المعيار القانوني
بقلم الدكتور/ وليد محمد وهبه المحامي
يعرف المعيار باعتباره أدآة لتقويم السلوك الفردي بصفة عامة، بإنه مجموعة القواعد التي يضعها المجتمع أيا كان مصدرها ويتحدد في ضوئها السلوك الذي يتوقعه المجتمع من أفراده في المواقف المختلفة.
وفي ضوء المعنى المتقدم فإنه يقصد بالنمط المعياري ( Normative Pattern) وصف الشيء أو الموقف بإنه ما ينبغي أن يحتذى به .
بمعنى ما يجب أن يكون لا ما هو كائن بالفعل، وهذا نوع من الحكم التقويمي لا التقريري، وتلك في الواقع هي الخاصية الذاتية للمفهوم، حيث يراد به تلك المقاييس أو القواعد الإجتماعية الأخلاقية أو الدينية التي تحددها جماعة معينة كي يتمثلها أفرادها بوصفها غايات أو نماذج للفعل والسلوك، بحيث تؤثر في سلوكهم وتجعله يتميز بالتطابق والتشابه مما يساعد على وحدة الجماعة.
معيار كل شيء ومقياسه هو الذي يعرف به الشيء معرفة مزيلة للبس والابهام، ولكل علم غايته ومعياره، فغاية علم المنطق التفكير السليم ومعياره الحق والصواب، وغاية علم الجمال تربية الشعور على تذوق الجمال وتمثله ومعياره الذوق السليم، وغاية علم الاخلاق ضبط سلوك الانسان ومعياره العدالة والخير والفضيلة ، وغاية القانون تحقيق العدل وضبط سلوك الافراد وربط ذلك بأمن واستقرار ومصلحة الجماعة ومعياره القاعدة القانونية سواء كانت وضعية او عرفية ،وايا كان مصدرها التشريع او المباديء العامة للقانون أو القانون الطبيعي او قواعد العدالة او احكام القضاء او اراء الفقهاء وحسب طبيعة فرع القانون من حيث المرونة أو الجمود.
ولما كانت تلك الغايات مثلا عليا ينشدها أو يتمناها الانسان في كل مكان وزمان، فإنها في نفس الوقت معايير راسخة لما ينبغي أن يكون عليه من الفكر والسلوك، والقانون علم معياري، ويفيد لفظ القانون في العربية معنى المعيار والمقياس، يقول الفيروز أبادي في قاموسه المحيط ( القانون مقياس كل شيء ).
فالقانون هو المعيار الذي يقاس به السلوك والافعال بغية التحقق من عوارضها واثارها والتمييز بين صحيحها وباطلها وما الى ذلك من احوالها، ولهذا عرف القانون بإنه ( مجموعة قواعد معيارية تبين ما هو جائز وماهو غير جائز ).
والمعيار القانوني (Legal Standard) وسيلة استمدتها التقنية التشريعية الحديثة من القانون الانكلوسكسوني، وكانت معروفة لدى البريتور الروماني واول من وضع يده عليها ارسطو.وفي مجال علم القانون وفلسفته، فانه يراد بالمعيار القانوني معنى اخص مما تقدم ، الا وهو تقويم السلوك الفردي وفقاً لنموذج قانوني يُنشأ على اساس معطيات اجتماعية وتاريخية واخلاقية محددة ، على اعتبار ان القيم الاجتماعية والاخلاقية اوسع من نطاق القيم القانونية،مع الاخذ يالاعتبار عوامل الاستقرار والملائمة والمرونة كخصائص يتميز بها المعيار القانوني عن ادوات التقنية القانونية الاخرى، وهي القاعدة القانونية والمبدأ القانوني والمفهوم القانوني.
فالمعايير القانونية تحدد انماطاً نموذجية (Type Modele ) للسلوك القانوني في ضوءالمعطيات الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية المتغيرة دوماً ، وتواجه معياراً نموذجياً متوسطاً، له صفة العمومية لكنه خالٍ من التجريد لتأكيد اعتبارات الملائمة التي تقوم عليها فكرة المعايير.
ويعرف الاستاذ السنهوري المعيار القانوني بقوله ( المعيار القانوني هو عبارة عن اتجاه (Directive) عام لا يقيد القاضي ، يهتدي به عند الحكم ، ويعطيه فكرة عن غرض القانون وغايته ) ومع ذلك فان الاستاذ السنهوري يلاحظ ان كلمات فرنسية مثل ، اتجاه (Directive) ، وميزان Critcrium ، يمكنها اعطاء فكرة ولكنها فكرة ناقصة.