المعاملة العقابية لمدمني المخدرات.. نحو أنسنة القانون الجنائي

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة – المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي

 

في منتصف شهر فبراير الجاري، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، ابتكر أطباء جراحة جديدة تُجرى في الدماغ، ويُتوقع لها أن تكون وسيلة حاسمة في إنهاء معاناة مدمني المخدرات. وتم تمويل هذا المشروع البحثي من قِبل المعهد الوطني الأمريكي لتعاطي المخدرات (National Institute on Drug Abuse)، وهو معهد أبحاث حكومي اتحادي تتمثل مهمته في النهوض بالعلوم حول أسباب ونتائج تعاطي المخدرات والإدمان وتطبيق المعارف المكتسبة من الأبحاث والدراسات التي يجريها في هذا الصدد لتحسين الصحة الفردية والعامة. وهكذا، وتنفيذاً للمهمة المنوطة به، أجرى المعهد دراسات معمقة للإدمان، حسب مكوناته البيولوجية والسلوكية والاجتماعية، كما دعم العديد من العلاجات، مثل لصقات النيكوتين واللثة، وأجرى أبحاثاً حول الإيدز والأمراض الأخرى المرتبطة بالتعاطي. وفيما يتعلق بالعملية الجديدة، فهي تقوم بدور فعَّال في التحفيز العميق للدماغ، مما يساعد على مقاومة إدمان المخدرات. وخلال هذه العملية، يقوم الأطباء بإعطاء المريض مخدراً موضعياً، ثم يتم حفر ثقب في الجمجمة قبل إدخال أقطاب كهربائية من خلال قطعة سلك رفيعة لا يزيد عرضها على ملليمتر واحد. ويستلقي المريض بعد ذلك، وهو مستيقظ، ليعرض عليه الأطباء صور أكوام من المخدرات، وصوراً أخرى تهدف إلى إثارة الرغبة الشديدة في تناولها، بينما يضبط الأطباء مكان الأقطاب الكهربائية، بناءً على ردود فعل دماغ المريض، للوصول إلى المناطق المسؤولة عن الرغبة الشديدة في تناول المخدرات والتأثير عليها للتحكم في هذه الرغبة ومحوها.

 

ووفقاً للعلماء، فإن التقنية الجديدة تحفز أيضاً منطقة القشرة الأمامية للدماغ، وهي منطقة حيوية للتفكير واتخاذ القرارات، تتضرر في الأغلب من جراء تعاطي المخدرات بكثرة. وقد أجرى الأطباء حتى الآن تجربة لهذه التقنية المستحدثة على أربعة أشخاص، حيث ثبتت فاعليتها على مريضين من الأربعة الذين شملتهم التجربة، وأقلعوا فعلاً عن الإدمان منذ عامين ونصف، في حين انتكس المريض الثالث وعاد للإدمان وأزيلت الأقطاب الكهربائية من مخه. وما زال العلماء يختبرون مدى نجاح التقنية على المريض الرابع، قائلين إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت قد نجحت بالفعل في مساعدته على ترك الإدمان. يراجع في هذا الشأن:

Experimental brain surgery may help some people overcome drug addiction, CNN, February 15, 2022.

 

وغني عن البيان أن نجاح هذه العملية أو التقنية المستحدثة من شأنه أن يسهم في إعادة النظر بشكل شامل وكامل في المنظومة الجنائية التقليدية في التعامل مع ظاهرة الإدمان، وبحيث يتم النظر إلى المدمن كمريض ينبغي علاجه، وليس عقابه. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المشرع الجنائي لدولة الإمارات العربية المتحدة قد اتخذ خطوة في هذا الاتجاه، بمقتضى المادة الخامسة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (30) لسنة 2021 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والتي تنص على أن «تنشئ وزارة الصحة ووقاية المجتمع وحدات متخصصة لعلاج وتأهيل المدمنين على المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ويصدر مجلس الوزراء بناء على عرض وزير الصحة ووقاية المجتمع، اللائحة المنظمة لعمل هذه الوحدات وللجهات الصحية المحلية إنشاء وحدات مماثلة وفقاً لقوانين إنشائها». ووفقاً للمادة الخامسة والأربعين من المرسوم بقانون اتحادي ذاته، «يجوز للمحكمة – في غير حالة العود – بدلاً من الحكم بالعقوبات المنصوص عليها بالمواد (41) و(42) و(43) و(44) أن تستبدل العقوبة بإيداع المحكوم عليه إحدى وحدات علاج وتأهيل المدمنين المنصوص عليها في المادة (5) من هذا المرسوم بقانون، بعد أخذ رأي اللجنة المشرفة عليها، على أن تقدم اللجنة إلى المحكمة تقريراً عن حالته خلال ستة أشهر أو كلما طلب منها ذلك. ولا يجوز أن يودع بالوحدة من سبق الأمر بإيداعه فيها تنفيذاً لحكم سابق أو لم يمض على خروجه منها أكثر من ثلاث سنوات».

 

وفي ظل هذه السياسة الجنائية الجديدة، نرى من الملائم توفير نوع من الدعم والتوعية اللازمة لأسر الأشخاص الذين يعانون من الإدمان، وبحيث يكونوا شركاء في البرنامج التأهيلي المتبع في علاجهم. ويمكن لمؤسسات المجتمع المدني القيام بدور ما في هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، قامت إحدى السيدات بإنشاء شبكة لدعم الأسر التي يعاني أحد أفرادها أو بعضهم من الإدمان. راجع:

How one woman created a network to support the families of those struggling with addiction, CNN, Health, October 12, 2021.

زر الذهاب إلى الأعلى