التنظيم القانوني لجائحة كورونا ( 1 )
بقلم: الأستاذ/ محمد عبد اللطيف صقر
اعتذر عن غيابي في متابعة كتابة مقالاتي، حيث الآن أنا جالس احتجز عازلاً نفسى في مسكني وحيداً في عزلتي لا يكسرها سوى أخي آتياً ملبي احتياجاتي من مأكل ومشرب، فقد نال مني فيروس كورونا المستجد وظهرت أعراضه في يوم الخميس الموافق 3 من ديسمبر 2020، حيث أتابع أخباره بنهم وبوتيره لا تكافئ وتيرته فقد احتل كوكبنا وبسط سلطانه على الأخضر واليابس محتلاً جسد الكائنات الحية والغير حية فقد اشتدت الموجه الثانية منه وتصاعدت الأعداد حتى بلغ ضحايا هذا الفيروس مليون وسبعمائة ثلاثة وخمسون ألفاً وتسعمائة وسبعة وتسعون فرداً من ظهور الجائحة وقد تخطى مصابي تلك الجائحة حتى كتابة هذه المقالة 80 مليون فرد، فالإصابات في تزايد تتوالى وتتوالى بمعدل يقترب من 700 ألف إصابة و 14 ألف وفاة يومياً فهذا الفيروس المستجد يهدد الحق في الحياة، والحق في سلامة الجسد.
فالحق في الحياة لا يعرف إلا صورة واحدة، أم الحق في سلامة الجسد فلا يتحقق إلا بتكامل ثلاثة حقوق أما عن الأول، الحق في التكامل الجسدي، والثاني، الحق في السير الطبيعي لوظائف الجسد والأخير الحق في التحرر من الألم (الحق في السكينة الجسدية).
هذا الفيروس الذي أصاب أكثر من 80 مليون فرد حتى تاريخ كتابة هذا المقال، هذا الرقم الجم الذي يعبر عن سرعة انتشاره الهائلة، فقد أصبح يمثل كارثة من أكبر الكوارث التي واجهت البشرية، فخطورة الفيروس تتمثل في سرعة انتشاره وعدم وجود علاج أو مصل له بالإضافة إلى فتكه، إن الفيروس قد اكتشف في وهان عابراً حدود الصين ليصل شتى بقاع الأرض مروراً بكاتب المقال، فكوفيد 19 قد انتقل إلى أكثر من 80 مليون جسد، ولكن كيف انتقل هذا الفيروس إلى تلك الأجساد وما تكييف الأفعال التي أدت إلى انتقاله هل من المتصور مسألة ناقله أو حامله بشيء ؟.
عدوى فيروس كورونا المستجد تنتشر بشكل أساسي من خلال الاختلاط المباشر وتحديداً عن طريق إفرازات الجهاز التنفسي للأشخاص المصابين، كما أن لمس الأسطح الملوثة بالفيروس هو النمط الثانوي فتكييف نقل عدوى فيروس كورونا المستجد لا يخرج عن ثلاثة أنماط أن تسبب في الوفاة في نظرنا، أما عن النمط الأول والذي تحدده المواد 230، 231، 232، 234، 235 من قانون العقوبات المصري التي تعاقب على جريمة القتل العمدى بغير طريق التسميم، وقد يتصور ذلك في حالة القصد الغير محدد وصدور من الجاني أفعال مادية تؤدى إلى نقل العدوى بالفيروس، كمن يتمكن الفيروس من نفسيته فيبتغى نشره بدون تميز للغير رغبة في موته كأن يبصق على أزار المصعد أو يقوم بتوزيع أدوات أستخدمها على الغير أو الوقوف في أماكن مزدحمة دون مراعاة الإجراءات الوقائية وقد يتصور ذلك عند توافر القصد المحدد كمن يريد قتل غريمه ويستغل مرضه بفيروس كورونا المستجد يعمد إلى نقله له عند طريق مخالطته أو مصافحته أو إعارته أدواته الملوثة بالفيروس، ولكن يثور التساؤل عن المادة 233 التي تعاقب على القتل العمدي بطريق التسميم والتي تنص على ” من قتل أحدا عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً يعد قاتلاً بالسم أيا كانت كيفية استعمال تلك الجواهر ويعاقب بالإعدام “، هل نقل عدوى فيروس كورنا المستجد يدخل في نطاقها وفقاً لرأينا؟.
فنحن نرى نقل عدوى فيروس كورونا المستجد يخرج عن إطار المادة 233 حيث اختلف الفقهاء في مدى اعتبار الجراثيم والفيروسات القاتلة سماً، فالسم له دلالة علمية مستقاه من كيفية إحداثه للوفاة التي تحدث عن طريق التفاعلات الكميائية التي تؤدى إلى إتلاف بعض الخلايا أو شل بعض الأعصاب، وذلك بخلاف الجراثيم أو الفيروسات أو البكتيريا القاتلة التي تحدث الوفاة عن طريق التأثير على الجسم تأثيراً حركياً أو ميكانيكياً وذلك بتمزيق الأنسجة، كما نرى أن المادة 233 التي نصت على عقوبة القتل بالسم جريمة تمثل استثناء ولا تتحقق إلا من خلال صورة واحدة فلا يجوز بأي حال من الأحوال القياس في التشريعات الجنائية كما لا يتصور القياس في فرع من فروع القانون في الاستثناءات، وعلى الرغم من اشتراك القتل بالسم مع القتل بالبكتيريا أو الفيروسات أو الجراثيم القاتلة في خسه وجبن وخيانة الجاني حيث لا يترك للمجنى عليه فرصه في الدفاع عن نفسه، لأن من يرتكب القتل في أكثر صور تلك الجريمة له ثقة في نفس المجنى عليه كزوجته أو أقاربه أو أصدقائه، لذلك نرى تعديل المادة 233 من قانون العقوبات لتكون على الوجه التالي ” من قتل أحداً عمداً بمواد قاتله يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً يعد قاتلاً بمواد القاتلة ويعاقب بالسجن المشدد الذي لا تقل مدة عن عشرين عام ولا يتجاوز الثلاثون عام “، ولكن يجب أن نشير أن اعتبار تلك الكائنات المجهرية قاتله أم يرجع إلى معيار موضوعي شخصي فني بحيث أن فيروس كورونا على سبيل المثال له تسع سلالات حتى تاريخ كتابة المقالة وتختلف نسبة وفاة الأشخاص باختلاف الإصابة بسلالة عن أخرى ومن شخص لآخر لعده عوامل منها عوامل جغرافية ومناخية وعمريه وجينيه، كما يلاحظ أن المادة المقترحة نزلت بالعقوبة وذلك لأننا من أنصار إلغاء العقوبات البدينة والسجن المؤبد عموماً واستبدلها بالسجن المشدد الذي لا يزيد أقصاه عن ثلاثين عاماً.
أما النمط الثاني تنظمه المادة 236 التي تحدد جريمة القتل التي اتخذت صورة من صور الجرائم متعدية القصد الجنائي، وقد حسن المشرع الجنائي باستخدام لفظ ” إعطائه مواد ضاره “.
فيدخل في مفهوم المواد الضارة وفقاً لأغلب الفقهاء جميع حالات المادة من صلبة وسائلة وغازية، كما لا تأثير فكيفية إيصال تلك المادة إلى جسد المجنى عليه، وكما أن القانون لم يتطلب أن تكون للمادة جسما متحيزاً قابلاً للوزن، كما أن من المسلم به أن الميكروبات والجراثيم والفيروسات كائنات مادية يحوزها المصاب وبإمكانه نقلها لغيره وبالتالي فتحقق صورة الجريمة في هذا الفرض بتوافر الركن المادي المتمثل في كل فعل من شأنه نقل العدوى كمخالطة المجنى عليه أو توزيع أدوات المصاب على المجنى عليه أو عدم التزام الحجر الصحي عند الإصابة أو عدم اتباع التعليمات الصحية المتبعة عند حمل الفيروس المعنى، بالإضافة إلى توافر الركن المعنوي الذي يبتغى الجاني فيه تحقيق نتيجة متمثلة في نقل عدوى فيروس كوفيد وإصابة المجني عليه دون أن تتجه إرادته إلى قتله بل تتجه إلى الأضرار به والاعتداء على سلامة جسده ولكن تشاء الأقدار بأن يتوفى المجني عليه من هذا الفيروس وهو ما يعرف بالجرائم متعدية القصد الجنائي.
وعن النمط الأخير الذي تنظمه المادة 238 من قانون العقوبات التي تعاقب على القتل الخطأ وبالتالي يتحقق ذلك في كل سلوك مادي يكتنف على إهمال باتخاذ الاحتياطات الواجبة التي تمنع نقل العدوى كمن لا يخبر من يتعامل معه بأنه حامل الفيروس مراعياً الإجراءات الاحترازية دون أن تتجه إرادته إلى قتل المجنى عليه وعلى الرغم من ذلك تنتقل العدوى ومن ثم وفاة المجنى عليه لأنه لم يمكن المجنى عليه من اتخاذ كل ما يلزم من حيطة وحذر أو في الروعنة أو عدم الاحتراز كمن يتعامل مع المرضى أو كبار السن دون الحفاظ على المسافة الأمنه أو اتخاذ احتياطات وقائية أو عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة لقد تعرضنا إلى جرائم القتل التي تحققت عن نقل عدوى فيروس كورونا وسنعرض في المقال القادم جرائم الاعتداء على سلامة الجسد عن طريق نقل عدوى فيروس كورونا ولكن سيكون ذلك بعد انتصاري عليه وحيازتي لتقرير اختبار تفاعل البوليميراز المتسلل (pcr) يفيد مغادرته جسدي.
نتمنى نصرة البشرية على هذا الفيروس وكل الاحترام والتقدير والعرفان للطاقم الطبي وما يواجهه من صعوبات نفسية واجتماعية وعزل نفسهم عن ذويهم خوفاً عليهم، كل تقدير إلى من يواجه هذا العدو الذي لا يريد الهزيمة يحور نفسه ويصنع سلالات عديده، تلك الحرب التي تدور بين الجهاز المناعي والفيروس التي لن يكون فيها إلا منتصر وحيد.