العدالة الجنائية الذكية.. الترجمة الذكية

بقلم: الدكتور أحمد عبد الظاهر – أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة 

 

تنص التشريعات الإجرائية في الدول العربية على أن لغة المحاكم هي اللغة الرسمية للدولة.

ولكن، تقرير هذا المبدأ لا يعني إهدار حقوق الأجنبي الذي يجهل اللغة العربية في محاكمة عادلة تتاح له فيها فرصة الدفاع عن نفسه، بما يفترضه ذلك من مواجهته بالتهم المنسوبة إليه بلغة يفهمها وترجمة أقواله إلى اللغة الرسمية للدولة والقضاء. فوفقاً للقانون، يتعين على المحكمة أن تسمع أقوال المتهمين أو الخصوم أو الشهود أو غيرهم الذين يجهلون اللغة العربية بوساطة مترجم بعد حلفه اليمين، ما لم يكن قد حلفها عند تعيينه أو عند الترخيص له بالترجمة. وفيما يتعلق بالأصم الأبكم، فإن التشريعات الإجرائية تقرر حق المتهم في الاستعانة بأحد الخبراء في لغة الإشارة للقيام بمهمة الترجمة بين جهة التحقيق أو المحكمة وبين المتهم.

وحتى عهد قريب، وعند الحديث عن حق الأجنبي والأصم الأبكم في الاستعانة بمترجم، كان الذهن ينصرف تلقائياً إلى المترجم البشري.

ولكن، ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم حالياً، ومع تطور برمجيات الترجمة، بدأ الحديث مؤخراً عن مدى جواز اللجوء إلى الترجمة الذكية أو الترجمة الآلية أو تقنيات وبرمجيات الترجمة في جلسات التحقيق والمحاكمات الجنائية.

وفي الإجابة عن هذا التساؤل، نرى من الملائم أن نتناول أولاً استخدام البرمجيات في ترجمة اللغات الأجنبية، سواء كانت منطوقة في حديث شفوي أو مكتوبة في مستند، ثم نتحدث بعد ذلك عن استخدام القفاز الذكي في ترجمة لغة الإشارة، وذلك قبل أن نحاول استشراف المستقبل في شأن الترجمة أمام المحاكم، كما يلي:

استخدام البرمجيات في ترجمة أقوال المتهمين والشهود الأجانب

في دولة الإمارات العربية المتحدة، تنص المادة التاسعة والثلاثون من اللائحة التنظيمية للقانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 بشأن قانون الإجراءات المدنية على أن «للمحكمة أن تستعين بمترجم من المعينين أو المرخص لهم من وزارة العدل أو السلطة المختصة كما لها الاستعانة بمترجم من أي جهة أخرى أو بأي وسيلة تقنية معتمدة ومتاحة إذا رأت ضرورة لذلك».

والبين من هذا النص أن المشرع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة يخول للمحكمة خيارين: أولهما، الاستعانة بمترجم من المعينين أو المرخص لهم من وزارة العدل أو السلطة المختصة. وثانيهما، الاستعانة بأي وسيلة تقنية معتمدة ومتاحة إذا رأت ضرورة لذلك. ويعني ذلك أن الترجمة الذكية غدت أمراً جائزاً في سماع أقوال الخصوم والمتهمين والشهود ممن يجهلون اللغة العربية.

 

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أثيرت مسألة الترجمة الذكية أو الآلية ومدى جواز الاعتداد بها أمام المحاكم، وذلك في القضية رقم (-CM40100-17)، المرفوعة من الولايات المتحدة الأمريكية ضد عمر كروز زمورة، والتي تم نظرها أمام المحكمة الجزئية الأمريكية في ولاية كنساس.

ففي الثامن عشر من أكتوبر 2017م، تم توجيه الاتهام إلى المدعى عليه/ عمر كروز زمورة، حيث كان متهماً بحيازة مادة خاضعة للرقابة (مؤثرات عقلية) بنية توزيعها.

وفي الثلاثين من مارس 2018م، قدم المدعى عليه طلباً لاستبعاد الأدلة، طالباً استبعاد واقصاء المواد المضبوطة. وفي التاسع من مايو 2018م، عقدت المحكمة جلسة استماع للنظر في الطلب. وبعد النظر في المستندات والأدلة والحجج المقدمة في الجلسة، كانت المحكمة جاهزة لإصدار الحكم في الطلب.

وتعود واقعات هذه القضية إلى الحادي والعشرين من سبتمبر 2017م، حوالي الساعة الثالثة صباحاً، حيث كان الشرطي «ريان وولينج» – شرطي دوريات الطرق السريعة في كنساس- يقود سيارته على طريق I-70 في مقاطعة لينكن بولاية كنساس.

وأثناء ذلك، لاحظ وجود سيارة حمراء موديل هيونداي إلنترا، لم يتم تجديد تسجيلها، فقام بإيقافها، وعندما اقترب الشرطي وولينج من السيارة، سأله المتهم، الذي كان في السيارة بمفرده، عما إذا كان يتكلم الإسبانية.

وبعدما أدرك أن المتهم يتحدث الإنجليزية بشكل محدود جداً، أجابه الشرطي بأنه لا يتكلم الإسبانية.

ومع ذلك، تمكن الشرطي وولينج من التواصل مع المتهم بما فيه الكفاية، ليفهم أن المتهم قد ترك رخصة قيادته المكسيكية في المنزل؛ وأبرز المتهم ملكية السيارة والتأشيرة التي تمنحه حق التواجد في الولايات المتحدة، مؤكداً أنه كان مسافراً من دنفر إلى كنساس سيتي.

وتحدث الشرطي وولينج مع المتهم باللغة الإنجليزية، طالباً منه أن يتوجه إلى سيارة الدورية، فانصاع المتهم للطلب، وتم تفتيشه قبل الدخول إلى السيارة (الدورية).

وعندما دخل سيارة الدورية، ولما كان المتهم لم يقم بإبراز رخصة القيادة الخاصة به، لذا استخدم الشرطي وولينج جهاز مسح البصمات للتعرف على المتهم.

وحيث إن الشرطي لم يتمكن من التعرف عليه بشكل مؤكد، بدأ وولينج باستخدام تطبيق جوجل ترانسليت، وهي وسيلة للترجمة يقدمها محرك البحث Google، عبر كمبيوتره المحمول داخل السيارة من أجل التواصل مع المتهم. فكان وولينج يكتب السؤال عبر البرنامج باللغة الإنجليزية، ثم يختار «الإسبانية» كلغة تتم الترجمة إليها، ثم ينقر على زر «موافق».

وهكذا كان البرنامج يترجم العبارة الإنجليزية إلى الإسبانية. وشهد وولينج أنه بسبب عدم قدرته على التحدث بالإسبانية، لم يتمكن من التحقق من دقة الترجمة، ولكنه شعر أن إجابات المدعى عليه كانت «مناسبة» أو في نطاق السؤال المطروح. ولكنه أقر بأن المتهم لم يفهم السؤال في عدة مرات وأنه كان عليه إعادة صياغة السؤال للحصول على إجابة. وشهد وولينج أيضاً أنه لا توجد سياسات في الإدارة تنص على عدم استخدام جوجل ترانسليت، ولكنه اعترف أن وجود المترجم الحي سيكون أكثر موثوقية. ومع ذلك، لم يكن يعرف أنه بإمكانه الاستعانة بمترجم حي للقيام بعمله.

 

وعبر استخدام ترجمة جوجل، تمكن الشرطي وولينج، من معرفة أن المتهم من إل باسو – تكساس، وكان يسافر إلى كنساس سيتي لرؤية عمه، وأن ملكية السيارة تعود إلى صديقة المتهم. وحرر وولينج للمتهم انذاراً بسبب تعليق تسجيل السيارة، قائلاً للمتهم (Adios) «سلام».

ولكن، وعندما خرج المتهم من سيارة الدورية، سأله الشرطي وولينج باللغة الإنجليزية عما إذا كان يمكنه توجيه بضعة أسئلة أخرى.

رد المتهم «ماذا؟» وعاد إلى سيارة الدورية. وأفاد الشرطي وولينج في شهادته بأنه اعتقد أنه استخدم جوجل ترانسليت، عندما سأل المتهم عما إذا كان يستطيع توجيه المزيد من الأسئلة. وعندما وافق المتهم، بدأ الشرطي وولينج بطرح المزيد من الأسئلة باستخدام جوجل ترانسليت. وفي النهاية، كشف المتهم أنه يمتلك 7700 دولار نقداً في سيارته، والتي كان سيستخدمها لشراء سيارة والعودة بها إلى المكسيك. وفي هذه المرحلة، طلب وولينج، مرة أخرى – باستخدام جوجل ترانسليت – الاذن من المتهم لتفتيش سيارته.

وفي شهادته أمام المحكمة، أفاد الشرطي وولينج أن السؤال الذي كتبه عبر البرنامج هو إما «هل يمكنني التفتيش في السيارة» أو «هل يمكنني تفتيش سيارتك»، وأنه استخدم أصبعيه للإشارة إلى عينيه ومن ثم الى السيارة.

وشهد الشرطي وولينج أن المتهم رد «نعم، نعم اذهب»، وأخبره ألا يسرق ماله. وبعد ذلك، أمر وولينج المتهم بالوقوف بالقرب من حافة الطريق أثناء قيامه بتفتيش السيارة. وشهد الشرطي أن المتهم لم يحتج على التفتيش أو طلب منه التوقف عن تفتيش السيارة، وفي نهاية المطاف وجد وولينج ما يقرب من أربعة عشر رطلاً من الميثامفيتامين والكوكايين.

 

وأثناء جلسة الاستماع، أفاد المدعى عليه بأنه كان يواجه مشكلة في فهم الأسئلة التي طرحها الشرطي وولينج، ولم يفهم أن وولينج كان يطلب إذناً منه لتفتيش سيارته.

وادعى أيضاً أنه كان مرتبكاً ولم يعتقد أنه كان يستطيع إخبار وولينج بالتوقف عن تفتيش السيارة.

 

وكما هو واضح من العرض السابق، فقد أثار استخدام جوجل ترانسليت، المنتج الذي أصدرته جوجل لتقديم خدمات الترجمة، مشكلة في هذه القضية.

إذ استخدم الشرطي وولينج جوجل ترانسليت، لترجمة أسئلته للمدعى عليه من الإنجليزية إلى الإسبانية، فكان الشرطي وولينج يكتب السؤال في جوجل ترانسليت، ويقرأ المتهم الترجمة من الشاشة، وأحياناً بصوت عال، ومن ثم الإجابة عن السؤال باللغة الإسبانية أو في بعض الأحيان بلغة إنجليزية بسيطة.

وتم تصوير هذا التواصل بواسطة كاميرا وولينج المثبتة في السيارة. وبواسطة المترجم الفوري، كان يتم نسخ وكتابة الصوت الصادر من مكان وقوف السيارة وترجمة الأجزاء ذات الصلة من الإسبانية إلى الإنجليزية.

وحيث إنه تم تسجيل إجابات المتهم المسموعة في نص مكتوب، إلا أن أسئلة وولينج التي تمت طباعتها في جوجل ترانسليت لم تكن موثقة، وكذلك الأمر بالنسبة للترجمة التي قدمها جوجل ترانسليت ليقرأها المتهم.

 

وأثناء الجلسة، تم تقديم شهادة مترجمتين محترفتين؛ كانت إحداهما تلك التي ترجمت الصوت من مكان وقوف السيارة وأعدت النص، ومترجمة أخرى تمت الاستعانة بها كخبير للبحث في مصداقية جوجل ترانسليت.

وشهدت جوانا جارسيا، التي قامت بترجمة النص، بأنها قد تستخدم جوجل ترانسليت كأداة مساعدة ولكن لا لترجمة محادثة كاملة. وأضافت أنه يمكن استخدام جوجل ترانسليت للترجمات الحرفية، ولكن ليس للغة العامية أو اللهجات الغريبة وأن المترجم الحي يُعد أكثر موثوقية لضمان التواصل بين شخصين.

كما تم تقديم شهادة سارة جاردنر، وهي مترجمة محترفة قامت بمراجعة الصوت والفيديو المرسل من مكان وقوف السيارة، وأفادت أن المتهم برأيها لم يفهم الأسئلة التي طرحها الشرطي وولينج، لأن جوجل ترانسليت لا يقدم خدمات ترجمة موثوقة.

وأشارت جاردنر إلى أن جوجل ترانسليت يستخدم تعليقات المستخدمين للمساعدة في تحسين ترجماته، وليس هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت الترجمات دقيقة. وشهدت أيضاً أن السياق مهم جداً عند إجراء الترجمة الشفهية، وأن جوجل ترانسليت لا يقدم سوى ترجمة حرفية ولا يمكنه أن يأخذ السياق في عين الاعتبار.

فمثلاً، أفاد الشرطي وولينج في شهادته أنه سأل المتهم «هل يمكنني البحث في السيارة؟» وعند وضع هذه العبارة في جوجل ترانسليت، ستكون الترجمة للإسبانية (¿Puedo buscar el auto؟)، ولكن عند قلب لغات الترجمة وجعلها من الإسبانية إلى الإنجليزية، ستكون الترجمة إلى الإنجليزية «هل يمكنني العثور على السيارة». وأفادت جاردنر، على الرغم من أن (¿Puedo buscar el auto؟) هي ترجمة صحيحة وحرفية، إلا أن هذا السؤال ليس ما قصده الشرطي وولينج عند طرحه على المتهم.

وأشارت جاردنر إلى عدة مواقف أخرى في الفيديو حيث قدم جوجل ترانسليت ترجمة حرفية ولكن غير منطقية. على سبيل المثال، في إحدى المرات، يبدو أن وولينج سأل المتهم عن رخصة القيادة الخاصة به، فرد المتهم «هل لدى الرخصة سائق؟» كما لو أنه كان يكرر السؤال المترجَم. ولكن المتهم كان بإمكانه تخمين السؤال، وتعتقد جاردنر أن جوجل ترانسليت في بعض الأحيان يوفر ترجمة حرفية، ولكن غير منطقية، ولذلك لا يمكن اعتباره أداة موثوقة للترجمة.

وأشارت كلتا المترجمتين إلى أن هناك عدة مرات أجاب فيها المتهم بعدم فهمه لأسئلة الشرطي وولينج. ووفقاً لجاردنر، أجاب المتهم بعدم فهمه السؤال في تسع مرات مختلفة أثناء ذلك التوقف.

وفيما يتعلق بالسؤال المحدد، وما إذا كان باستطاعة الشرطي وولينج تفتيش سيارة المدعى عليه، شهدت غارسيا أن (¿Puedo buscar el auto؟) ليست الجملة التي يستخدمها المتحدث الإسباني بالضبط ليطلب «تفتيش سيارتك».

وبما أن المدعى عليه يتحدث الإسبانية كلغة أم، ولا يتمتع بمهارات اللغة الإنجليزية إلا بشكل محدود جداً، اضطر بدلاً من ذلك أن يفترض في عقله ما هو السؤال المقصود فعلاً.

 

وهكذا، وللحصول على البراءة، تقدم المتهم بطلبه لاستبعاد الآثار الناجمة عن التفتيش الذي قام به الشرطي وولينج، بحجة انتهاك الحقوق التي يخولها له التعديل الرابع من الدستور.

إذ يحظر التعديل الرابع لدستور الولايات المتحدة الأمريكية عمليات التفتيش والضبط غير المعقولة. وتعتبر عمليات التفتيش المنفذة دون الحصول على مذكرة، في حد ذاتها، غير معقولة بموجب التعديل الرابع، «مع مراعاة بعض الاستثناءات المحددة والمعرفة بشكل دقيق» – قضية كاتز ضد الحكومة الأمريكية 389 U.S. 347, 357 (1967).

وتتضمن هذه الاستثناءات للمذكرة ومتطلبات المسألة المحتملة «القيام بعملية التفتيش بموجب الموافقة». قضية تشينكلوث ضد بوستامونت،412 U.S. 218, 219 (1973).

ذوحيث إن «التفتيش المأذون به بموجب الموافقة يعتبر أمر قانوني تماماً»، فإن الحكومة تتحمل عبء إثبات أن الموافقة «قد تم منحها بحرية وطواعية» – القضية رقم 222. يتعين على المحاكم النظر في ملابسات القضية بشكل شامل عند البت فيما ما إذا كانت الموافقة قد تم منحها طواعية- قضية الحكومة الأمريكية ضد برايس، 925 F.2d 1268, 1270 (الدائرة # 10، 1991) (مقتبس من قضية تشينكلوث، 412 U.S. في 227، 232–33، 249). ووفقاً للدائرة العاشرة، يتعين على المحاكم البت – مع مراعاة كافة الظروف بالإجمال – فيما إذا كانت (1) «الموافقة صريحة ومحددة وقد تم منحها بحرية وبذكاء»، و(2) أن ضباط الشرطة لم «يلجئوا إلى الإكراه أو القسر سواء كان ضمني أو صريح». قضية الولايات المتحدة ضد سانشيز،608 F.3d 685, 690 (الدائرة # 10، 2010). علاوة على ذلك، إن مجرد الخضوع للسلطة القانونية لا يعني الموافقة صحيحة. قضية الولايات المتحدة ضد مانويل992 F.2d 272, 275 (الدائرة # 10، 1993).

 

وتعتبر الحواجز اللغوية أمراً جوهرياً عند البت فيما إذا كانت الموافقة قد تم منحها بحرية كما في قضية الولايات المتحدة ضد هيرنانديز 893 F. Supp. 952, 961 (D. Kan. 1995).

ففي الحالات التي يكون فيها المتهم لا يتكلم بطلاقة نفس لغة ضابط الشرطة، يمكن للمحكمة الاستدلال من ملابسات القضية عما إذا كان المتهم قد فهم أسئلة الضابط. على سبيل المثال، في قضية هيرنانديز، أجاب المتهم بشكل مناسب على كافة أسئلة الضابط، وكان قادراً على إخبار الضابط ماذا يعمل وأين يسافر، وأجاب بكلمة «نعم» عندما سأله الضابط، باللغة الإنجليزية، عن إمكانية تفتيش سيارته.

وكان الضابط قد جعل المتهم يقرأ سؤاله لطلب البحث أيضاً، حيث كان مكتوباً باللغة الإسبانية، فكان جواب المتهم مؤكداً. وهكذا، وجدت المحكمة أن الأدلة أثبتت أن المتهم قد فهم طلبات الضابط ووافق طواعية على عملية التفتيش.

 

وبالمثل، في قضية الولايات المتحدة ضد تشانغ، رقم 04-40084-01-JAR،2005 WL 627978 (D. Kan. 10 مارس، 2005)، تقدمت المتهمة بطلب استبعاد الأدلة التي تم ضبطها في سيارتها، بحجة أن موافقتها لم تكن طوعية لأنها، وبصفتها صينية تتحدث لغة الماندرين كلغة أم، لم تفهم أسئلة الضابط. وعندما شهد خبير أن المتهمة لم تستطع أن تفهم الأسئلة البسيطة الموجهة إليها باللغة الإنجليزية، لأن مهاراتها باللغة الإنجليزية محدودة، مالت المحكمة إلى الاستناد لسلوك المتهم عند إجابتها على أسئلة الضابط، فجاء في حكمها «بالرغم من عدم تحدث [المتهمة] للغة الإنجليزية بشكل جيد، ولكنها يبدو أن قدرتها على فهم الإنجليزية أكبر من التحدث بها».

وأكدت المحكمة أن أجوبة المدعى عليها قد بينت أنها فهمت أسئلة الضابط الموجهة لها بالإنجليزية، وأنها في إحدى اتصالاتها الهاتفية المسجلة أثناء حبسها، وصف المتهمة حادثة إيقافها من قبل الشرطة وذكرت أن تصرفها كان خاطئاً عندما فتحت صندوق السيارة بناءً على طلب الضابط وما إذا كان يستطيع النظر داخله. وأثناء هذا الاتصال أيضاً، قالت المتهمة، «[في] ذلك اليوم، الشرطة… أوقفتني الشرطة وأرادت أن تنظر إلى خلف [السيارة]»، وأنها أعطت الإذن للضابط كي ينظر. وهذا يبطل حججها بأنها لم تفهم أن الضابط كان يطلب الحصول على موافقتها؛ بل إنه كان يأمرها بفتح الصندوق.

 

وفي هذه القضية التي نحن بصددها، يجادل المتهم بأنه ينبغي استبعاد أي أدلة تم الحصول عليها نتيجة تفتيش السيارة، لأنه لم يفهم الشرطي وولينج وبالتالي لم يمنح موافقته على التفتيش، عن دراية.

ويركز المتهم حججه في المقام الأول على استخدام وولينج لجوجل ترانسليت، مدعيا أنه استنادا إلى التسجيل الصوتي والمرئي لذلك اللقاء، كان من الجلي أنه يواجه صعوبة كبيرة في فهم العديد من الترجمات. والأهم من ذلك، يشير المتهم إلى أن ترجمة جوجل ترانسليت للسؤال «هل يمكنني البحث في سيارتك؟» – والذي شهد وولينج بأنه السؤال الذي وجهه للمتهم عبر جوجل ترانسليت- كانت مربكة وأنه واجه مشكلة في فهم ما يسأله وولينج بالضبط. وتبّين عند مراجعة الأدلة أن المتهم لديه فهم بسيط لبعض أسئلة وأوامر وولينج، وقد تمكن المتهم من الإجابة على بعض أسئلة وولينج مستخدماً لغة إنجليزية بسيطة ومكسّرة.

وشهد وولينج أنه عندما كتب «هل يمكنني البحث في السيارة؟» أجاب المدعى عليه «نعم، نعم اذهب». ولكن في نص تسجيل الفيديو، هناك نقطة قال فيها المتهم «آه، حسنا. نعم.. نعم. اذهب. نعم».

ومع ذلك، لا يوجد دليل على السؤال الذي كان المتهم يجيب عنه، حيث لا يوجد توثيق لما كان وولينج يكتبه في جوجل ترانسليت. وقبل الإجابة بـ «نعم… نعم. اذهب. نعم»، مباشرة، كان المتهم يواجه صعوبة كبيرة في فهم أسئلة وولينج:

الضابط: [الصوت في الخلفية: الكتابة على لوحة المفاتيح]

المتهم: حسنًا… إنه في مقدمة السيارة لأنني سأبحث عنه….. كيف؟

الضابط: هل تفهم؟

المدعى عليه: لا، كيف؟

الضابط: [الصوت في الخلفية: الكتابة على لوحة المفاتيح]

المتهم: آه، حسنا. نعم.. نعم. اذهب. نعم.

وإذا افترضنا أن هذه هي النقطة التي يدعي فيها وولينج أن المدعى عليه وافق على التفتيش، فإن المحكمة غير متيقنة من التوصل إلى أن موافقة المتهم كانت صريحة، حيث يبدو جلياً أن المدعى عليه مرتبك ومتحير بأسئلة وولينج. ولم تكن هذه اللحظة الوحيدة التي عبر فيها وولينج عن ارتباكه من أسئلة وولينج. فقد ورد في محضر اللقاء عدة مرات قال فيها المدعى عليه، «لا أفهم» أو بدا مرتبكاً حيال السؤال الذي تمت ترجمته عبر جوجل ترانسليت. ومن غير الواضح، استناداً إلى ترجمة جوجل ترانسليت لعبارة «هل يمكنني البحث في السيارة»، أن المتهم قد فهم تماماً السؤال الذي قصده وولينج. وكما ذكرنا آنفاً، لقد شهدت المترجمتان المحترفتان أن (¿Puedobuscar el auto) هي ترجمة حرفية لـ «هل يمكنني البحث في السيارة»، ولكن المدعى عليه الذي يتمتع بمهارات محدودة في اللغة الإنجليزية، لم يكن بالضرورة قادراً على تفسير هذا السؤال بالمعنى المقصود منه. وكما ورد آنفاً، ترجم جوجل ترانسليت عبارة (¿Puedo buscar el auto؟) إلى «هل يمكنني العثور على السيارة».

وبالتالي من المستحيل معرفة كيف فسّر المتهم السؤال (¿Puedo buscar el auto)، وما إذا كان قد وافق بشكل مؤكد على تفتيش سيارته أو استجاب لأمر متصور.

وعندما خرج من سيارة الدورية، ووقف على جانب الطريق دون اعتراض منه على قيام وولينج بتفتيش سيارته، شهد المتهم بأنه لم يفهم السؤال، ولم يكن يعرف أن لديه إمكانية الخيار عندما أخبره وولينج بالوقوف على جانب الطريق.

وخلافاً للقضايا الأخرى التي أشارت فيها سلوكيات المتهمين ضمناً إلى أنهم كانوا يفهمون أسئلة الضباط، لم يكن الأمر واضحاً تماماً هنا. نعم، لقد أظهر المتهم بعض الفهم البسيط لأسئلة وأوامر وولينج الموجهة باللغة الإنجليزية، ومع ذلك، عند مراجعة المحضر والنظر في الترجمة غير الدقيقة، لا تجد المحكمة أن الحكومة قد استوفت متطلبات عبء الإثبات لإظهار أن موافقة المدعى عليه كانت «صريحة ومحددة وقد تم منحها بحرية وبذكاء».

 

في المقابل، تحاجج الحكومة أنه حتى لو وجدت المحكمة أن موافقة المتهم لم تُعطى طواعية، لا يتعين على المحكمة استبعاد الأدلة لأن الشرطي وولينج اعتمد بشكل معقول على جوجل ترانسليت لتوفير ترجمة دقيقة ثم تصرف بناء على الاعتقاد المعقول منه بأن المتهم منحه الموافقة على تفتيش سيارته. وفي نهاية المطاف، تُعد المعقولية هي المحك النهائي في التحقيقات وفقاً للتعديل الرابع من الدستور – قضية بريجهام سيتي، يوتا ضد ستيوارت رقم 547 U.S. 398, 398 (2006).

وطبقاً للتعديل الرابع، طالما أنه تم استنتاج الوقائع بشكل معقول، فهذا لا يعني بالضرورة أنه يجب أن يكون على صواب دائماً. قضية إلينوي ضد رودريجيز رقم 497 U.S. 177, 185 (1990) حيث جاء في الحكم (لم يتبين أي انتهاك للتعديل الرابع طالما أن الضابط يعتقد بشكل معقول (حتى لو كان اعتقاده خاطئاً) أن موافقة المتهم على التفتيش التي حصل عليها لا لبس فيها. إن إصدار حكم لتقرير ما إذا كان الضابط قد قام بعملية التفتيش بشكل قانوني «يجب أن يتم بالاستناد إلى معيار موضوعي…» وحيث إن هناك مجال للأخطاء الوقائعية أمام الضباط، إلا أن تلك الأخطاء «يجب أن تكون أخطاء بشرية معقولة، صادرة بناءً على وقائع تؤدي بشكل منطقي إلى استنتاجاتهم واحتمالاتهم». 186 (مقتبس من قضية براينجار ضد الولايات المتحدة 338 U.S. 160, 176 (1949)).

وتنطبق قواعد الاستبعاد لعلاج أي عمليات تفتيش وضبط تمت بطريقة غير معقولة، والتي تسمح للمحاكم باستبعاد الأدلة التي تم ضبطها بصورة غير قانونية في أي محاكمة جنائية – قضية الولايات المتحدة ضد هيريرا، 444 F.3d 1238, 1248 (الدائرة العاشرة، 2006).

إن قاعدة الاستبعاد «قاسية» ويجب عدم الاعتداد بها إلا «لتعزيز الغرض من هذه القاعدة، والتي تمت صياغتها لمنع أي سوء تصرف من جانب الشرطة». 1248-49. ولذلك، تلجأ المحاكم لاستخدام استثناء حسن النية على قاعدة الاستبعاد، والتي يتم تطبيقها عندما يتصرف الضباط «بحسن نية موضوعية».

ويتم استخدام استثناء حسن النية على نطاق ضيق ويتم اللجوء إليه «عادة فقط عندما يعتمد الضابط، بطريقة معقولة موضوعياً، على خطأ ارتكبه شخص آخر غير الضابط». أي أن الدائرة العاشرة لم توسع نطاق استثناء حسن نية لينطبق على الحالات التي يرتكب فيها الضابط خطأ يتعلق بالوقائع يما يؤدي إلى انتهاك التعديل الرابع. 1249، 1251 («إن استثناء حسن النية لم يسبق وأن تم تطبيقه على خطأ أدى إلى انتهاك التعديل الرابع، وكان هذا الخطأ صادراُ عن الضابط الذي أدار عملية التفتيش والضبط، بل انطبق على الحالات التي كان فيها طرف ثالث محايد غير مشارك في «المساعي التنافسية لتقصي الجريمة».

(نقلاً عن قضية الولايات المتحدة ضد ليون 468 U.S. 897, 914 (1984)).

ورفضت الدائرة العاشرة تطبيق استثناء حسن النية عندما يؤدي تطبيق قاعدة الاستبعاد إلى التأثير على ردع سلوك الشرطة غير القانوني، والذي يؤدي إلى انتهاك التعديل الرابع. 1253.

وتجادل الحكومة بأنه يجب تطبيق استثناء حسن النية على هذه القضية، لأنه حتى لو كان المتهم لم يعط موافقة صريحة عن علم لأنه لم يفهم السؤال، كان من المعقول للشرطي وولينج أن يعتمد على ترجمات جوجل ترانسليت.

وحاجج المتهم بعدم تطبيق استثناء حسن النية، لأن وولينج لا يمكن أن يعتمد بشكل معقول على خطأ من صنع نفسه. وردت الحكومة أن وولينج لم يخلق هذا الخطأ، بل إنه استخدم أحد منتجات جوجل لاستخراج الترجمة واعتمد بشكل معقول على ترجمات جوجل.

ووفقاً للحكومة، إن أي شخص لا يتحدث اللغة الإسبانية كلغته الأم لن يتمكن على الاطلاق من معرفة ما إذا كانت الترجمة دقيقة بغض النظر عما إذا كانت الترجمة من جوجل ترانسليت أو من مترجم حي.

 

وتستشهد الحكومة بقضية حدثت مؤخراً في منطقة جنوب تكساس استخدم فيها أحد الضباط جوجل ترانسليت للبحث عن كيفية طلب الموافقة على التفتيش باللغة الإسبانية ثم سأل المتهم «Puedo buscar» مع الإشارة إلى عينيه ثم إلى مركبة المتهم – قضية الولايات المتحدة ضد سالاس أنتونا رقم6:16–86, 2017 WL 2255565 at * 1 (S.D. Tex, May 23, 2017) – حيث تم رفض طلب المتهم استبعاد الأدلة – فقد حاجج المتهم بأن موافقته لم تكن جائزة بسبب حاجز اللغة. وبالرغم من أن المحكمة أقرت بأن (Puedo buscar) ليست ترجمة دقيقة من الناحية القانونية لعبارة «هل يمكنني التفتيش»، إلا أن الضابط اعتمد بشكل معقول على الترجمة التي قدمها جوجل ترانسليت، وبالتالي تم تطبيق استثناء حسن النية.

 

وحيث إن الوقائع في قضية سالاس أنتونا تبدو متطابقة تقريباً مع القضية الماثلة، إلا أنه من المهم ملاحظة أن الضابط سأل المتهم أولاً باللغة الإنجليزية عما إذا كان بإمكانه البحث أو النظر، وأشار إلى عينيه وصندوق السيارة؛ ورداً على ذلك، فتح المتهم الصندوق، مما يظهِر أنه تمكن من فهم سؤال الضابط باللغة الإنجليزية.

أما في هذه القضية، فليس هناك ما يشير إلى طلب وولينج تفتيش السيارة باللغة الإنجليزية، ولم يصدر عن المتهم أي تصرفات تؤكد ما يشير أنه فهم سؤاله تماماً.

وعلى الرغم من أن المحكمة في قضية سالاس أنتونا وجدت أن اعتماد الضابط على جوجل ترانسليت كان معقولاً، إلا أن المحكمة لم تتحدث عن تعقيدات خدمة جوجل ترانسليت.

وفي هذه القضية شهدت كلتا المترجمتين المحترفتين أنه لا يجوز استخدام جوجل ترانسليت إلا للترجمة الحرفية كلمة مقابل كلمة لأن جوجل ترانسليت لا يأخذ السياق بعين الاعتبار. لذلك، وبينما قد يكون من المعقول أن يستخدم ضابط الشرطة جوجل ترانسليت لجمع المعلومات الأساسية مثل اسم المتهم أو مكان سفر المدعى عليه، إلا أن المحكمة لا تعتقد أنه من المعقول الاعتماد على هذه الخدمة للحصول على الموافقة على التفتيش، والتي تعتبر بخلاف ذلك غير قانونية.

وفي هذه القضية، أقرّ وولينج بأن المترجم الحي يعد مصدراً أكثر موثوقية للتواصل مع شخص لا يتحدث اللغة الإنجليزية، وأقر بأن لديه خيارات أخرى بخلاف استخدام جوجل ترانسليت.

 

ولهذه الأسباب، ترى المحكمة أن استثناء حسن النية لا ينطبق هنا، لأنه من غير المعقول لضابط الشرطة أن يستخدم جوجل ترانسليت ويعتمد عليه من أجل الحصول على موافقة المتهم على التفتيش (وهو ليس معه مذكرة تفتيش)، خاصة أن الضابط لديه خيارات أخرى للحصول على ترجمات أكثر موثوقية.

كما أن الحكومة لم تستوفي متطلبات عبء الإثبات لإظهار أن موافقة المدعى عليه كانت «صريحة ومحددة وقد تم منحها بحرية وبذكاء» حيث إن المتهم يدعي أنه لم يفهم السؤال، ومحضر تسجيل الكاميرا داخل سيارة وولينج يؤيد ادعاء المتهم بأنه لم يفهم الكثير من أسئلته، وأن ترجمة جوجل ترانسليت المزعوم استخدامها من قبل وولينج لم تكن ترجمة دقيقة لـ «هل يمكنني تفتيش السيارة؟»، حتى لو كان جواب المدعى عليه «آه، حسناً. نعم نعم. اذهب. نعم»، ولا يتضح من الأدلة ما السؤال الذي طرحه وولينج، وما الذي وافق عليه المدعى عليه، وأن المحكمة لن تفسر امتثال المدعى عليه لتعليمات وولينج بالوقوف جانب الطريق أثناء تفتيش السيارة كموافقة ضمنية، رهناً بكافة الظروف.

ويتبين للمحكمة أن تطبيق قاعدة الاستبعاد مناسب في هذه الحالة، وبالتالي توافق على طلب المتهم لاستبعاد الأدلة.

وبناءً على ذلك، واستناداً إلى الأسباب سالفة لذكر، وفي الرابع من يونيو 2018م، وفي مدينة كنساس سيتي بولاية كنساس الأمريكية، أصدرت المحكمة حكمها بالموافقة على طلب المتهم باستبعاد الأدلة.

ولمن يريد الاطلاع على هذا الحكم، فإن بياناته هي:

IN THE UNITED STATES DISTRICT COURT, FOR THE DISTRICT OF KANSAS, Case No. 17-40100-CM, UNITED STATES OF AMERICA, Plaintiff, v. OMAR CRUZ-ZAMORA, Defendant., Dated June 4, 2018, at Kansas City, Kansas.

 

ويمكن الاطلاع على هذا الحكم، عبر الرابط التالي:

https://ecf.ksd.uscourts.gov/cgi-bin/show_public_doc?2017cr40100-24

استخدام القفاز الذكي في ترجمة أقوال المتهم أو الشاهد الأصم الأبكم

في إمارة أبو ظبي، وبتاريخ 27 فبراير 2019م، صدر عن وكيل دائرة القضاء القرار الإداري رقم (49) لسنة 2019 بشأن استخدام القفاز الذكي في ترجمة لغة الإشارة.

وتحدد المادة الأولى من هذا القرار الأهداف المرجوة منه، بنصها على أن «يهدف هذا القرار إلى تحقيق ما يلي:

1. تعزيز واستدامة العمليات القضائية وضمان الوصول الشامل للخدمات.

2. تطبيق استراتيجية دائرة القضاء في التحول الرقمي لكافة الخدمات والإجراءات والعمليات.

3. تسخير التكنولوجيا والتقنيات الحديثة بشكل يلبي احتياجات كافة أطراف العملية القضائية.

4. زيادة ثقة الأفراد في المنظومة القضائية، ومراعاة احتياجات فئة الصم والبكم من المتقاضين أو المتهمين أو الشهود.

5. تحقيق وتوفير كافة متطلبات استخدام القفاز الذكي في ترجمة لغة الإشارة، وذلك أمام المحاكم والنيابات وفروع الكاتب العدل والتوثيق».

وتضمنت المادة الثانية تشكيل لجنة، بينما حددت المادة الثالثة اختصاصات هذه اللجنة، بنصها على أن تتولى اللجنة تنفيذ متطلبات استخدام القفاز الذكي في ترجمة لغة الإشارة، وذلك أمام المحاكم والنيابات وفروع الكاتب العدل والتوثيق.

 

استشراف مستقبل الترجمة الذكية أمام المحاكم

الواقع أن البرمجيات التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة ساعدت المترجمين على أداء مهامهم بدقة وكفاءة وسرعة أكبر، إلا أن الأنظمة الحديثة تدخلت بشكل رآه البعض يهدد مستقبل دور العنصر البشري في عملية الترجمة.

وتوجد في الوقت الحالي شركات عديدة تسعى لتحسين خدمات الترجمة الإلكترونية، التي يسخر منها البعض، ولكنها تشهد تطوراً ملحوظاً وبشكل سريع. لقد أخرج التقدم العلمي فكرة الترجمة الإلكترونية الدقيقة من نطاق الخيال إلى الواقع، ولو جزئياً حتى الآن. وقد بذلت بعض الشركات جهوداً كبيرة في جعل الترجمة الإلكترونية منافساً حقيقياً للترجمة البشرية. وفي الوقت الحالي، لا يوجد نقص في الوسائل التكنولوجية التي تقدم الدعم للمترجمين، وأشهرها ترجمة جوجل، وغيرها من المنصات الأخرى، ولكن في عام 2017م، دخلت شركة ألمانية ناشئة خط المنافسة في هذا المجال، وهي (DeepL)، والتي يؤكد البعض أنها «أفضل مترجم في العالم من حيث الجودة».

 

ومع ذلك، وعلى الرغم من التطور الذي تحقق، لا يزال الفارق بين مستوى المترجم البشري والمترجم الآلي شاسعاً. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا الشأن، إلا أنه ليس من المفضل في الوقت الحالي الاعتماد الكلي على الترجمة الالكترونية، ولاسيما أن الاختبارات تشير إلى وجود حاجة شديدة إلى تطوير الأداء فيما يتعلق بالترجمة الالكترونية.

إن الحاجة إلى المترجمين البشريين، سواء فيما يتعلق بالمادة المكتوبة أو الترجمة الفورية، لا تتوقف. إذ يشكك متخصصون في مجال الخدمات اللغوية في إمكانية أن تحل الترجمات الإلكترونية محل البشر.

 

ولكن، ورغم إدراكنا الكامل لعدم إمكانية الاعتماد على الترجمة الالكترونية وحدها في الوقت الحالي، فإن استشراف المستقبل يشير إلى أن الأعوام القليلة القادمة سوف تشهد دوراً أكبر للترجمة الآلية.

وهذا التوقع يستند إلى العديد من الدلائل القائمة على أرض الواقع. فالمتابع لشأن الترجمة، وتحديداً خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، يمكن أن يرصد العديد من التغيرات في مجال الترجمة.

إذ زاد التركيز على ضرورة السرعة في تسليم النصوص المترجمة، مع ضرورة أن تكون خالية تماماً من الأخطاء.

وبناء على ذلك، يقول الخبراء إنه إذا لم تتحسن خدمات الترجمة البشرية من حيث السرعة الفائقة والكفاءة، فسيكون من حق العملاء اللجوء إلى الوسائل الإلكترونية. ويقول رئيس شركة (DeepL): «أعتقد أن الترجمة الآلية ستفتح مجالات وأسواق عمل جديدة، ورؤيتنا تتمثل في تجاوز العوائق اللغوية، وتقريب البشر من بعضهم».

 

وفي اعتقادنا أن مستقبل الترجمة الذكية بوجه عام والترجمة الذكية أمام المحاكم مرهون بتوافر شروط ثلاثة، هي: الدقة والسرعة وانخفاض التكلفة أو النفقات. وفي الوضع الحالي، فإن الترجمة الآلية هي بلا شك أكثر سرعة من الترجمة التي يقوم بها بنو البشر. كذلك، فإن الترجمة الآلية هي أقل تكلفة إلى حد كبير من الترجمة العادية. وتبقى الشكوك قائمة في ظل الوضع الحالي بشأن مدى دقة الترجمة الآلية. ومع ذلك، فإن اكتساب الذكاء الاصطناعي القدرة على التعلم الذاتي من الأخطاء والتجارب كفيلة بزيادة دقة الترجمة الآلية في المستقبل. ومتى تحقق ذلك، فإن الترجمة الذكية ستسود في شتى مناحي حياتنا بلا شك، وسيكون من الطبيعي عندئذ الاعتماد عليها دون غيرها في التحقيقات والمحاكمات الجنائية، لاسيما وأن هذه الترجمة من شأنها أن تسهم في تجسيد «الحق في المحاكمة خلال وقت معقول». والله من وراء القصد…

 

زر الذهاب إلى الأعلى