القانون بين الغش وحسن النوايا

بقلم: الأستاذ/ أشرف الزهوي

من القواعد القانونية التي لا يشترط وجود نص خاص بها في القانون: (الغش يبطل التصرفات).

أساس قيام القاعدة، اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والاحتيال. وفي المقابل فقد عني القانون بمبدأ حسن النية في التعاملات والتصرفات.

ومن الأمثلة التي تؤكد احترام القانون للاعتبارات الخلقية والاجتماعية؛ بطلان الإعلان الصادر بطريقة تنطوي على غش لمنع المعلن إليه من الدفاع في الدعوى، أو تفويت مواعيد الطعن في الحكم، ولو استوفي ظاهريا أوامر القانون.

في مجال التعاقدات، فإن ثبوت قيام الغش من جانب أي من طرفي عقد البيع، مؤداه؛ أن يجوز لأي منهما إثبات العقد الحقيقي بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن للقضاء في الالتزامات المتبادلة بينهم. منح القانون الحق من تعرض للغش أن يثبت هذا الغش بكافة طرق الإثبات دون التقيد بما أورده قانون الإثبات.

نصت المادة ٢٤١ من قانون المرافعات على الحالات التي يجوز فيها الطعن على الأحكام الصادرة بصفة انتهائية بطريق استثنائي بإعادة النظر وعددت الحالات التي يجوز فيها تقديم الالتماس وفي مقدمتها، (إذا وقع من الخصم غش كان من شأنه التأثير في الحكم).

إن القانون الذي يجعل الغش مفسدا لكل شي، يحمي في الوقت ذاته حسن النية، فلو أن هناك شخص قام بتأجير العقار لآخر حسن النية، ثم تبين، فسخ عقد شراء المؤجر أو زوال سند ملكيته بأثر رجعي لبطلانه، فإن ذلك لا يمس بعقد الإيجار الذي أبرمه المستأجر حسن النية مع المؤجر الذي زالت ملكيته بأثر رجعي، وينفذ عقد الإيجار الصادر منه في حق المالك الحقيقي.

لمحكمة الموضوع بما تملكه من سلطة؛ استخلاص عناصر الغش والتواطؤ، واستنباط عناصر الدعوى ومسلك الخصوم فيها طالما أقامت قضائها على أسباب سائغة.

من الأمثلة التي تؤكد تعظيم القانون لحسن النية والتصدي للغش، أن تغيير الحقيقة في الورقة الموقعة على بياض ممن أستؤمن عليها، نوع من خيانة الأمانة مقتضاه، عدم جواز إثبات عكس الثابت بالورقة إلا بالكتابة، أو بمبدأ ثبوت بالكتابة، أما لو كان الاستيلاء عليها خلسة، أو نتيجة غش أو بطرق احتيالية، أو بأي طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري، أثره؛ اعتبار تزوير الحقيقة فيها تزويرا ويجوز إثباته بكافة طرق الإثبات مع وجوب أن يكون الاحتيال والغش، قد استخدما كوسيلة للاستيلاء على الورقة ذاتها، بما ينتفي معه تسليمها، بمحض الإرادة.

لا يتسع المجال لعرض نماذج الأحكام الرائعة التي أنصفت أصحاب النوايا الحسنة، وتصدت بحسم لكل مظاهر الغش والاحتيال. وتدق التفرقة بين مبدأ حسن النية ومبدأ عدم الاعتذار بالجهل بالقانون وهو ما سنعرضه لاحقا بإذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى