الديمقراطية الاجتماعية والأخلاق الديمقراطية في الإسلام

نشر بجريدة الشروق الخميس 16/9/2021

بقلم: الأستاذ رجائي عطية نقيب المحامين

قيمة الديمقراطية السياسية فى الإسلام , أنها لم تغفل عن لزوم كل من الديمقراطية الاقتصادية والديمقراطية الاجتماعية , بل والأخلاق الديمقراطية , ليستقيم للديمقراطية وركائزها وآلياتها وضماناتها .

وقد طفنا سلفًا بعلامات الديمقراطية الاقتصادية , ونطوف اليوم بالديمقراطية والاجتماعية وما يتعلق بها فى الإسلام  .

غالبًا لا تنشأ الديمقراطية السياسية ، إلاَّ بعد أن تسبقها ديمقراطية اجتماعية ، فهى التى تمهد لها الأرض ، وتعاونها بالفكر والشعور على قضاء حقوق المجتمع وأداء فروضه وواجباته.

والتعاون والتكامل والتساند ، من مقومات الجماعة الإسلامية ، ومن عناصر هذا التكافل: التعاون بالرأى والعمل والخلق والشعور ، فذلك كله فريضة على كل فرد فى المجتمع الإسلامى ، وتقترن بالمجتمع اقتران لزوم .

ويعقب الأستاذ العقاد ، بآيات من القرآن الكريم تؤيد وجوب التساند ، والتناهى عن المنكر ، وتوضح أن الخسران إن قامت أسبابه يصيب الجميع إلاَّ من تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، وأنه لا نجاة لإنسان إلاَّ أن يصادق عمله إيمانه ، وأن يقتحم العقبة كفك الرقاب وإطعام فى أيام المسغبة لليتامى والمساكين ، والتواصى بالصبر وبالتراحم ، والتعاون بالإحسان فى جلب الخير ودفع الأذى .

« وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » ( المائدة 2 ) .

« وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ *

أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ »

( البلد 12 ــــ 17 ) .

« وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (آل عمران 104) .

إلى آيات أخرى عنى الأستاذ العقاد بإيرادها .

فإذا ما وجب الجهاد ، وجب التذكير والنصح لينفر الناس للقيام بواجبهم فى الدفاع عن الأمة..

« وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » (التوبة122)

*           *           *

ولا شك أن علماء الأمة مندوبون للنصح والتذكير ، ولكن طلب العلم فريضة على الجميع .. على كل مسلم ومسلمة كما جاء فى الحديث الشريف .

والدعوة إلى التناصح والتآزر مؤكدة مشددة فى القرآن الحكيم ، ولكن الأحاديث النبوية تعود إلى توكيدها وتشديدها ، ومن أحاديثه الشريفة الجامعة لعناصرها قوله عليه الصلاة والسلام : « لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » .

والمجتمع الذى يؤمر فيه الفرد بذلك ، مجتمع غنى بالديمقراطية الاجتماعية ، وهى الأساس الذى لا غنى عنه للديمقراطية السياسية .

وجملة الأخلاق الديمقراطية ، هى ما يسرى فى مجتمع لا سيادة فيه لطبقة على أخرى ولا استئثار بالسطوة لأحد دون أحد .

وقد أمر الإسلام بأخلاق ونهى عن غيرها ، وأوامره فى ذلك موجهة إلى الناس جميعًا ، وصالحة للأخذ بها فى مجتمع ركازه المساواة فى الحق والتعاون بين الجميع أياًّ كانت حظوظ كل منهم من القوة والضعف أو من الثراء والفقر .

وتتلخص هذه الأخلاق الإسلامية أو الديمقراطية ـ فى شميلة « السماحة » التى تحكم جميع العلاقات .

وقد جمع الأستاذ العقاد مظاهر هذه الشميلة فى تطبيقاتها المتعددة ، مستشهدًا فى كل موضع بآيات القرآن الكريم وبالسنة النبوية .. فالكبير يرحم الصغير والصغير يوقر الكبير ، والكبرياء خلّة ذميمة ، والقول الحسن واجب ، وليس لأحد أن يسخر من أحد ، ولا أن يغتابه فللمرء حق فى غيابه كحقه فى حضوره ، وتعددت أحاديث الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام فى عيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإجابة الداعى وإفشاء السلام . ويوجب الإسلام الإحسان كما يوجب العمل ، والحقوق مؤداة إلى أصحابها بغير تسويف أو مماطلة ، والوفاء بالحقوق قوامه المودة والمعونة ، ومن صفات المؤمن أن يكون من الكاظمين الغيظ العافين عن الناس ، والإصلاح بين الناس ، واحترام المجالس ، ومراعاة الرفق فى كل شىء حتى فى أداء الفريضة ، ومن تمام الأدب أن يلتزمه الإنسان مع خادمه ، وجعلت الأحاديث النبوية « الحياء زينة » ، وأمر القرآن الكريم بشمائل منها « خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ » (الأعراف 199) .

ويشير الأستاذ العقاد إلى أن وقائع التاريخ تروى لنا مئات من المواقف التى التزمت هذه الآداب طواعيةً ومحبة ، ومن ثم كانت الديمقراطية المثالية فى آداب السلوك والمعاملة هى شرعة الواقع فى عهد النبى وخلفائه وتابعيه .

وكان الخليفة الأول : الصديق ، يجلب لجاراته الضعاف ، ويتبادل عمر ركوب الدابة مثالثةً مع غلامه ، ولا يكاد الغرباء يعرفونه بغير أن يهديهم إليه أحد ، وكانت السنة فى آداب هؤلاء أن يشتد من يشتد على نفسه ولا يلزم غيره بهذه الشدة فى غير فريضة واجبة .

واجتمعت بهذه الأخلاق للإسلام « الديمقراطية » فى الآداب والاجتماع ، وفى السلوك وفى الضمائر ، يصعب أن تراها بهذا الاكتمال والتساند فى أى مجتمع آخر ينشد الديمقراطية .

التشريع

أظهر ما يتميز به التشريع الديمقراطى : العموم .

عموم المصدر ، وعموم التطبيق أو السريان .

ويرى الأستاذ العقاد أن اختلاف التشريعات وتراوحها بين السماحة والشدة ، أو التقدم والتأخر إلى غير ذلك ـ لا ينفى عنها صفة « الديمقراطية » إذا كانت عامة فى مصدرها عامة فى تطبيقها وسريانها .

وظنى أن إطلاق القول على هذا النحو يحتاج إلى إيضاح وضبط ، فقد ينطوى تشريع فيه صفة العموم ، على تمييز لا يتفق مع الديمقراطية .

وربما يكون فى استطراد الأستاذ العقاد ضبط وإيضاح ، فهو يفصح عن أنه يقصد بالتشريع العام فى مصدره ألاَّ يكون تشريعًا تحتكره طائفة مقفلة ، أى طائفة لا يدخلها أحد من خارجها ، ويتمثل بطائفة العلماء والفقهاء فهى غير مقفلة لأن العلم والفقه صفتان يكسبهما كل من تعلم وتفقه ، وبطائفة النواب المنتخبين فهى ليست مقفلة لأنها بالانتخاب ويتغير تكوينها من حين إلى حين ..

على أن ذلك لا يضمن فى ذاته أن يخلو هذا التشريع العام من « تمييز » فى موضع أو آخر لا يتفق مع الديمقراطية !

وربما أعان على الضبط والإيضاح استطراد الأستاذ العقاد لبيان باقى فكرته ، أن المقصود بعموم التطبيق والسريان هو التسوية بين الناس جميعًا فى الخضوع لأحكام القانون وعقوباته ـ على حد تعبيره ، فلا يستثنى أحدًا لنسبٍ أو وجاهة أو ثروة ، ولا يعفى أحدًا من عقوبة الجريمة بقالة إن العدوان مقبول من البعض محظور على الآخرين .

وهنا ينحل ما يريده الأستاذ العقاد إلى صفة « المساواة » ، حالة كونها هى الجوهر الواجب أن يلازم صفة العموم .

ومن ذلك يبين أن صفة العموم شرط لديمقراطية التشريع ، ولكنها ليست كل شروطه ، فمن الواجب , وهو ما حرص الأستاذ العقاد على تغطيته باستدراكاته ، أن يتلافى عموم المصدر وعموم التطبيق والسريان على مبادئ لا يعد التشريع المتوافر له العمومية تشريعًا ديمقراطيًّا إلاَّ بها ، فى مقدمتها العدالة والمساواة ، ولا بأس من ثم أن توضح فكرة الأستاذ العقاد بأن مرامه ينصرف إلى عمومية التشريع بما يجب أن تضمنه وتوفره من عدالة ومساواة ، لأن العمومية بذاتها قد لا تخلو من تمييز فى مواضع لا يتفق والديمقراطية ، ومن ثم يجب ضبط العمومية بأن تكون محققة للعدالة والمساواة .

يظاهر ذلك أن كل الأمثلة التى تخيرها الأستاذ العقاد قائمة فى الواقع على وجود مبدأى العدالة والمساواة إلى جوار صفة العمومية أو نابعين فى بعض الأحوال عنها .

عبدالعال فتحي

صحفي بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين؛ عمل في العديد من إصدارات الصحف والمواقع المصرية، عمل بالملف السياسي لأكثر من عامين، عمل كمندوب صحفي لدى وزارتي النقل والصحة، عمل بمدينة الإنتاج الإعلامي كمعد للبرامج التلفزيونية.
زر الذهاب إلى الأعلى