الشاهد الصامت

بقلم/ محمد محمود وهبه المحام

يُقال في القانون الإنجليزي إن القرائن أصدق من الشهود لان الوقائع لا يمكن أن تكذب، فهي الشاهد الصامت الذى يشير الى مرتكب الجريمة من اجل القاء الضوء على الظل الذى دفنت فيه الواقعة الرئيسية وهى ايضا الضوء الذى ينير وجدان القاضي.

و تعد القرينة هي كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه، بمعنى أن يوجد أمر ظاهر معروف يصلح الاعتماد عليه وأن توجد صلة بين الأمر الظاهر والأمر الخفي، وتنقسم القرائن من حيث دلالتها إلى قرائن قوية ترقى إلى درجة القطع واليقين وأخرى ضعيفة لا تقوى للاستدلال بها، قال تعالى {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت، وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين}.

فبين الله تبارك وتعالى أن شق الثوب قرينة المباشرة في واقعة امرأة العزيز مع يوسف عليه الصلاة والسلام، فقد جعل الخالق سبحانه للحق علامات تدل عليه، واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده العلامات في الأحكام وجعلوها مبينة لها، فمن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (الولد للفراش) إذ جعل الفراش قرينة لإثبات النسب، قال ابن القيم رحمه الله: (ومن أهدر الأمارات والعلامات في الشرع بالكلية فقد عطل كثيرا من الأحكام ووضع كثيرا من الحقوق ).

وتعتبر القرائن احدى وسائل مكافحة الجريمة في العصر الحديث خاصة بعد تطور وسائل وأساليب الجريمة في محاولة للهروب من قبضة العدالة والفرار من العقاب، وحيث ان معاقبة الخارجين على النظام أو ما يعرف بإرضاء حاسة العدالة في المجتمع تعتبر قضية هامة فقد حرصت الكثير من الدول على الاستفادة مما يعرف بالقرائن الحديثة مثل نتائج المعامل والمختبرات المتخصصة والأدلة الجنائية وأدلة الطب الشرعي وغيرها مما يتوصل اليه من الأدلة المادية والسمعية والمرئية والقرائن الأخرى، حيث تعمل الأجهزة الأمنية على تتبع هذه القرائن للوصول للجناة ومواجهتهم بالتهم المنسوبة إليهم، وبناءً عليه فمتى ما اكتملت شرائط القرينة وتم اثبات الواقعة ولم يفلح من قامت في مواجهته من اثبات عكسها كانت للقرينة حجيتها الملزمة.

والقرينة اذا كانت قطعية تبلغ درجة اليقين فإنها تعد وحدها بينة نهائية وكافية للقضاء مثل حمل المرأة من الزنا، واما اذا كانت القرينة غير قطعية فإنها تعد دليلا مرجحا لجانب أحد الخصوم متى اقتنع بها القاضي ولم يوجد دليل يثبت خلافها بطريق أقوى، ويرى البعض الآخر من الفقهاء عدم جواز الحكم بالقرينة في الحدود لأنها مبنية على الستر فتدرأ بالشبهات.

وأما في حقوق الآدميين فيحكم بالقرائن القوية القطعية الدلالة عند عدم وجود البينة، وتنص المادة الخامسة والخمسون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية على أنه يجوز للقاضي أن يستنتج قرينة أو أكثر من وقائع الدعوى أو مناقشة الخصوم أو الشهود لتكون مستندا لحكمه أو ليكمل بها دليلا ناقصا ثبت لديه ليكون بها معا اقتناعه بثبوت الحق لإصدار الحكم، مع توضيح وجه دلالة القرينة حتى يمكن للخصم اثبات ما يخالفها من عدمه، ويعتبر حيازة المنقول قرينة بسيطة على ملكية الحائز يستند عليها في الحكم مع يمين الحائز عند عدم البينة.

ونخلص إلى أن القرينة ليست دليلا مباشرا في الاثبات وإنما تقوم على استنباط واقعة مجهولة من الواقعة الثابتة المعروفة، وتقسم القرائن في بعض الأنظمة العدلية إلى قرينة قانونية وهي ما نص عليه القانون لمنع التحايل على النظام وتعفي هذه القرينة من تقررت لمصلحته عن أي بينة أخرى ومع ذلك يجوز نقضها بالدليل العكسي والقرينة القانونية غالبا ما تأتي في صيغة عامة مجردة قد لا تنطبق على كل حالة بعينها، وبذلك تكون القرائن القضائية أي ما يستنبطه القاضي من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها ومسلك الخصوم من قرائن لها دلالة معينة في الإثبات في كل دعوى بذاتها أكثر مناسبة للحقيقة والواقع، وتفقد القرينة حجيتها ودورها في الاثبات اذا قام الخصم بتقديم ما يثبت خلاف القرينة التي استنتجها القاضي.

 

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى