المحاماة اللغوية
بقلم/ مازن عبد القادر السباعي
قال الإمام الشافعي في شأن طلب العلم:
(أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلّا بِسِتَّةٍ سَأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ
ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ).
إذا كانت اللغة العربية هي لغة الشرف والتشريف التي فضل الله بها أمتنا العربية والإسلامية بالقرآن الكريم، و بها تُفهم الأحكام الشرعية، ويستنبط بها علم الأصول، كذلك فإن إجادة اللغات الأجنبية من شأنها أن تثرى فكر وحضارات الشعوب والأمم إذا كان طالبها يستطيع أن يطوعها لهذا الغرض الكريم.
و بسبب تطور الاتصالات في عالمنا المعاصر، و زيادة الطلب على تحصيل المعارف و العلوم، و ما وصلت إليه من دروب وآفاق، فقد نشأت المحاماة اللغوية كأحد المنابع الأساسية التي يخرج منها أساتذة وأفذاذ التحكيم التجاري الدولي وعقود التجارة الدولية والعديد من القوانين الحيوية في المعاملات الدولية، وما يتصل بهم من اتفاقيات ومعاهدات دولية، أصبحت تُدمج اليوم في القوانين الوطنية، دون أن يكون هناك من أبناء الوطن من هو مستعد لفهم ما سوف يترتب علي ذلك التطبيق من آثار، مثل ما سينعقد على تطبيقهم من اختصاصات المحاكم و هيئات التحكيم، وفهم فلسفة تلك القوانين والتشريعات التي سوف تفصل في الأقضية و المنازعات بين الخصوم و الأطراف الوطنية والدولية.
ومن هنا وُجدت الحاجة إلى وجود محامين متخصصين في هذا المجال، يستطيعون أن يجيدوا لغة القانون الأجنبية، و من خلالها يتمكنوا من الغوص في تلك القوانين و التشريعات، بغية الوصول إلى مرامي و فلسفة المبادئ القانونية التي قامت عليها، و ما قد ينتج عنها من ملكة الفهم، التي تمكنهم مع مرور الوقت من تمثيل بلدانهم أفضل تمثيل في العديد من المفاوضات والعقود والمنازعات في الوقت الراهن والمستقبل.
واليوم سوف نأخذكم بجولة سريعة، في قانون العقد الإنجليزي، للتعرف على بعض صور تنظيم تلك العقود وما يترتب عليها من التزامات.
العقد لدى الانجليز يجب أن ينتج عنه أثرٌ قانونيٌّ، كما هو في الفقه الإسلامي والقانون المدني المصري. ومع ذلك، من المهم أن تعلم أن القضاء في انجلترا، لا يعتبر أي اتفاق بمثابة عقد يترتب عليه أثرٌ قانونيٌّ.
و قد وضع ” قانون العقد” في المملكة المتحدة بعض الفرضيات التي تدل على عدم وجود عقد بالمعنى المعروف، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، ما لم يتم دحض ذلك بحجة قاطعة.
ومن أمثلة هذه الفرضيات التي لا تدل على وجود عقد لديهم الأمثلة التالية:
العقود التي تتم بين الزوجين أو العائلة، أو ذات الصلة بالمناسبات الاجتماعية. وقد تم تسمية الاتفاقات المنطوية عنها بمصطلح:
Domestic and Social Agreements
العقود الداخلية و الاجتماعية
كذلك بعض أنواع المعاملات التجارية التي يكون الاتفاق فيها تحت مسمى من المسميات الآتية:
Letters of Intent
(خطاب النوايا)
Letters of Comfort
(خطاب تعزيز الثقة)
و من الأمثلة عليها، اتفاق بين الشركة القابضة وأحد شركاتها التابعة بشأن تعزيز عملية الاقتراض التي تتم لتلك الأخيرة.
Honor Clauses
(بنود التعامل بشرف)
و مثال لتلك البنود أن يتم النص على الآتي :
“This Agreement is not made as a formal or legal Agreement and shall not subject to legal jurisdictions in the law of court. but it is only a record of the purpose and intention of the parties to which they each honorably pledge themselves based on past business.”
و ترجمة هذه الصيغة:
” لم يُحرر هذا العقد كعقد رسمي، أو يتولد عنه أثرٌ قانونيٌّ، ولا يجوز أن يخضع هذا العقد لأي اختصاص قضائي لمحاكم القانون. لكن أُبرم هذا العقد فقط لإظهار غرض ونية الأطراف بشأن تعهدهما بالوفاء بما عزموا عليه في هذا العقد، و ذلك بناءً على اعتبارات شخصية فيما بينهما نتيجة لمعاملات تجارية سابقة.”
-و كما هو واضح من صياغة هذا البند أنه لا يرتب أي أثر قانوني، بل مجرد تعهد أو ضمان حسن معاملة فحسب، وللحديث بقية.