الطلبات المستعجلة أمام محكمة الموضوع بين النظرية والتطبيق
كتب دكتور/ هانى عبد المولى عيد
القاعدة العامة أن قاضي الأمور المستعجلة – وفقًا لنص المادة 45/1 مرافعات – هو المختص بنظر المسائل المستعجلة التي يُخشى عليها من فوات الوقت, ويبني القاضي المستعجل حكمه على ترجيح احتمال وجود الحق يستقيه من ظاهر الأوراق والمستندات، فلا يتعمق في بحث أدلة الحقوق والمستندات المتعلقة بها، فالوضع الظاهر هو عماد الحماية المستعجلة وأساس القضاء فيها، حيث تنحصر سلطته في الحكم بإجراءات تحفظية أو إصدار أحكام وقتية لا تمس موضوع النزاع في صميمه، فالحكم الصادر منه يُراد به درء الخطر أو اتقاء المحذور، لتحقيق حماية عاجلة مؤقتة لمن يبدو لأول وهلة أنه أجدر بالحماية .
إلا أن المشرع – وفقًا للمادة 45/3, والمادة 47/3 مرافعات – منح محكمة الموضوع اختصاصًا بنظر الطلبات المستعجلة المرتبطة بدعوى موضوعية مقامة أمام محكمة الموضوع, ويجد هذا الاختصاص سنده في طبيعة الدعوى المستعجلة كدعوى مساعدة أو احتياطية مرصودة لخدمة الدعوى الموضوعية ولضمان فعالية الأحكام الصادرة فيها, ويشترط لانعقاد هذا الاختصاص وجود صلة أو ارتباط بين الطلب المستعجل والطلب الموضوعي.
والطلبات المستعجلة سواء قُدمت للقضاء المستعجل المختص نوعيًا بنظرها أو للقضاء الموضوعي بالتبعية للطلبات الموضوعية المعروضة عليه، يُشترط للاختصاص بها أن تتوافر فيها الظروف التي تدعو للاستعجال، وأن يكون المطلوب فيها إجراءً وقتيًا لا يمس أصل الحق .
فإذا كانت الدعوى المستعجلة تختلف عن الدعوى الموضوعية إلا أن هذا الاختلاف لا ينفى كل صلة بين الدعويين, فحماية الحق حماية مستعجلة إنما تتقرر لإتاحة الوقت الكافي أمام القضاء لحمايته حماية موضوعية وهذا هو الأساس في اعتراف القانون للمحكمة التي تنظر الدعوى الموضوعية بالاختصاص بنظر الدعوى المستعجلة بطريق التبعية للدعوى الموضوعية المنظورة أمامها.
فالحماية المستعجلة هي وجه متميز للحماية القضائية تنهض أساسًا لمواجهة خطر التأخير في منح الحماية القضائية الموضوعية والذي يترتب عليه أضرار قابلة للاستنفاد بطبيعتها وتهدف إلى توفير حماية عاجلة لمن يبدو للوهلة الأولى أنه صاحب الحق الظاهر, وتؤدى تلك الحماية المستعجلة دورها عن طريق تدابير وقتية وتحفظية لا تمس أصل الحق أو تؤثر فيه, فالحماية المستعجلة تتولى حماية الحقوق مؤقتًا عندما لا يوجد الوقت الكافي لكى يتمكن القضاء – بالإجراءات العادية – من حمايتها موضوعيًا, فالحماية المستعجلة هي حماية مساعدة, أو مكملة, أو تبعية, أو احتياطية للحماية الموضوعية.
وبالرغم مما تقدم إلا أن الواقع العملي يؤكد أن القضاء لم يضع تلك النصوص – التي تمنح محكمة الموضوع اختصاصًا بالفصل في الطلبات المستعجلة المرتبطة بالدعوى الموضوعية – موضع التطبيق, فنجد أن محاكم الموضوع تنأى بنفسها عن الفصل في تلك الطلبات وتقضي بإحالتها إلى القضاء المستعجل اعتقادًا منها بأن هذا الاختصاص قاصر على القضاء المستعجل.
وهو الأمر الذي يبين عدم فعالية توفير حماية مستعجلة عن طريق قضاء الموضوع وذلك لعدم وضع النصوص التي تقرر تلك الحماية موضوع التطبيق, ومن ثم فقد أضحت تلك الحماية مجرد نصوص تخلو من أي فائدة عملية, وهو الأمر الذي يتعارض مع صراحة النصوص القانونية, ومع رغبة المشرع في توفير حماية عاجلة متى توافرت مقتضيات تلك الحماية.
ولذا فإننا نناشد القضاء بتفعيل الحماية المستعجلة التي أناط المشرع بمحاكم الموضوع تقريرها والمنصوص عليها صراحة في المادتين 45/3 , 47/3 مرافعات, وذلك متى توافرت شروط تلك الحماية وذلك باعتبارها حماية مساعدة وضرورية للحماية الموضوعية, فهناك بعض الحالات تكون فيها الحماية المستعجلة أكثر فعالية من الحماية الموضوعية.