الفسخ والانفساخ والتفاسخ
بقلم أ. يوسف أمين حمدان
هناك اختلاف جوهري في المصطلحات الثلاثة (الفسخ- الانفساخ- التفاسخ “التقايل”)، فالفسخ لا يكون إلا في العقود الملزمة الجانبين وذلك إذا لم يف أحد المتعاقدين بالتزامه إذ يكون للمتعاقدين الآخر أن يطلب حل أو إنهاء الرابطة العقدية للتحلل من التزامه.
وللفسخ طريقان اولهما الفسخ القضائي والثاني الفسخ الاتفاقي.
وللفسخ عدة شروط وهي:-
أن يكون العقد ملزمََا للجانبين.
أن يخل أحد المتعاقدين بالتزامه.
أن يكون طالب الفسخ قد نفذ التزامه، أو علي الأقل أن يكون. مستعدََا لتنفيذه.
الاعتذار.
الفسخ القضائي :-
وهو إنهاء العلاقة التعاقدية بين المتعاقدين بناءََ علي طلب أحدهم، ويكون ذلك إذا خل أحدهم بتنفيذ التزامات العقدية.
ونجد مصدره في القانون المدني حيث نص المشرع المصري في نص المادة ١/١٥٧علي أنه “في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوف المتعاقدين بالتزامه، جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذار المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتض”
٢/١٥٧ “ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا إذا اقتضت الظروف ذلك كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلي الالتزام في جملته”.
ويثور التساؤل هل يشترط أن يضمن العقد شرطا يجيز الفسخ؟
فقد اجيبت محكمة النقض علي هذا التساؤل في الطعن رقم ١٨٨لسنة ٣٢ ق جلسة ١٩٦٦/٣/٢٤ بأن “تنص المادة ١/١٥٧ من القانون المدني علي أنه في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذار المدين أن يطالب بفسخ العقد ولا يشترط لإعمال حكم المادة أن يتضمن العقد شرطا يجيز الفسخ في حالة تخلف أحد طرفيه عن تنفيذ التزامه”.
ويثور التساؤل أيضا هل يرد الفسخ علي العقد الإداري؛ شأنه في ذلك شأن العقد المدني؟
فممارسة أداة من أدوات القانون العام في الإسناد والتعاقد ويترتب عليها التزامات متبادلة علي كاهل طرفيها ومن ثم يكون من حق أياََ من أطرافها المطالبة بفسخ العلاقة المترتبة عليها وفقاََ لما هو مقرر بأحكام المادة ١٥٧ من القانون المدني.
وقضت محكمة النقض بذلك في الطعن رقم ٥٠٣ لسنة ٤٠ ق جلسة ١٩٧٥/٦/٣ بأن “العقد الإداري يرد عليه الفسخ برضاء الطرفين شأنه في ذلك شأن العقد المدني وإذا كان ذلك العقد تحكمه أصول القانون القانون الإداري وهي تقضي بأنه يحق لجهة الإدارة في حالة عدم التنفيذ أن تصادر التأمين وتفرض علي المتعاقد جزاءات مالية دون حاجة للالتجاء للقضاء للحكم بها ودون أن تلتزم بإثبات أن ضرراََ قد أصابها، إلا أن لجهة الإدارة أن تقدر الظروف التي فيها الفسخ فتعفي المتعاقد من تطبيق الجزاءات النصوص عليها في العقد كلها أو بعضها بما في ذلك مصادرة التأمين وتوقيع الغرامة”.
الفسخ الاتفاقي:-
والفسخ الاتفاقي هو أن يتفق المتعاقدان علي أن يكون العقد مفسوخاََ من تلقاء نفسه عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه دون الحاجة إلي صدور حكم قضائي.
ونجد مصدره في نص المادة ١٥٨ من القانون المدني المصري حيث نص المشرع علي أنه “يجوز الاتفاق علي أن يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلي حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لايعفي من الأعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة علي الإعفاء منه”.
ولمحكمة النقض أحكام في ذلك فقد قضت في الطعن رقم ٤٣٣١ لسنة ٧٧ ق جلسة ٢٠٠٩/٣/٣ بأن “وحيث إن هذا النعي في محله – ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المادة ١٥٨ من القانون المدني تنص علي أنه “يجوز الاتفاق علي أن يعتبر العقد مفسوخََا من تلقاء نفسه دون حاجة إلي حكم قضائي عند الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة علي الإعفاء منه”.
ونجد من صريح المادة ان الاتفاق لا يعفي من الإعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة علي الإعفاء منه، وانة يجوز للمتعاقدين أن يتفقا علي وقوع الفسخ من تلقاء نفسه إذا أخل أحدهما بتنفيذ التزامه، وذلك عن طريق وضع شرط الفسخ ضمن بنود العقد، ويختلف قوة هذا البند حسب صياغته من الضعف إلي القوة، وذلك علي النحو التالي:-
أ. قد يتفق المتعاقدان علي أن العقد يعتبر مفسوخََا إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزامه:-
من أحكام محكمة النقض علي هذه الصيغة الطعن رقم ٤٩١ لسنة٣٧ ق جلسة ١٩٧٣/١/٩ بأنه “الشرط الفاسخ لا يقتضي الفسخ حتما بمجرد حصول الإخلال بالالتزامات إلا إذا كانت صيغته صريحة دالة علي وجوب الفسخ حتما عند تحققه، وإذ كانت عبارة الشرط الواردة في عقد البيع أنه “إذا لم يدفع باقي الثمن في المدة المحددة به يعتبر البيع لاغيا” فإن هذا الشرط لايعدو ان يكون ترديدا للشرط الفاسخ الضمني المقرر بحكم القانون في العقود الملزمة للجانبين، ولما كانت محكمة الموضوع قد رأت في حدود سلطتها التقديرية ألا تقضي بالفسخ استنادا إلي الشرط الفاسخ الضمني الوارد بالعقد لما تبينه من أن الباقي من الثمن بعد استنزال قيمة العجز في المبيع قليل الأهمية بالنسبة إلي الالتزام في جملته فإنها لا تكون قد خالفت القانون”.
ب. قد يتفق المتعاقدان علي أن يكون العقد مفسوخََا من تلقاء نفسه إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزامه:-
هذه الصيغة تلزم صدور حكم قضائي بالفسخ ولكنه يحرم القاضي من سلطته التقديرية، فيجب عليه أن يحكم بالفسخ إذا توافرت شروطه، والحكم منشئ، ولا يغني هذا الشرط عن الإعذار.
ج. قد يتفق المتعاقدان علي أن يكون العقد مفسوخََا من تلقاء نفسه إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزامه دون حاجة إلي حكم:-
وهذه الصيغه لا تعفي من الإعذار وفقا لنص المادة ١٥٩ من القانون المدني .
وقد قضت في هذا محكمة النقض في الطعن رقم ١٣٠٠٤ لسنة ٧٧ق جلسة ٢٠٠٨/٢/٥ بأن “وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه لما كانت المادة ١٥٨ من القانون المدني تنص علي أنه “يجوز الاتفاق علي أن يعتبر العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلي حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه” مؤداه – وعلي ما جري عليه قضاء هذه المحكمة – أن الإعفاء من الإعذار في الفسخ الاتفاقي وجوب الاتفاق عليه صراحة، تضمن العقد شرطا باعتباره مفسوخا من تلقاء نفسه دون حكم قضائي لا يعفي المدائن من الإعذار قبل رفع دعوي الفسخ، ولا تعارض بين إعذار الدائن المدين وتكليف بالتنفيذ وبين المطالبة بالفسخ، فالإعذار شرط لرفع الدعوي لوضع المدين في وضع المتأخر في تنفيذ التزامه ولا يفيد من ذلك اعتبار مجرد رفع الدعوي بالفسخ إعذارا ما لم تشتمل صحيتها علي تكليف المدين بالوفاء بالتزامه”.
د. قد يتفق المتعاقدان علي أن يكون العقد مفسوخََا من تلقاء نفسه إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزامه دون حاجة إلي حكم أو إعذار:-
وتعد هذه الصيغة أقوي صيغة الفسخ، وتحقق أقصي مايصل إليه اشتراط الفسخ من قوة، وأحكامها هي نفس أحكام الصيغة السابقة ويزداد عليها أن الدائن يعُفي من الإعذار وفق هذا الشرط.
وقضت محكمة النقض في الطعن رقم ١٦٣٩ لسنة ٥٠ ق جلسة ١٩٨٤/٣/٢٠ بأن “المقرر أنه متي كان الطرفان قد اتفقا في عقد البيع علي أن يكون مفسوخا في حالة تأخر المشتري عن دفع باقي الثمن في الميعاد المتفق عليه من تلقاء نفسه دون حاجة إلي تنبيه أو إعذار أو حكم من القضاء فإن العقد ينفسخ بمجرد التأخير عملا بنص المادة ١٥٨ من القانون المدني ولا يلزم إذن أن يصدر حكم بالفسخ، كما لاينال من إعمال أثره أن يكون لصاحبه الخيار بينه وبين التنفيذ إذ يبقي له دائما الخيار بين إعمال أثره وبين المطالبة بالتنفيذ العيني”.
ثانياََ: الفسخ بقوة القانون “الانفساخ”
إذا استحال علي أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه الناسئ عن العقد بسبب اجنبي لا يد له فيه فإن هذا العقد ينفسخ بقوة القانون دون الحاجة إلي حكم من القضاء.
ونجد مصدره نص المادة ١٥٩ من القانون المدني وتنص علي أنه “في العقود الملزمة الجانبين إذا انقضي التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه”.
ومقتضي هذه المادة أن العقد العقد ينفسخ (أي ينقضي من تلقاء نفسه) إذا استحال تنفيذ التزام أحد المتعاقدين بسبب أجنبي لايرجع إلي إرادة المدين.
فماذا اذا حدث نزاع ولجاء احد المتعاقدين إلي القضاء؟ وماذا عن الحكم؟
فإذا حدث نزاع حول وقوع الانفساخ واضطر الدائن إلي اللجوء للقضاء للحكم فيه فإن الحكم القضاء بالانفساخ مقرر لا منشئ.
وماذا عن تحمل تبعة الهلاك؟
الذي يتحمل تبعة الهلاك الشئ في حالة الانفساخ هو المدين بالتسليم في العقود الملزمة للجانبين، أي في عقد البيع البائع هو الذي يتحمل تبعة هلاك الشئ المبيع إذا هلك قبل التسليم.
ويشترط في القوة القاهرة أو الحادث الفجائي الذي يترتب عليه استحالة التنفيذ وينقصي به الالتزام عدم إمكان توقعه واستحالة دفعه، و تقدير ما إذا كانت الواقعة المدعي بها تعتبر قوة قاهرة هو تقدير موضوعي تملكه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية متي أقامت قضاءها علي أسباب سائغة.
ويشترط لتحقق الانفساخ أن يتوافر عدة شروط وهي:-
١- أن يصير التزام العاقد مستحيلا.
٢- أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام كاملة.
٣- أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام ناشئة في تاريخ لاحق لقيام العقد.
٤- أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام راجعة لسبب أجنبي عن المدين.
ويثور التساؤل هل يمنع انفساخ العقد من المطالبة بالتعويض؟
لا يمنع انفساخ العقد من المطالبة بالتعويض، فقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدي أنه “..فإذا تحقق من ذلك (القاضي) يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون، ثم يقضي بالتعويض أو برفض القضاء به، تبعا لما إذا كانت هذه الاستحالة راجعة إلي خطأ المدين أو تقصيره أو سبب أجنبي لا يد له فيه”
وللعلامة الدكتور السنهوري قول في هذا الشأن “بينما الاستحالة إذا رجعت إلي تقصير المدين كان للدائن مطالبه بالتعويض إما علي أساس المسئولية العقدية وفي هذه الحالة يبقي العقد قائما وإما أن يطالبه بفسخ العقد مع التعويض”.
وقضت محكمة النقض في الطعن رقم ٣٧ لسنة ٣٧ ق جلسة ١٩٧١/٦/٣ بأن “يعتبر الفسخ واقعا في العقد الملزم للجانبين باستحالة تنفيذه، ويكون التنفيذ مستحيلا علي البائع، بخروج المبيع من ملكه ويجعله مسئولا عن رد الثمن، ولا يبقي بعد إلا الرجوع بالتضمينات إذا كانت الاستحالة بتقصيره، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد جعل الطاعنة (البائعة) مسئولة عن رد الثمن بسبب استحالة التنفيذ بعد انتقال ملكية الأطيان المبيعة إلي الغير بعقد البيع المسجل، ثم رتب علي الفسخ البيع إلزام البائع برد الثمن، فإن الحكم يكون مقاما علي أسباب تكفي لحمل قضائه، ولا عليه إن هو أغفل الرد علي ما تمسكت به الطاعنة (البائعة) في دفاعها من عدم جواز مطالبتها بالثمن قبل طلب الفسخ”.
ثالثا: التفاسخ (التقايل)
والتفاسخ هو أن يتفق طرفا العقد علي إلغائه والتحلل منه وبالتالي التحلل من الالتزامات الناشئة عنة دون أن يمثل جزاء علي احد المتعاقدين.
ونلاحظ ان المشرع المصري لم ينص علي التفاسخ في القانون المدني المصري عكس بعض الدول العربية، ولكن لم يغفل ذلك شيوخنا قضاة محكمة النقض المصرية.
حيث قضت محكمة النقض بأن:-
“التفاسخ كما يكون بإيجاب وقبول صريحين يكون بإيجاب وقبول ضمنيين، وبحسب محكمة الموضوع إذ هي قالت بالفسخ الضمني أن تورد في الوقائع والظروف ما اعتبرته كاشفا عن إرادتي طرفي التعاقد وأن تبين كيف تلاقت هاتان الإرادتان علي حل العقد”
(طعن رقم ١٢٥ لسنة ١٦ ق جلسة ١٩٤٧/١٠/١٦)
“التقايل عن العقد صراحة أو ضمنا هو من مسائل الواقع التي يستقل بقديرها قاضي الموضوع وحسبه أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها وأن يقيم قضاءه علي أسباب سائغة دون أن يكون ملزما بالرد استقلالا علي أوجه دفاع الخصوم مادامت الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيها الرد الضمني علي هذا الدفاع”
(طعن رقم ٤٤٩٧ لسنة ٦٢ ق جلسة ١٩٩٤/١/٢٧)