مخاصمة القضاة
كتبه: أحمد عبدالرحمن المحامي
ومن المعروف فقها وقضاءً أن من أخطأ وسبب ضررا للغير فعليه تعويض وذلك طقا للقاعدة الاسلاميةالشهيرة “لاضرر ولا ضرر” وكذلك نص الماده 163من القانون المدنى المصرى، إلا أننا نجد أن المشرع المصرى قد خرج هذه المرة على تلك القاعدة وذلك بالنسبة للاخطاء التى تقع من القضاة وذلك اثناء تأدية عملهم او بمناسبتها.
لم يشأ المشرع ان يجعل القضاة مسئولون مسئولية مدنية عن جميع ما يقع منهم من اخطاء وانما قصر المسئؤلية على الخطأ الجسيم منها,وذلك حسنا فعل المشرع حتى لا يتهيب القضاة العمل والتصرف والحكم وذلك ايضا حتى لا يفقد القضاة اطمئنانهم فى اداء عملهم.
ولذلك حدد المشرع أسباب مسئولية القاضى, فرسم لهذه المسئؤليه طريقا اخر غير المعتاد بحيث اوجب على الخصم اتباعه اذا اراد الرجوع على القاضى بالتعويض وهى ما يسمى بالمخاصمه,بحيث لا يجوز مطالبة القاضى بالتعويض عما يقع منه اثناء عمله الا عن طريق دعوى المخاصمه, وذلك حماية للقاضى فى ممارسة عملهم فدعوى المخاصمة لا هى سوا دعوى تعويض قد تقبل او ترفض فى المستقبل.
وتعتبر دعوى المخاصمة فهى فى الاصل دعوى تعويض اساسا, فانها تتضمن فى ذات الوقت طلب بطلان التصرف او الحكم الصادر من القاضى المخاصم , وذلك ان بطلان التصرف او الحكم إذا قضى بصحة المخاصمة يعتبر هو التعويض الحقيقى للخصم المضرور منه.
والجدير بالذكر ان دعوى المخاصمة توجه الى القاضى الذى قام به سبب المخاصمة ايا كان درجته, اى سواء كان قاضيا بالمحاكم الابتدائية او مستشارا باحدى محاكم الاستئناف او حتى فى محكمة النقض, ولا نجد صعوبة فى توجية دعوى المخاصمة اذا كان القاضى منفردا اذ توجه اليه وحده الدعوى, اما حين يتعدد القضاة فإن الدعوى توجه الى الدائرى بأكملها اذا حالت سرية المداوله دون تحديد القاضى المسئول عن الخطأ, فاذا امكن تحديد القاضى المسئول عن الخطأ دون مساس لسرية المداولة وجهت الدعوى الى هذا القاضى وحده دون المساس بباقى اعضاء الدائرة.
حدد المشرع المصرى فى المادة رقم 494 من قانون المرافعات أسباب المخاصمة على سبيل الحصر لا على سبيل المثال وهى:
1-إذا وقع من القاضى فى عمله غش أو تدليس أو غدر سواء فى مرحلة التحقيق أو الحكم, بسوء نية, لايثار أحد الخصوم أو الانتقام منهم أو تحقيق مصلحة شخصية, كأن يعمد القاضى إلى التغير فى وقائع الدعوى, أو فى شهادة أحد الشهود, أو وصف مستند فى القضية بغير ما اشتمل عليه أو تغير مسودة الحكم.
كذلك إذا وقع من القاضى خطأ مهنى جسيم سواء فى مرحلة التحقيق او الحكم، ومن تطبيقات ذلك أيضا ما قضيت به محكمة استئناف المنصورة من أن المحكمة ترى أن الدائرة المخاصمة قد ارتكبت خطأ جسيما عند قضائها بعدم قبول تدخل المخاصم خصما منضما للمستأنف عليها مع إلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماه.بمقولة انه لم يطعن بالاستئناف على الحكم الصادر برفض تدخله, ومن ثم فقد اصبح هذا الحكم نهائيا فى حقة, وهذا الخطأ بلغ فى جسامته حدا لا يعلوه خطأ ويتمثل هذا الخطأ فى جهل المخاصمين الصارخ والفاحش بالمبادئ الاساسية للقانون, وهو جهل لا يغتفر ولا شفيع له فيه, اذ هو لا يقع من القاضى ذو الحرص العادى على أعمال وظيفته, ذلك ان المشرع قد أباح التدخل الانضمامى
لأول مرة فى الاستئناف استثناء من الاصل بأنه لا يصح فى الاستئناف إدخال من لم يكن خصما فى الدعوى الصادر فيها حكم المستأنف, قد فات الدائرة المخاصمه القضاة هذا المبدأ القانونى , هذا فضلا عن أن الثابت بالاوراق أن المخاصم طالب التدخل فى الاستئناف سبق له أن طلب قبول تدخله أمام محكمة أول درجة منضما إلى المدعية فى طلباتها وقد قضى لها بما طلبته فكيف يطلب منه استئناف ذلك الحكم لمقولة انه رافض تدخلة إذ لا يجوز الطعن فى الاحكام ممن قضى له بكل طلباته.
(استئناف المنصورة 2 فبراير 1978 مجلة إدارة قضايا الحكومة 1978 ع 2 صفحة 197 ق 27).
2- اذا امتنع القاضى عن الاجابة عن عريضة قدمت له أو عن الفصل فى قضية صالحة للحكم وهو ميطلح على تسميته بانكاى العدالة والمناط فى هذه الحالة هو امتناع القاضى عن اداء العداله, لهذا يعتبر القاضى ممتنعا حتى لو لم يجد نصا يطبقةء اذا يجب عليه ان يبحث عن القاعدة القانونية الواجبة التطبيق,بينما لا يعد مجىد تأجيل الفصل فى الدعوى امتناعا طالما كان هذه التاجيل ما يبرره,كما اذا احتاجت الدعوى لمزيد من التحقيق.
ويتبث امتناع القاضى اإعذاره مرتين على يد محضر يتخللها ميعاد اربع وعسرين ساعة بالنسبة للاوامر على العرائض وثلاثة ايام بالنسبة للاحكام فى الدعاوى الجزئية والمستعجلة والتجارية وثمانية ايام فى الدعاوى الأخرى.
3-فى الأحوال الخرى التى يقضى فيها القانون بمسئولية القاضى والحكم عليه بالتعويض ,ففى مثل هذه الاحوال يطالب القاضى بالتعويض عن طريق دعوى المخاصمة , ومن امثلة ذلك ما نصت عليه المادة 175 من قانون المرافعات من انه يجب ايداع مسودة الحكم مشتمله على اسبابة موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق بالحكم وإلا كان الحكم باطلا, ويكون المتسبب فى البطلان ملزما بالتعويضات.
المرجع كتاب أ.د احمد الصاوى الوسيط فى شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ص 158,159