المسئولية التقصيرية الإلكترونية الناشئة عن إساءة استخدام الإنترنت

بقلم د/ وليد محمد وهبه المحامي

تعرف المسئولية بشكل عام بأنها محاسبة شخص على فعل أو امتناع غير جائز، بمعنى أنها جزاء على مخالفة الشخص أحد الواجبات الملقاه على عاتقه، التي تكون بدورها إما واجبات مصدرها القانون، أو واجبات فرضها المجتمع على الإنسان لكونه كائناً يعيش بداخله، فإذا أخل الشخص بالواجب الاجتماعي فإن المسئولية التي تنشأ هي مسؤولية أخلاقية ولا يتعدى الجزاء على هذا النوع من المسئولية سوى الاستهجان من جانب المجتمع، وإذا ارتقى الإخلال إلى اعتداء أصاب المجتمع فإن المسئولية التي تنشأ هي المسئولية الجزائية، ويكون الجزاء عليها هو الردع عن طريق توقيع العقوبة، أما إذا أصاب الإخلال حق الغير، فالمسئولية التي تنشأ هي المسئولية المدنية، ويكون الجزاء المترتب عليها هو جبر الضرر، إما بإعادة الحال إلى ما كان عليه أو بالتعويض عما لحق الغير من ضرر.

والمسئولية المدنية بدورها تنقسم إلى نوعين: المسئولية العقدية وتتحقق إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه العقدي، أو نفذه على وجه معين ألحق ضررًا بالدائن (كأن يكون هناك عقد بيع، ثم لا يسلم البائع المبيع إلى المشتري فيكون البائع قد أخل بالتسليم)، أما المسئولية التقصيرية فتتحقق إذا أخل شخص بما فرضه القانون من التزام بعدم الإضرار بالغير، وهو التزام واحد لا يتغير (كأن يعتدي شخص على مال الغير، فيلحق به تلفًا، فيكون هذا الشخص قد أخل بالتزام قانوني عام يملي عليه عدم الإضرار بالغير.

والغرض من هذه الدراسة هو لبيان مدى إخضاع أحكام المسئولية التقصيرية الناشئة عن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وأهمها الحاسوب للأحكام الناظمة للمسؤولية التقصيرية وفق القواعد العامة، لأن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، أدى إلى ظهور نقاط قانونية مستحدثة تحتاج إلى البحث والدراسة والوقوف على مدى إخضاعها للقواعد القانونية السارية المفعول، وبالتالي فإننا من خلال هذه الدراسة نطرح تساؤلًا رئيسًا يتمثل في مدى كفاية التشريعات النافذة حالياً لحكم المسؤوليات الناشئة عن الاستخدام غير المشروع لوسائل التكنولوجيا الحديثة، وهذا التساؤل له ما يبرره، فمعظم التشريعات النافذة سنت قبل التحول المفصلي الناتج عن اختراع أجهزة الحاسوب، والتزاوج الذي حدث بين تكنولوجيا المعلومات وأدوات الاتصال السلكية واللاسلكية، أفرز لنا وليداً أطلق عليه “الإنترنت”.

وحيث إن دراستنا هذه هي دراسة مقارنة مع القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية فلا بد لنا من تناول هذه القواعد بشيء من التفصيل، لدى معالجتنا كل جزئية من جزئيات متن هذه الدراسة. ولكن قبل ذلك يجب التنويه بأن المقصود بعبارة “القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية” في هذا المقام القواعد التي تعالج المسئولية التقصييرية كافة بأجنحتها الثلاثة: المسئولية عن الفعل الشخصي، والمسئولية عن فعل الغير، والمسئولية عن الأشياء، وليست فقط القواعد الناظمة لأحكام المسئولية عن الفعل الشخصي كما درج الفقه على ذلك. كما أود الإشارة إلى الخلط الذي يحدث لدى البعض بين عنوان هذه الدراسة وبين عناوين أخرى قريبة من ذلك، وقد لمست هذا الخلط لدى بحثي عن المراجع والمصادر، حيث بدأ البعض ومنهم المتخصصون في القانون المدني يرشدني إلى بحوث ودراسات تتحدث عن الحماية القانونية لبرامج الحاسوب أو لما هو منشور على الإنترنت على أنها دراسات وبحوث سابقة في المسئولية محل هذه الدراسة. والحقيقة أن الفرق شاسع بين هذه وتلك، فموضوع هذه الدراسة يتحدث عن مسؤولية مدنية تنشأ نتيجة الاستخدام غير المشروع للإنترنت الذي ألحق ضرراً بالغير، وعن مدى كفاية التشريعات القائمة حالياً .

و في حكم هذه المسئولية نظرًا لخصوصيتها وتميزها بمجموعة من الميزات غير المتوافرة في المسئولية التقليدية، إذا جاز لنا استخدام هذا التعبير، أما العناوين الأخرى ألمشابهه فهي تتحدث عن كيفية حماية برامج الحاسوب أو غيرها من الاعتداء عليها، هذا وإن كان يشكل في جزء منه فعلاً ضاراً لمالك هذه البرامج، وبالتالي يدخل في صميم المسئولية التقصيرية، ويتداخل مع موضوع هذه الدراسة، إلا أن قوانين خاصة -أهمها قانون حماية حق المؤلف -وفرت هذه الحماية. وعليه فإن دراستها تخرج أساساً عن القانون المدني لتدخل في نطاق قوانين الملكية الفكرية، ولا يتم الإشارة إلى المسئولية التقصيرية في مثل هذه البحوث والدراسات إلا على سبيل أنها طريق استثنائي يمكن اللجوء إليه إذا عجزت القوانين الخاصة عن توفير الحماية المطلوبة. فبالرجوع إلى القانون المدني المصري فقد عالجها في المواد (163 ــ 178) من القانون المدني المصري، في حين اكتفى المشرع الفرنسي بمعالجة أحكام المسئولية التقصيرية في خمس مواد هي (1382 ــ 1386) من مدونة نابليون.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى