الزنا بين الفقه والقانون

 بقلم أ. يوسف أمين حمدان

انتشرت جريمة تهز المجتمع بل تهز الأمة بأكملها (جريمة الزنا) فقد حرّم الله الزنا، ليس تحريم المحرمات عبثا من الله أعوذ بالله بل الله منزه عن ذلك سبحانه وتعالى، فعندما حرم الله الزنا له حكمة وهدف من ذلك، والزنا من أعظم الجرائم، وأشدّها خطراً وبشاعةً، وذلك لما يترتّب عليه من آثار تضرّ بالفرد والمجتمع على حدٍ سواء، فبالزنا يحصل اختلاط الأنساب الذي يؤدّي بدوره إلى مشاكلٍ كبيرةٍ وخطيرةٍ للغاية؛ منها: ضياع الحقوق عند التوارث، وضياع التعارف بين الناس، وكذلك ضياع قيمة التناصر على الحقّ بينهم، كما أنّه سبب في تفكّك الأسر وتخاصمها، وضياع الأبناء، وسوء تربيتهم، وفساد أخلاقهم ودينهم، كما أنّ الزنا يؤدّي إلى التغرير بالزوج، فقد يرعى ويربي طفلاً ليس ابنه إذا نتج عن الزنا حمل، ولأجل ذلك كلّه كان تحذير الإسلام منه تحذيراً شديداً، وايضا يتسبب الزنا في انتشار الأمراض الخطيرة التي من الممكن أن تقضي على النسل البشري.

حُرّم الزنا في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة؛

يقول الله عزّ وجل في كتابه الحكيم: (وَلَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلزِّنَىٰۤۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَـٰحِشَةࣰ وَسَاۤءَ سَبِیلࣰا)

[سورة الإسراء 32]

(ٱلزَّانِیَةُ وَٱلزَّانِی فَٱجۡلِدُوا۟ كُلَّ وَ ٰ⁠حِدࣲ مِّنۡهُمَا مِا۟ئَةَ جَلۡدَةࣲۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةࣱ فِی دِینِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۖ وَلۡیَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ)

[سورة النور 2]

كما حُرّم الزنا في السنة النبوية الشريفة:-

ورد عن إبن مسعود رضي الله عنه: (سأَلتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ الذَنْبِ أعظمُ عِندَ اللهِ؟ قال: أن تَجعَلَ للهِ نِدّاً وهو خلَقَك، قلتُ: إنَّ ذلك لعظيمٌ، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ أن تَقتُلَ ولدَك تَخافُ أن يَطعَمَ معَك، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ أن تُزانِيَ بحَليلَةِ جارِك)

كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (خُذوا عني، قد جَعَل الله لهنّ سبيلاً، البكْر بالبِكْر جَلْدُ مئة ونَفْيُ سَنَة)

 

أيضا جرّمَ القانون الزنا ووضع عقوبة لكلٍ من الزاني والزانية، أيضا معظم تشريعات الدول حرمت الزنا وفرضت له عقوبة.

الزنا في قانون العقوبات المصرى:-

فقد فرّق قانون العقوبات المصري بين جريمة زنا الزوج، وزنا الزوجة.

حيث نصت المادة رقم(277) على أنه:

(كل زوج زنى في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازي بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر).

كما نصت المادة رقم(274) على انه:

(المرأة المتزوجة التي يثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين ولزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت).

نستخلص من نص المادتين الفرق بين زنا الزوجة وزنا الزوج، حيث بالنسبة للزوجة الجريمة تقوم إذا زنت في أي مكان ولا تقع جريمة زنا الزوج إلا إذا تمت في منزل الزوجية، ايضا نلاحظ تغليظ العقوبة بالنسبة للزوجة الزانية عن الزوج الزاني، فمدة عقاب الزوجة لا تزيد عن سنتين، أما عقاب الزوج فهو حبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر، أيضا للزوج أن يوقف تنفيذ الحكم برضائه له كما كانت ولم يورد هذا الحق للزوجة.

ولكي نكون أمام جريمة زنا الزوجة يجب أن يتوافر شرطان أولهما الوطء، والآخر الزوجية.

-الوطء: فجريمة الزنا لا تقوم إلا بحدوث الوطء ، فلا تقع الجريمة بما دون ذلك من أعمال الفحش التي ترتكبها الزوجة مع رجل أو امرأة اخرى، والوطء كاف لتكوين الجريمة متى توافرت الشروط الأخرى.

ولا يتصور الشروع في جريمة الزنا “وللمستشار جندي عبد الملك قولا في ذلك”.

“ولما كان الوطء شرطا أساسيا في جريمة الزنا فلا يتصور هذه الجريمة إلا تامة ولا يمكن أن يكون لها شروع وفضل عن ذلك لما كان القانون لا ينص صراحة علي الشروع في جريمة الزنا فلا عقاب على البدء في تنفيذها”.

“إن القانون يشترط في جريمة الزنا أن يكون الوطء قد وقع فعلا وهذا يقتضي أن يثبت الحكم بإدانة وقوع هذا الفعل إما بدليل يشهد عليه مباشرة وإما بدليل غير مباشر تستخلص منه المحكمة ما يقنعها بأنه لابد وقع، والقانون حين تعرض في هذا الصدد إلي بيان أدلة معينة لم يقصد إلا أن القاضي لا يصح له في هذه الجريمة أن يقوم بحصول الوطء إلا إذا كان اقتناع المحكمة به قد جاء من واقع هذه الأدلة كلها أو بعضها، فالحكم الذي يدين المتهم فى جريمة الزنا اكتفاء بتوافر الدليل القانونى دون أن يبين كفايته في رأى المحكمة فى الدلالة على وقوع الوطء فعلا يكون مخطئا واجبا نقضه”.

(الطعن رقم 2170 لسنه 18 ق جلسه 28/12/1948).

 

-قيام الزوجية: يلزم في الزانى أن تتوافر فيها صفة الزواج، ولا تتوافر هذه الصفة إلا بناء على عقد صحيح.

“إن كل ما يوجبه القانون على النيابة العامة أن تثبت أن المرأة التى زُني بها متزوجة -كما هو الحال فى هذه الدعوى- وليس عليها أن تثبت علم الطاعن بأنها كذلك إذ أن علمه بكونها متزوجة أمر مفترض وكان عليه أن يثبت أن الظروف كانت لا تمنعه من معرفة ذلك لو استعصي عنه وهو ما لم يقم به”.

(الطعن رقم 3045 لسنه 58 ق جلسه 16/10/1988)

 

كيف يتم تحريك دعوى زنا الزوجة؟

فتنص المادة (273) من قانون العقوبات المصري علي أنه (لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها)

إذ أن جريمة الزنا جريمة من جرائم الشكوى التي لا يجوز تحريكها ومحاكمة الزوجة إلا بناء على دعوى من الزوج.

“متى كان الزوج قد بلغ عن الزنا و الزوجية قائمة فتطليقه زوجته بعد ذلك لا يسقط الدعوى ولا يحول دون الحكم على الزوجة”.

(الطعن رقم 227 لسنه 44 ق جلسه 11/3/1974)

“إن التنازل عن الشكوى من صاحب الحق فيها يترتب عليه بحكم الفترة الأولى من المادة العاشرة من قانون الإجراءات الجنائية انقضاء الدعوى الجنائية ومتى صدر هذا التنازل ممن يملكه قانونا يتعين إعمال الآثار القانونية له، كما لا يجوز الرجوع فيه ولو كان ميعاد الشكوى ما زال ممتدا لأنه من غير المستساغ قانونا العودة للدعوى الجنائية بعد انقضائها إذ الساقط لا يعود فإن الدعوى الجنائية فى واقعة الزنى المطروحة تكون قد انقضت بالتنازل عنها قبل رفعها من النيابة العامة دون أن ينال من الانقضاء العدول عن التنازل اللاحق لحصوله”.

(الطعن رقم 10445 لسنه 64 ق جلسه 9/3/2000

ما هي أدلة الزنا ؟ وهل تختلف الأدلة في القرآن الكريم عن قانون العقوبات المصري؟!.

دليل وقوع جريمة الزنا في القرآن الكريم:

(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ)

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ۝ وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَاب َأَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَالْخَامسةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۝ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُه ُوَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [سورة النور:6-10].

 

أدلة الزنا في قانون العقوبات المصرى:

تنص المادة (276) على أن (الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هى القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم).

“إن المادة 276 من قانون العقوبات قد أوردت القبض على المتهم بالزنا حين نلبسه بالفعل من بين الأدلة التي تقبل وتكون حجة عليه ولا يشترط لتوافر التلبس بهذه الجريمة أن يكون المتهم قد شوهد حال ارتكابه الزنا بالفعل بل يكفي أن يكون قد شوهد في ظروف تتنبأ بذاتها بطريقة لا تدع مجالا للشك في أن جريمة في حق الزوجة وشريكها (الطاعن) من ضبطهما بملابسهما الداخلية في حجرة واحدة بالفندق في وقت متأخر من الليل ومن أقوال المجني عليه الذي استأذنته الزوجة في المبيت عند اختها فأذن لها بذلك ومن تقرير مصلحة الطب الشرعي بوجود حيوانات منوية بملاءة السرير وكانت الوقائع التي استخلصت منها المحكمة وقوع فعل الزنا من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله”.

(الطعن رقم 227 لسنه 44 ق جلسه 11/3/1974)

زر الذهاب إلى الأعلى