسة عشرة، أو كان ناقص الإرادة أو الإدراك، عوقب الجاني بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات. وإذا كان المنتحر فاقد الاختيار أو الإدراك، عوقب الجاني بعقوبة القتل العمد، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، إذا عفا ولي الدم أو قَبِل الدية».
- 4. اتجاه استحداث تدبير الإيداع في مأوى علاجي
في البداية، وعند صدوره في عام 1987م، تبنى قانون العقوبات الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة الاتجاه القائل بتجريم الاشتراك في الانتحار. إذ نصت المادة 335 منه على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنين من حرض آخر أو ساعده بأية وسيلة على الانتحار إذا تم الانتحار بناء على ذلك. وإذا كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة أو كان ناقص الإرادة أو الإدراك عد ذلك ظرفا مشددا. ويعاقب الجاني بعقوبة القتل عمدا أو الشروع فيه بحسب الأحوال إذا كان المنتحر أو من شرع في الانتحار فاقد الاختيار أو الإدراك». وهكذا، وفي ظل هذا النص، لم يكن سلوك الشخص ذاته الذي يشرع في الانتحار مجرماً، بحيث يمكن القول إن المشرع لم ير فائدة من عقابه.
ولكن، وبموجب القانون الاتحادي رقم 34 لسنة 2005م بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، خضعت المادة 335 للتعديل، بحيث غدا نصها كما يلي: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم أو بالعقوبتين معا كل شخص يشرع في الانتحار، ويعاقب بالحبس كل من حرض آخر أو ساعده بأية وسيلة على الانتحار إذا تم الانتحار بناء على ذلك». وتقرر الفقرة الثانية من نفس المادة ظرفا مشددا «إذا كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة أو كان ناقص الإرادة أو الإدراك». وتقرر الفقرة الثالثة عقاب المحرض بعقوبة القتل عمدا أو الشروع فيه بحسب الأحوال «إذا كان المنتحر أو من شرع في الانتحار فاقد الاختيار أو الإدراك». وعلى هذا النحو، يتضح أن الانتحار والشروع فيه أصبح مجرماً بموجب قانون العقوبات الاتحادي بعد تعديله.
وفي مرحلة ثالثة، وبموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2020م، حدث تعديل جوهري على السياسة التشريعية الجنائية في التعامل مع الشخص الذي يشرع في الانتحار، وبحيث أعلى المشرع من شأن غرض التأهيل والعلاج على غرض العقاب والردع. بيان ذلك أن المادة (335) الفقرة الثانية من قانون العقوبات الاتحادي، معدلة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2020م، تخول للمحكمة إيداع من يشرع في الانتحار مأوى علاجي بدلاً من الحكم عليه بالعقوبة المقررة لجريمة الشروع في الانتحار، وهي الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم أو بالعقوبتين معاً.
وقد تم هذا التعديل بناء على اقتراح شرطة دبي التي تقدمت باقتراحها إلى اللجنة العليا للتشريعات بحكومة دبي، طالبة تعديل المادة المشار إليها، على نحو يتم بموجبه إضافة تدبير إيداع الشخص المقدم على الانتحار في مركز للتأهيل، عوضاً عن إنزال عقوبة الحبس أو الغرامة عليه، وذلك بهدف الحد من ظاهرة الشروع في الانتحار، باعتبارها حالة فردية وليست مجتمعية، ومراعاة الوضع النفسي والظروف الاجتماعية والمادية لهذا الشخص، ومد يد العون له وتأهيله لتجاوز هذه الحالة التي يكون فيها في أضعف حالات الاستسلام لأي تأثير سلبي يدفعه لارتكاب أفعال من شأنها المساس بحياته وسلامته، والتي تصل إلى حد إنهاء حياته. كذلك، أشارت مبررات طلب التعديل إلى دراسة أجرتها شرطة دبي أكدت أن «جريمة الانتحار جريمة مغلفة في عقول مرتكبيها ولها دوافع متشابهة وأساليبها أيضاً متشابهة بل ومتطابقة، ويتسم المنتحر بطابع الاكتئاب والإحباط من أمر عجز عن حله، وتتجمع أفكاره وتنصب نحو إيجاد طريقة للتخلص من الحياة ويتردد في اتخاذ القرار المميت وقد يتكرر الإحساس من التفكير أو تكرار السلوك والتعامل فيلجأ مباشرة لتنفيذه». وتشير مبررات اقتراح التعديل أيضاً إلى تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية تؤكد فيه أن الانتحار يعتبر من الأمراض التي تحظى بالأولوية في برامجها، والتي تهدف إلى سد الفجوة في الصحة النفسية، وذلك من خلال توفير التوجيه التقني المسند بالبيانات لرفع مستوى تقديم الخدمات ورعاية الاضطرابات النفسية والعصبية والمتعلقة بتعاطي مواد الإدمان. وقد التزمت الدول الأعضاء بموجب خطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2013 – 2020 بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بنسبة 10% بحلول عام 2020م. كما تعد معدلات الوفيات الناجمة عن الانتحار مؤشراً من مؤشرات الغاية 3- 4 من أهداف التنمية المستدامة (تخفيض الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمقدار الثلث) من خلال الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة والسلامة العقليتين بحلول عام 2030م.