التَّمْيِيز البغيض بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي جَرِيمَة الزِّنَا
بِقَلَم دكتور/ إِبْرَاهِيم جَادَاللَّه
إن كان الدُّسْتُور الْمِصْرِيّ قد نص على المساواة التامة بين الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ في جميع
الحقوق والواجبات وحظر على نحو جَازم كل صور التمييز بينهما خاصة التمييز بسبب الدِين، الجِنس
وحسنًا فعل فإن قانون العقوبات قد جاء بعكس ذلك بخصوص جريمة زنا أحد
الزوجين.
فمن ناحية تحقق شروط واقعة الزنا نجد أن المشرع قد فرق دون مبرر موضوعي بين موقف الزوج المتهم بالزنا وموقف الزوجة فنجده في حين أطلق العنان لجريمة الزوجة فجعل قيامها ممكناً في أي مكان نجده على العكس من ذلك ضيق من قيامها في حق الزوج، بل قصر وقوعها على أن يكون الزوج قد ارتكب جريمة الزنا في منزل الزوجية دون سواه، وكأنه أباح له ارتكابها في غيره بل أعفاه من العقاب بالأساس إذا وقعت الجريمة خارج منزل الزوجية ما دام لم يزني بإمرأة متزوجة وإن كان المنطق القانوني السليم يقضي بجعل الزنا بمنزل الزوجية ظرفاً مشدداً للعقاب لا شرطاً له.
وهذا التتميز البغيض فوق أن العقل والمنطق لا يقبله حيث ميز بين الزوجين رغم وحدة الفعل المجرم فهو فوق ذلك شجع الرجل على الزنا مرتين الأولى حين أباح له الزنا خارج منزل الزوجية والثانية حين خفف عقوبته عن عقوبة الزوجة حتى لو زنا بمنزل الزوجية.
كما لو نظرنا من ناحية العقوبة المقررة لكلا الزوجين فيما لو اقترف أحدهما جريمة الزنا نجد التمييز صَارخاً بلا أي منطق فعقوبة الزوج هى الحبس ستة أشهر كحد أقصى بينما عقوبة الزوجة تكون عامان كحد أقصى.
وحين قرر الْمُشَرِّع استعمال الْعُذْر المخفف فيما لو فجأ الزوج زوجته
وهي تزني فقتلها في الحال هى ومن يزني بها لم يعاقبه عقوبة القتل العمد ولا حتى الضرب المقضي للموت، بل جعل عقوبته هى الحبس بينما الزوجة لو وضعت في نفس الظرف وقتلة الزوج هو ومن يزني بها في منزل الزوجية تعاقب عقاب القتل العمد فالتمس للزوج عذراً مخففاً نتيجة لحالة الغضب والإستفزاز التي تحدث له غِيرة عَلَى شَرَفِهِ وعِرضِه ولم يلتمسها للزوجة.
كما ميز بينهما ثالثاً من ناحية الإجراءات فحين منح الزوج حق العفو عن العقوبة فيما لو صدر حكم بإدانة الزوجة عن جريمة زنا فأعطى الزوجة حق العفو عن العقوبة إذا هو قبل معاشرة زوجته معاشرة الأزواج، بينما سلب هذا الحق من الزوجة لو أدين الزوج بحكم في جريمة زنا فهو بذلك فوق أنه كَرَّس لدونية المرأة غض الطرف عن حقها فيما لو أرادت أن تعفو عنه صيانة للعِشرة وتحقيقاً لمصلحة الأسرة وحفاظاً على سٌمعة أولادها.
ويأتي التمييز أخيراً في منعه للزوج من المطالبة بمعاقبة زوجته الزانية إذا سبق له وزنا بمنزل الزوجية واعتبره زوجاً ملوثاً وكأن المشرع الجنائي إستعار فكرة الدفع بعدم التنفيذ المعروفة بالقانون المدني فعامل الشرف والعرض معاملة الإلتزمات المادية فيكون زنا الزوجة في هذه الحالة مقاصة يبررها مبدأ تكافؤ السيئات.
إزاء هذا التميز البغيض الذي لا يقبله الشرع ولا المنطق ولا الدستور المصري فإن العقل يقف حائراً ويظل التساؤل قائماً لما لا يحكم بعدم دستورية تلك المواد أو يقوم الْمُشَرِّع بتعديلها بما يوافق أحكام الشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّة التي هى المصدر الرئيسي لِلتشرِيع.