السيادة والحكم في الإسلام

السيادة والحكم في الإسلام

نشر بجريدة الشروق الخميس 26/8/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

عرفت السيادة بكثير من التعريفات، أصحها أن السيادة هي سند الحكم، ويشمل السياسة والتشريع وولاية الأمور العامة.

ومعنى السند أنه هو المرجع الذي يعطى القانون ـ أو الرئيس ـ حق الطاعة، وعلى ذلك فليست السيادة هي سلطان الحكم ذاته، وإنما هي السند الذي يجعل للسلطة حكمًا مسلمًا به وليس غصبًا يفرض على المطَالَب بطاعته.

وكان الرومان يرجعون إلى القانون الطبيعي ويتخذونه سندًا للتشريع، ويعنى القانون الطبيعي عندهم « سنن الفطرة » التي يتلقاها الخلق بغير ملقن ويعملون بها بالبداهة.

وبعد شيوع المسيحية، ظهر من شراح النظم الحكومية من يعزو السيادة إلى السلطة الدينية التي ينهض بها رجال الدين، وظهر تبعًا لذلك من ينوطون سيادة الملوك وحكمهم إلى الله بالحق الإلهي.

على أنه بمضي الزمن والتطور، ظهر من الفقهاء في القرن السادس عشر من أدخلوا الرعية في حسابهم، وجعلوا لهم وجودًا في السيادة بتعاقد مفترض مع الرعية، وكان من أبرز هؤلاء « هوبرت لانجيه » صاحب كتاب « الحجة على الطغيان »، ورأى فيه أن كل حكومة تستند إلى عقد بين الله والخلق جميعًا، ويتبعه عقد بين الراعي ورعيته على العمل بأوامر الله ونواهيه.

وتطورت فكرة السيادة التي تقوم على هذا التعاقد المفترض، ونحا كلٌّ إلى اتجاه، فقرر

« توماس هوبز » الإنجليزي ( 1588 / 1679م ) أن السيادة مستمدة من تعاقد بين الناس على حاكمهم، على أن هذا التعاقد يلزمهم ولا يلزم الحاكم لأنه لم يكن طرفًا فيه.

وقرر « جون لوك » الإنجليزي ( 1603 / 1704 م ) أن الحاكم ملتزم في التعاقد لأنه طرف فيه.

أما « روسو » الذي اشتهر بالعقد الاجتماعي مع أنه ليس مبتدع الفكرة ـ فكان يرى أن الرعية لا ينزلون للحاكم عن حريتهم، ولكنهم ينزلون عنها فيما بينهم بعضهم لبعض، ويوكلون إلى الحاكم ليعمل باسمهم على رعاية حقوقهم ومصالحهم.

وجعلت هذه الآراء تتجدد كل عصر.

وليس في الإسلام ما ينكر أو يصادر مذهبًا من المذاهب، أو يصادر حرية الناس في التفكير الذي رأينا كيف أنه فريضة إسلامية، ولم ينكر الإسلام من هذه المذاهب إلاَّ المذهب الذي يدعى للحاكم سلطة إلهية، وكان النبي عليه الصلاة والسلام ينكر على الوالي أن ينتحل لنفسه ذمة الله ويقول لمن يوليه أمرًا: « إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فأنت لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا ».

وكان الفاروق رضى الله عنه يأبى أن يقال عن رأيه إنه مشيئة الله، وانتهر بعض جلسائه لأنه زعم ذلك فقال: « بئس ما قلت ! هذا ما رأى عمر. إن كان صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر…. لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة ».

ويبدو للأستاذ العقاد بعد هذا العرض، أن أقرب الأقوال إلى سند السيادة في الإسلام

هو الرأى القائل بأنها عقد بين الله والخلق من جهة، وعقد بين الراعي والرعية من جهة أخرى، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا ينهي هذا الفصل قبل أن يعرض بعض الآراء التي قيلت في أهمية وضرورة أن تواجه الدولة الإسلامية الناشئة مسألة تقرير مصدر السيادة، وفي النهاية فإن العهد في الإسلام حقيقة عملية تتمثل في المبايعة وفي الاعتماد على كتاب موجود ملزم للحاكم وللمحكوم.

مفهوم الإمام

وضع أهل العلم شروطًا مطلوبة للإمام، يجملها الأستاذ العقاد في توفر القدرة على إقامتها والقيام بأعبائها.

وليس في الإسلام هيئة خاصة تملك ترشيح الإمام دون غيرها من الرعية، وقد يرشح من فرد واحد من أهل الحل والعقد، حالة كون الترشيح تتبعه بيعة عامة، وهي الأساس في توليته.

والمسئولية بين الإمام والأمة « مسئولية » متبادلة.

وطاعة الإمام واجبة لا تسقط إلاَّ إذا أمر بمعصية، وعلى اختلاف في التفاصيـل تبعًا لاحتمالات الفتنة التي يجب اتقاؤها، ولذلك لا يجوز احتمال الأذى من السلطان إلاَّ لاتقاء الفتنة.

والنصيحة في كل الأحوال واجبة، عملاً بحديث « الدين النصيحة »، وهذه النصيحة في حكم الجهاد، وقيل في حديث « إن من أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ».

أما الصفات المطلوبة في الإمام، فهي الفهم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والبعد بتدبير الجيوش وأمر الحرب وسد الثغور وحماية البيضة ( سيادة وممتلكات القوم )، ويضيف البعض إلى هذه الشروط أن يكون من قريش، عملاً بحديث « الأئمة من قريش ».

بيد أن كثيرين لم يعودوا يجيزون أو يقبلون هذا الشرط، لأسباب جعلت تتزايد، منها أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يدعو إلى عصبية، ومنها قوله في حديث آخر: « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي »، ومنها قول عمر بن الخطاب: « لو كان سالم مولى حذيفة حيًّا لوليته »، ومنها أن النبي عليه الصلاة والسلام وَلىَّ قيادة الجيوش لزيد بن حارثة ولابنه أسامة، وفيها جلة الصحابة القرشيين.

ومن المتفق عليه جواز خلع الإمام متى ثبت نقضه للعهد، مع وجوب اتقاء الفتنة، فإذا أمنت الفتنة فلا خلاف على خلعه.

ويرى بعض الشيعة الإمامية أن الخلع لا يجوز بعد انعقاد الإمامة، لأن الإمامة وصيّة من النبي عليه الصلاة والسلام يتلقاها إمام عن إمام.

وإجلال الإمام عن الخلافات الهينة، مجمع عليه بين السواد الأعظم من المسلمين.

على أن المهم في إسباغ هذه الجلالة على منصب الإمامة ـ أن ذلك لكونها تحفظ الحقوق وتقيم الحدود وتحقن الدماء، وليست جلالتها لتمييز صاحب السلطان ليتسلط على الرعية.

ويتعرض الأستاذ العقاد لبعض الكتابات التي سطرت عمن يطلبون الإمامة في القرن الجديد، في المغرب الأقصى، وفي إيران، ولدى بعض الناس في صعدة من اليمن، ولغيرها. ويختم بأن معظم هؤلاء قد انقضى عهدهم أو انقضت دعواهم، وأن العبرة التي يجب استخلاصها هي الإيمان بسيادة الأمة، وأنها هي مرد التشريع والسلطان.

زر الذهاب إلى الأعلى