الشرق الفنان (15)

من تراب الطريق (1117)

الشرق الفنان (15)

نشر بجريدة المال الخميس 10/6/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

تخلص النظرتان الفنيتان المعتنقتان في الشرق والغرب؛ في أن إحداهما تجعل الإنسانية والطبيعة كليهما يسيران في طريق مفتوح قابل للتغيير الذي تقتضيه الحكمة، وهذا وجيز وروح النظرة الشرقية، والأخرى تنظر إلى العالم كأنما هو شيء قد كمل واكتمل طبقًا لقوانين معينة محددة لا سبيل إلى تغييرها، ومثل هذا يكون بمثابة أن نضع الأغلال في أيدينا، وتلك هي حال النظرة الغربية التي تحسب أنها التي تتمسك بالحرية، وتعيب على النظرة الشرقية أنها تقيم سدودًا وتفرض أغلالاً على حرية الإنسان.

السؤال إذن الذي يطرح نفسه، ويعيد الطرح، هو: أيكون الغربي مؤمنًا بالحرية الكونية حتى يزعم أو يتمسك أن الأمور دقيقها وجليلها قد رُسمت رسمًا محددًا دقيقًا تحكمها قوانين لا تتغير ومن ثم لا سبيل إلى تغييره وتحويره أو انتظار الجديد فيه ؟ أم يكون الشرقي مؤمنًا بالقدر المغلق المقفل يتصور أو يعتنق أن الأمور تحتمل أن تجرى على غير ما حسبه الحاسبون ؟

والفرق بين هذا وذاك، أن أحدهما فرد يعطل الحرية للإنسان الفرد ويسلبها أو ينكرها على الكون في مجموعه، وآخر يعطى الحرية للكون في مجموعه بما فيه الإنسان، ويسلبها من الإنسان الفرد من حيث هو منعزل مستقل عن الكون ؟

على أن من فلاسفة الغرب، فيما يضيف الدكتور زكى نجيب محمود، من يذهبون مذهبًا قريب الشبه بالفلسفة الشرقية. على رأس هؤلاء الفيلسوف الشاعر: سبينوزا. ويأخذ في مذهبه المعروف بأن الكون حقيقة شاملة يسميها « جوهرًا » وهذا الجوهر أزلي أبدى ثابت، يتبدى في الأشياء الكثيرة التي تقع لنا تحت الحس. وهي عنده زائلة فانية، ولكنها تنم عن حقيقة خالدة كامنة فيها.

قد يزول الشيء الجزئي ويفنى أما الحقيقة التي تتمثل فيه، أو قل الجوهر، فباقية لا زوال ولا فناء لها، ومن رأيه ـ فيما يضيف الدكتور زكى نجيب محمود، أن للطبيعة الكبرى مظهرين فهي طابعةٌ من ناحية، ومنطبعة تمن ناحية أخرى.

أي أنها فعالة منشئة خالقة من ناحية، وهي منفعلة مخلوقة من ناحية أخر.

الجانب المنفعل المنطبع هو الدنيا ما تحوي وما يجرى فيها.

والأشياء الحسية التي فيها لها من إنتاج الجانب الطابع المنشئ الخلاق.

كذلك هناك شبه قوى ـ فيما يبدى الدكتور زكى نجيب محمود، بين فلسفة شوبنهور وبين الفلسفة الشرقية، حتى قيل إنه يستقى فلسفته من الشرق.

موجز رأي شوبنهور: أن الأحياء كافة أجزاء من حقيقة واحدة، ولكن وجودها الفردي في زمان ومكان يظهرها بمظهر الكائنات المنفصلة؛ فالزمان والمكان هما أصل الانفصال الفردي الذي تنقسم به الحياة إلى كائنات عضوية متميزة تبدو كأنها أشتات متفرقة في أمكنة مختلفة، وفي فترات من الزمان متباعدة؛ فليس الزمان والمكان إلاّ نقابًا وهميًّا يخفي عن أعيننا اتحاد الأشياء؛ والواقع أن ليس هناك إلاّ نوع واحد وإلاّ حياة واحدة؛ ومهمة الفلسفة عنده هي أن توضح للإنسان في جلاء أن الفرد ليس إلاّ الظاهرة لحقيقة وراءها، لا الحقيقة في ذاتها؛ وأن تبين له أن ثمة صورة دائمة ثابتة نراها من خلال التغير المتصل في دنيا الجزئيات والأفراد.

فلسفة التاريخ الصحيحة، هي إدراكنا لوجودٍ ثابت لا يتغير.

وعلى الفيلسوف أو المفكر أن يرى أن الإنسانية هي هي في كل مكان برغم ما توجبه الظروف الخاصة من أمر الخلاف أو الاختلاف في العادات والأخلاق والسلوك والأزياء !

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى