التعويض عن الحبس الاحتياطي (المحكمة المختصة)
بقلم الدكتور/ محمد طرفاوى محمد – المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
تقديم:
يعد الحبس الاحتياطي من أهم الوسائل التي تستخدمها جهات التحقيق أثناء سريانه فله دوراً هاماً في الحفاظ على الأدلة ومنع المتهم من الهرب.
تطورت فكرة الحبس الاحتياطي تبعاً لتطور الزمان والمكان إلى أن جاء قانون الإجراءات الجنائية الحالي سنة 1951 ونظم أحكاماً عامة لفكرة الحبس الاحتياطي، لم تتوقف عند هذا الحد بل ظلت في طور التعديل طوال السنين حتى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الأخيرة سنة 2024.
تعد الحرية أساساً دستورياً راسخاً ولا يجوز الاعتداء عليها، ومن ثم وَجَبَ احترامها كمبدأ دستوري إلا أن الحبس الاحتياطي كونه استثناءً على هذه القاعدة ظل يؤرق المشرع طويلاً إذ وقع في تضارب واضح بين مصلحة المجتمع ي حماية المبدأ الدستوري ومصلحة المجتمع في فكرة الحبس الاحتياطي.
تدور هذه المقالات في إطار طرح أفكار ولا يمكن القول أنها مادة علمية بالمعنى الحرفي للكلمة بل هي مجرد توارد أفكار للكاتب حول الشكل والطريقة الممكنة لصياغة نصوص التعويض عن الحبس الاحتياطي
الحبس الاحتياطي كخطأ يوجب التعويض:
تبدأ فكرة التعويض عن الحبس الاحتياطي عقب نهايته فإذا أُخلي سبيل المتهم ظل كر في البراءة أو صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فإذا صدر الأمر بدأ التفكير في التعويض عن الحبس الاحتياطي، وقد استقر الأمر تشريعياً في فرنسا منذ فترة ليست باليسيرة فقد بدأ في ثمانينيات القرن الماضي وها هي مصر تسير على نفس الطريق في قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
والحبس الاحتياطي كخطأ سبب ضرراً يوجب التعويض يقوم على عدة افتراضات فمن الممكن أن يقوم كتعويض عن عمل أداري ولكن قرار الحبس الاحتياطي قرار صادر من النيابة العامة فهو أمر صادر من جهة ذات اختصاص قضائي ولذلك من الصعب معاملته معاملة أمر الاعتقال الإداري بالتعويض طبقاً للقواعد العامة بمجلس الدولة المصري، وهنا تظهر المشكلة فالمشرع المصري يواجه مشكلة ليست بالسهلة وهي تحديد المحكمة المختصة بنظر دعاوى التعويض عن الحبس الاحتياطي.
المحكمة المختصة بنظر دعوى التعويض عن الحبس الاحتياطي:
إذا وضع المشرع اختصاصاً للمحكمة المدنية بنظر دعاوى التعويض عن الحبس الاحتياطي خرج بها من دائرة القرينة أمام القاضي الجنائي وصولاً لكونها سيفاً مسلطاً على النيابة العامة عندما تقرر أمر الحبس الاحتياطي وهو بذلك يعتدي على حق أصيل للنيابة العامة قٌرر لها بموجب أحكام قانون الإجراءات الجنائية عملا بنص المادة 199 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أن” للنيابة العامة أن تباشر التحقيق في مواد الجنح طبقا للأحكام المقررة لقاضي التحقيق مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد التالية.“
قد يقوم المشرع بإسناد أمر البت في دعوى التعويض عن الحبس الاحتياطي للقاضي الجنائي وهنا تقوم معضلة أخري متمثلة في تحميل القاضي الجنائي فوق طاقته في مرفق القضاء المكتظ أصلاً بالدعاوى لدرجة دفعت المشرع ذاته إلى تقرير الحق للقاضي الجنائي في إحالة الدعوى للمحكمة المدنية المختصة إذ ما كان الفصل فيها سيعطل الدعوى الجنائية.
إنشاء محكمة جديدة:
يمكن أن نقترح على المشرع في هذا السياق أن يقوم بإنشاء محكمة جديدة تختص بنظر دعاوى التعويض عن الحبس الاحتياطي ويضاف إليها بعض الاختصاصات الأخرى تخفيفاً عن كاهل القضاء الجنائي المثقل أصلاً فمثلاً لو تم إنشاء محكمة جديدة كمحكمة الاسرة تختص بنظر دعاوى التعويض عن الحبس الاحتياطي وأُضيف إليها الاختصاص بتجديد الحبس لتخفيف العبء على قضاة الجنح والجنايات مع القيام بدور قاضي التحقيق -المهدور عملياً- عملا بنص المادة 64 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أن”يندب في كل محكمة ابتدائية وجزئية العدد الكافي من قضاة التحقيق. ويكون ندب قضاة التحقيق وتقسيم العمل بينهم بقرار من الجمعية العامة. ويتعين اختصاص قاضي التحقيق طبقا للمادة 217. ” نكون قد وضعنا حلاً جذرياً لفكرة التعويض عن الحبس الاحتياطي.
تكمن أهم مميزات إنشاء محكمة نوعية جديدة لنظر دعاوى التعويض عن الحبس الاحتياطي في صيانة دور النيابة العامة وعدم الاعتداء عليه وهو حق دستوري مقرر لها كما أن طابعها الجنائي – كونها ستختص بأمور جنائية أخري تخص الحبس الاحتياطي – يجعلها بمنأى عن فكرة الاعتداء فهي من تراقب عمل النيابة العامة في خصوص الحبس الاحتياطي بل وتباشر دور قاضي التحقيق بما يؤكد أحقيتها في نظر تلك الدعاوى دون أن يكون في ذلك إهدار أو اعتداء على النيابة العامة.
وفي المقال القادم سوف نفكر سوياً في أطراف الخصومة في دعوى التعويض عن الحبس الاحتياطي.