التنطع الإسرائيلي !
التنطع الإسرائيلي !
نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 15/8/2020
بقلم: أ. رجائي عطية نقيب المحامين
تأبى إسرائيل إلا أن تدس أنفها في كل شيء، فمرة تتحدث عن موسى بن ميمون الطبيب الفيلسوف العربي وكأنه من إسرائيل، ومرة تتحدث عن المعابد المصرية اليهودية في بر مصر، وكأنها حامية حمى الدنيا والوصية على الآثار المصرية.. ثم ها هي تلاحق بدس أنفها الفنانة المصرية الراحلة ليلى مراد.. وبدلاً من أن تحيى كيف عاش اليهود عيشة راضية في مصر عبر العصور، منهم من أسلم بإرادته، كليلى مراد، ومنهم من ظل على يهوديته دون أن يضيّق عليه أحد.
بدلا من أن تحيى إسرائيل هذا الواقع المصري، واحتفال مصر بليلى مراد في صورة المسلسل الذي صُنف وأنتج وعرض عن قصة حياتها، أبت إسرائيل ـ إلاَّ أن تستأنف التنطع، فيتصدى ناقد سينمائي إسرائيلي لانتقاد المسلسل، ولكنه لا يقتصر على النواحي الفنية، ولا حتى على ما أقر به من إبراز المسلسل للحياة الرغدة التي عاشتها الجالية اليهودية في مصر، وإنما يفتعل الأسباب للادعاء بأن اليهود كانوا جزءًا مهما من تاريخ مصر والدول العربية !
تأبى إسرائيل إلاّ أن تشد الأمور على دائرة التعصب الديني.. لأنها كائن قائم على هذه العنصرية الدينية.. وتتجاهل أهم ما في قصة ليلى مراد وغيرها ممن ولدوا على تراب مصر، وعاشوا تحت سمائها، وشربوا من نيلها، واستظلوا بظلها.. هذه هي القضية.. ليس يهم ما هي ديانة أو ماذا كانت ثم أصبحت ديانة ليلى مراد.. المهم أنها قطعة من مصر، عاشت في هناء وبحبوحة على ضفّتي نيلها، وانطلقت وأبدعت وتألّقت في باحة مناخها.. في واحةٍ تُساوي بين الناس، ولا تتوقف عند الأعراق والعصبيات.. لم تلفظ هذه الواحة أحداً من باحتها لدين أو لعرق.. في موروثها التاريخي مئات من الأمثلة التي صبت في المساواة والإسماح.. يتسامعون قصة الفاروق عمر حين صادف شيخًا يهوديا ضريرًا يتكفف الناس، فأخذه بيده إلى بيت المال يقول لعامله عليه: «انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلـنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم» !
في هذه الواحة الوارفة، وهذا هو المعنى الحقيقي الذي يجب الوقوف عنده، تألقت نجوم في الحكمة والطب والفلسفة والأدب والفن.. منهم المسلم ومنهم النصراني ومنهم اليهودي.. لم تغلق باحة المساواة بابها في وجه أحد لعرقه أو لدينه.. نبغ في هذا المناخ اليهود والنصارى كما نبغ المسلمون، وامتلأت مصر والأقطار العربية بالأطباء النصارى الذين نبغوا فيها ومنهم من شق طريقه إلى العالمية.. لم يقل الدكتور العبقري مجدى يعقوب إنه قبطي أو نصراني، وإنما هو الطبيب المصري ابن مصر البار الذي شف عن حنين جارف إلى الوطن يدفعه كل يوم لتقديم حصاد عبقريته لمصر والمصريين.
هذه هي القيمة التي يجب استخلاصها من حياة وسيرة ومسيرة ليلى مراد، وزكى مراد، ومنير مراد.. وهي هي التي يجب استخلاصها من تعيين موسى قطاوي باشا ـ المصري اليهودي وزيرا للمالية في القرن الماضي ! ومن عشرات الأمثلة لما نعم به اليهود في بر مصر.
المشكلة أن إسرائيل تأبى إلاّ أن ترد الأمور إلى العنصرية البغيضة، فتتنادى بيهودية الدولة التي أقامتها على الوطن الفلسطيني المغتصب.. هذه العنصرية التي تتمسك بها إسرائيل هي باب جهنم للعالم كلّه.. لو حذت دول العالم حذوها، لانشطرت البلدان إلى إسلامية ومسيحية ويهودية.. فلكل فعل رد فعل مضاد له في الاتجاه.. ولن يدوم مشهد التمسك بيهودية الدولة طويلا دون أن يحرك الحساسيات ويثير الاحتقانات ويحيي العصبيات ويشد إلى التطرف.. ويقيم حرباً ضروساً بين الأديان !
هذه هي حقيقة الحصاد المرّ للعرقية والعنصرية الصهيونية الإسرائيلية !