الرشوة
بقلم: الأستاذ/ بلال طارق غنيم – باحث قانوني
الرشوة بصفة عامة هي اتجار الموظف بأعمال وظيفته واستغلاله لما يتمتع به من سلطة أو عمل لتحقيق فائدة منها.
الأصل أن الموظف العام لا يعمل لحساب نفسه، وإنما يعمل لحساب الدولة أو الجهة العامة التي تنتمي وظيفته إليها، ومن ثم فهو واجهة لتلك الجهة أو للدولة بصفة عامة، ولذلك ينبغي أن يكون نزيهاً عفيفاً حريصاً على أداء واجبات وظيفته، دون انتظار مكافأة من صاحب المصلحة أو المتعاملين معه من سائر الأشخاص، ومن باب أولى عليه ألا يطلب هو من أولئك أو هؤلاء أية عطايا أو مقابل لما يقوم به من عمل يتقاضى عنه راتباً من جهة عمله.
ولا يجوز تبرير قبوله أو طلبه مقابلاً لذلك، بضعف مرتبه أو عدم كفايته، ومن الملاحظ للأسف الشديد أن طلب أو أخذ مقابل العمل من أصحاب المصالح، لم يعد يقتصر على ذوي الرواتب القليلة، بل امتد إلي ذوي الرواتب الكبيرة والعالية من ذوي الوظائف المرموقة، الذين ينبغي أن يكونوا قدوة حسنة يحتذى بها .
ونكون بصدد ما يسمى ” بالرشوة ” إذا طلب الموظف العام لنفسه أو لغيره، أو قبل، أو أخذ مالاً أو نقودًا أو غير ذلك من العطايا، مقابل قيامه بالعمل الذي ينبغي عليه أصلاً أن يقوم به، أو مقابل عدم القيام به، أو مقابل الإخلال بواجب من واجبات وظيفته، بحيث لا يقوم بواجبه إلا بمقابل مما ذكر، وكأنه قد حول الوظيفة العامة إلى تجارة خاصة مع ذوي المصالح من الأفراد والأشخاص .
خصائص تجريم رشوة الموظف العام
تتسم الرشوة التي يساهم فيها موظف عام بصفتين أساسيتين هما:
الأولى: هي اتساع نطاق التجريم.
الثانية: شدة العقوبات المقررة لها ما جواز إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة إذا اعترف أو أبلغ السلطات دون أن يكون ذلك من حق الموظف المرتشي.
التوسع في نطاق الأفعال التي تشكل جريمة الرشوة
نظر الشارع الى الجريمة على أن الفاعل الأصلي فيها هو الموظف المرتشي فاذا قدم الراشي وعدا إلى الموظف المرتشي فقبله فإن الجريمة تكون قد تحققت حتى ولو لم ينفذ الراشي هذا الوعد ويتحقق ولو قبل الموظف الرشوة أو أخذها ولكنه لم يؤدي العمل الذي تشكل رشوة مقابل له.
وإذا ما توفر الاتفاق بين الرجل وبين موظف مرتشي فان الجريمة تكون قد تحققت.
أركان جريمة الرشوة
تطلب جريمة الرشوة انعقاد اتفاق غير مشروع بين الراشي والمرتشي، أو الوسيط بينهما في ذلك، وقوام هذا الاتفاق طلب الموظف العام أو قبوله أو أخذه مقابل أداء عمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عن أداء أو الإخلال به، وبدون هذا الاتفاق لا تتوافر جريمة الرشوة بمعناها الدقيق، وإنما جاز أن تتوافر جريمة أخرى كجريمة عرض الرشوة دون قبولها، إذ توافرت شروطها، ولا يشترط أن يكون الاتفاق سابقا عن الرشوة، ذلك أن الشارع قد جرم الرشوة اللاحقة الذي تتوفر على الرغم من عدم وجود اتفاق صادر، و إذا توفرت الرشوة في صورة الاتفاق فإنه يجب في هذه الحالة أن يبين الحكم الصادر بالإدانة عناصر هذا الاتفاق.
الركن المادي في جرائم الرشوة: الرشوة هي طلب الموظف أو قبوله أو أخذه مقابلا لنفسه أو لغيره .
أفعال الرشوة:
أفعال الرشوة التي نص عليها القانون ثلاث:
أ- الطلب: هو مبادرة من الموظف يعبر فيه عن إرادته في الأخذ أو القبول لعطية أو وعد بها .
ب- القبول: إذا قبل الموظف العطية أو الوعد بها كان ذلك أيضا كافيا لتمام الجريمة، دون عبرة إلى اذا ما كان الراشي قد نفذ هذا الوعد أو أنه لم يقم بهذا التنفيذ.
ج- الأخذ: يتحقق الأخذ باستلام الموظف العطية أو باستحواذه عليها أو بانتفاعه بها، والأخذ يستوجب الاستلام الحقيقي وليس مجرد الوعد به .
موضوع الرشوة:
موضوع الرشوة هو الأخذ أو العطية، ومعناها هو الفائدة التي يحصل عليها الموظف المرتشي.
أما المستفيد من الرشوة: فمن الممكن أن يكون المستفيد من الرشوة الموظف شخصيا أو الغير، وقد يكون الغير هو أحد أفراد أسرة الموظف أو غيره.
عقوبة جريمة الرشوة: نصت المادة 103 عقوبات على أن كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به.
وتكون للرشوة نوعان من العقوبات هما العقوبة الأصلية للرشوة والعقوبة التكميلية.
العقوبة الأصلية للرشوة: لم يورد المشرع الجنائي تعريفاً خاصاً به للموظف في مجال الرشوة؛ ولذا يتعين الرجوع في تحديد ذلك إلى القانون الإداري، ومن المقرر في القانون الإداري، وهو ما يأخذ به القضاء الجنائي في هذا الشأن.
العقوبات التكميلية للرشوة
أولا: الغرامة النسبية: تختلف قيمة الغرامة التي يحكم بها الى جانب العقوبة الأصلية في الرشوة باختلاف الغرض من الجريمة، فاذا كان الأخذ أو الطلب أو القبول هو لأداء عمل من أعمال الوظيفة أو كان الموظف يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه، فإن الغرامة التي يحكم بها لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد على ما أعطى للمرتشي أو وعد به (المادة 103 – 103 مكرر من قانون العقوبات).
والمقصود بتغيير النسبية: هو تناسب مقدار الغرامة مع قيمة الرشوة، فإذا أعطى للمرتشي مثلا مبلغ عشرين ألف جنيه جاز للقاضي أن يحكم عليه بهذا المبلغ أو اقل منه بشرط إلا يقل عن ألف جنيه، وقد تطلب الشارع إلا يزيد مقدار الغرامة عنما أعطى للمرتشي أو وعد به، ويعنى ذلك أن هذه الغرامة محددة في حدها الأدنى بنص القانون، أما حدها الأقصى فيتوقف تحديده على قدر العطية التي طلبت أو أخذت أو وعد به.
ثانيا: المصادرة: نص المشرع في المادة 110 من قانون العقوبات على أنه: يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة، طبقا للمواد السابقة .
والمصادرة في جريمة الرشوة هي عقوبة تكميلية وجوبية، وتعني نزع المال موضوع الرشوة على ملكية صاحبه المرتشي، فإذا قدم الراشي مبلغا من المال أو سيارة مثلا، فإن الحكم بالإدانة يوجب الحكم بمصادرة هذه الأشياء سواء منقولات أو أموال، والمصادرة لا تقع إلا على من ثبت أنه ساهم في الجريمة بصفته فاعلا أو شريكا فيها .
ويلزم للحكم بالمصادرة أن تكون العطية قابلة للحكم بمصادرتها أي أن تكون لها قيمة مالية، أما إذا تجردت القيمة المادية وكانت لها قيمة معنوية فحسب، كان من غير الجائز مصادرتها.
ويجب أن تكون العطية قد دفعت، أو سلمت للموظف، ولا يلزم التسليم الفعلي بل يكفي التسليم الرمزي ولا يلزم كذلك أن يكون التسليم لذات الموظف، بل يكفي أن يكون لمن عينه لأخذ العطية أو من يمثله أو من ينوب عنه.
الخلاصة
1- الرشوة بصفة عامة هي اتجار الموظف بأعمال وظيفته واستغلاله لما يتمتع به من سلطة أو عمل لتحقيق فائدة منها.
2- ونكون بصدد ما يسمى ” بالرشوة ” إذا طلب الموظف العام لنفسه أو لغيره، أو قبل، أو أخذ مالاً أو نقودًا أو غير ذلك من العطايا، مقابل قيامه بالعمل الذي ينبغي عليه أصلاً أن يقوم به، أو مقابل عدم القيام به، أو مقابل الإخلال بواجب من واجبات وظيفته، بحيث لا يقوم بواجبه إلا بمقابل مما ذكر، وكأنه قد حول الوظيفة العامة إلي تجارة خاصة مع ذوي المصالح من الأفراد والأشخاص .
3- نصت المادة 103 عقوبات على أن كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به.