التعليق على الحكم الصادر في الطعن رقم 5436 لسنة 86 ق – بجلسة 30/5/2023 الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية

بقلم الدكتور/ محمد طرفاوي محمد المحامى

يتناول هذا المقال التعلق على الحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية، وذلك بإهدار المبدأ القاضي بعدم الاعتداد بأي إجراءات تتم في خصومة لم تنعقد بين أحياء، فيما قررت الأخذ بالمبدأ القاضي بالاعتداد بتلك الإجراءات واستمرار الخصومة صحيحة.

وللتعليق على هذا الحكم يجب بداية أن نضع تعريفاً محدداً للخصومة القضائية، ثم نتناول حالة انعدام لعدم انعقادها بين أحياء، وما قرره كلا الاتجاهين ومبرراته ثم نوضح ما قرره الحكم من مبادئ، وننتهى للتعليق على ورد به من أهدار لحجية مبدأ والاعتداد بالآخر.

الخصومة كما عرفها بعض الفقه هي عمل قانوني مركب يتكون من سلسلة من الأعمال المتتابعة التي يضاف بعضها إلى بعض وهي الشكل الإجرائي للعمل القضائي (د/ نبيل اسماعيل عمر – أصول المرافعات المدنية والتجارية – منشاة المعارف – الإسكندرية – الطبعة الأولى – سنة 1986 – صفحة 664.

تبدأ الخصومة بإيداع الصحيفة ثم إعلانها ومن ثم تنعقد بين أطرافها، إلا أن الخصومة لا تنعقد إلا بين الأحياء ونتيجة لذلك تكون معدومة الأثر فيما يخص الخصم المتوفي قبل رفع الدعوى ولا يصحح ذلك الانعدام بأي إجراء لاحق وعليه فحضور الخصوم أو عدم حضورهم لا يقيم وزناً أو أثراً في تقرير هذا الانعدام إذ أن الخصومة ولدت ميتة ومن ثم لا أثر لها.

وقد كان هذا التوجه هو اتجاه محكمة النقض الأول إذ جاء بأحكامها المتواترة سلفا ما نصه أن”لأصل أن تقوم الخصومة بين أطرافها من الأحياء فلا تنعقد أصلاً إلا بين أشخاص موجودين على قيد الحياة ، و إلا كانت معدومة لا ترتب أثراً و من ثم يتعين اعتبار الخصومة فى الطعن معدومة بالنسبة للمطعون عليه الأول الذى توفى قبل رفع الطعن .” (الطعن رقم 22     لسنة 47  ق – مكتب فنى 32 – صفحة رقم 192)

ولإعمال اعتبارات العدالة اتخذت محكمة النقض اتجاهاً آخر في الآونة الأخيرة بأن الخصومة في هذه الحالة يمكن تصحيحها وتكون صحيحة حال تصحيح شكل الدعوى وإدخال ورثة المتوفى إلى رحمة مولاه خصوماً في الدعوى.

وقائع الطعن:

أقام الطاعن دعواه المبتدأة ضد عدة خصوم كان من بينهم خصم متوفي إلى رحمة مولاه، فطلب تصحيح شكل الدعوى بإدخال الورثة إلا أن المحكمة رفضت ذلك لانعدام الخصومة إذ ولدت ميتة كونها لم تكن بين أحياء، طعن الطاعن بطريق الاستئناف الذي أيد الحكم، ثقم طعن بطريق النقض، وإذ تمسكت نيابة النقض في مذكرتها بإحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية للفصل في مبدأين متعارضين حول انعدام الخصومة يقضي أولهما بأن الخصومة ولدت ميتة ومن ثم لا تلحقها إجازة أو تصحيح، فيما يقضي الآخر بجواز تصحيح شكل الدعوى وإدخال الورثة، وعند نظر الطعن أُحيل للهيئة العامة للفصل فيمها وتقرير مبدأ واحد.

أودعت نيابة النقض مذكرة بالرأي مقررة العدول عن المبدأ القائم على عدم جواز تصحيح شكل الخصومة واعتناق الاتجاه الثاني في جواز تصحيح شكل الخصومة، وعرض الطعن على الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية للبت فيه وبالجلسة صممت النيابة على رأيها.

وقد سايرت الهيئة رأي نيابة النقض إذ قررت إهدار مبدأ عدم جواز تصحيح الخصومة كونها ولدت ميتة، وإقرار الاتجاه الثاني بجواز تصحيح الخصومة بموجب صحيفة يتم فيها إدخال ورثقة المتوفي.

وساقت تأيداً لما قضت به أن الأصل أن تكون التشريعات الإجرائية أداة طيعة لعدل سهل المنال مأمون الطريق لا يغرق في الشكليات، وحيث إن قانون المرافعات هو حجز الزاوية في تلك التشريعات وتمتاز نصوصه بالدقة والشمول والمرونة لذلك حرص المشرع على الأخذ بالمعايير التي تتيح للقاضي تغليب موجبات صحة الإجراءات على غيرها من المعايير.

ونتيجة لذلك قررت عدالة محكمة النقض إهدار المبدأ الأول وإقرار الثاني بجواز التصحيح تحقيقاً لموجبات سير العدالة وتيسيراً للخصوم مع الوضع في الاعتبار أن الخصومة وإن كانت لا تنعقد إلا بين الاحياء وإلا كانت معدومة، فإن تغليب مصلحة العدالة وحسن سيرها والتيسير على الخصوم قاعدة أولى بالاتباع، لاسيما مع صعوبة تتبع وضع الخصوم بين الحياة والموت.

مبدأ الطعن:

قرر الحكم نتيجة مفادها أنه حال رفع الدعوى على شخص متوفي يجوز للمدعي أن يقوم بتصحيح شكل الدعوى وإدخال الورثة ولا تعتبر الخصومة منعدمة.

التعقيب:

يحتاج التعقيب على هذا المبدأ بداية التفرقة بين شروط انعقاد الخصومة، وشروط صحتها، وكما قرر بعض الفقة أن الخصومة القضائية أداة لتطبيق القانون بواسطة القضاء، وهي مجموعة من الإجراءات تبدأ من وقت إقامة الدعوى وتنتهى بالحكم في الموضوع وقد لا تنتهى به فهي حالة قانونية ناشئة عن مباشرة الدعوى ترتب علاقة قانونية بين الخصوم.”

وتختلف الدعوى القضائية عن الخصومة في أن الأولى هي حق الالتجاء إلى القضاء للحصول على الحماية القانونية للحق المدعى به، أما الثانية فهي وسيلة ذلك بمعنى أوضح مجموعة الإجراءات الموضحة سلفاً.( في ذات المعنى الطعن رقم 1451 لسنة 48 ق – جلسة 31/1/1980- مدني)

يعنى ذلك أن صحة العمل الإجرائي وهو ما يرد عليه البطلان وليس الخصومة ذاتها، ولذلك قرر المشرع التصدي لبطلان تلك الإجراءات وتحديد أحكامها بالوقف والانتقاع والسقوط والانقضاء والترك (المواد من 128 إلى 145 من قانون المرافعات) والإجراء هو ذلك العمل القانوني لاستيفاء أحد متطلبات القانون ووصف بالعمل الإجرائي في حالة انعقاد الخصومة، فإذا كانت الخصومة مجموعة من الأعمال الإجرائية فلا يتصور وجودها إلا بتحقيق تلك الإجراءات، ومجموعها يكون عناصر الخصومة. (في ذات المعنى د/ سمير شعبان محمد صالح – الموجبات الشكلية لانعقاد الخصومة المدنية في ضوء معيار الغاية من الإجراء – بحث منشور بالمجلة القانونية – صفحة 1750 وما بعدها)

ومع كون الإجراء هو الأصل في انعقاد الخصومة أصبحت الغاية من الإجراء أساساً يساعد في تطور فكرة العدالة، لكون الخصومة فكرة وإجراءاتها ضرورة لصحتها، وتهدف بالأساس إلى صحة انعقادها، يترتب على ذلك أن تحقق الغاية من أي إجراء تتطلب أن يتم التغاضي عن مضمونه فقد اكتملت بدونه الخصومة وأصبحت كاملة الوجود.

وهنا يجب أن نفرق بين أمرين إجراء إيداع صحيفة الدعوى، وإجراء إعلان الصحيفة وتمام انعقاد الخصومة، فإجراء إيداع الصحيفة بذاته لا يؤدي إلى انعقاد الخصومة، وبالتالى لو تم إيداعها ضد متوفي فلا يؤثر في انعقاد الخصومة كونها لم تنعقد من الأساس، وحيث إن الإعلان هو السبيل لانعقادها، فحال الإعلان تبين وفاة المدعى عليه بما يؤكد حقيقة مفادها عدم علم المدعي بواقعة الوفاة، وحيث إن الإعلان لم يتم فلم تولد الخصومة بعد ومن ثم فلا مجال للقول بكونها ولدت ميتة.

وبالتالي نتحفظ على اتجاه محكمة النقض الأول في أن الخصومة منعدمة كونها ولدت ميتة، فالخصومة لم تولد من الاساس إذ يستحيل إعلان الصحيفة لمتوفي، ولكن مع ظهور واقعة الوفاة، يكون للمدعي أن يصحح شكل الدعوى مختصماً الورثة ومن ثم إعلانهم فتكتمل عناصر انعقاد الخصومة.

وبالبناء على ما تقدم فإن اتجاه محكمة النقض الثاني المؤيد بالحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد المدنية قد قرر عدة حقائق منها مراعاة لتحقيق موجبات سير العدالة وتيسيراً للخصوم مع الوضع في الاعتبار أن الخصومة وإن كانت لا تنعقد إلا بين الاحياء وإلا كانت معدومة، فإن تغليب مصلحة العدالة وحسن سيرها والتيسير على الخصوم قاعدة أولى بالاتباع، لاسيما مع صعوبة تتبع وضع الخصوم بين الحياة والموت.

ونضيف لما سبق:

– أن الخصومة لم تنعقد أصلاً ولم تولد كون الإعلان لم يتم ومن ثم فلا ضير من تصحيح شكل الدعوى – وهو تصحيح لإجراء ينتج عنه انعقاد الخصومة – وتولد من تاريخ التصحيح صحيحة.

– الشكلية كما ذكر استاذنا الدكتور/ أحمد مليجي قد قررت لصحة العمل الإجرائي لا لإثباته فإذا كانت معيبة فلا ضير من إصلاح العيب واستمرار الإجراءات استكمالاً للخصومة.

– وقد أضاف الدكتور/ سمير شعبان محمد صالح مبرراً آخر إذ أورد أن الضرر عنصر هام في بيان البطلان وبتخلفه فلا بطلان، وبمطالعة الوضع في إيداع صحيفة الدعوى ضد متوفي، نجد أن الضرر منتفي إذ يحضر الورثة وينتفي الضرر ومن ثم فلا بطلان مع انتفاء الضرر (د/ سمير شعبان – المرجع السابق – صفحة 1762).

– مع التأكيد على إعلان صحيفة الدعوى لمتوفي نتيجة خطأ المحضر لا ينفي حق الورثة في الطعن بالبطلان ومن ثم انعدام أي حكم صادر عن خصومة انعقدت ميتة.

– كما أن هذا التوجه أقرب لما قرره قانون المرافعات بنص المادة (20) التي نصت على أن” يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء” ونص المادة (21) التي ورد بها ما نصه أنه” لا يجوز أن يتمسك بالبطلان إلا من شرع البطلان لمصلحته، ولا يجوز التمسك بالبطلان من الخصم الذي تسبب فيه، وذلك كله فيما عدا الحالات التي يتعلق فيها البطلان بالنظام العام” والمادة (23) التي ورد بها ما نصه أنه” يجوز تصحيح الإجراء الباطل ولو بعد التمسك بالبطلان..” ومفاد المواد سالفة الذكر أن البطلان بلا ضرر لا يقوم، وأن تحقق الغاية من الإجراء تقضي على بطلانه، ولما كانت الخصومة لا تنعقد إلا بين الاحياء فلا مجال للقول بأن الخصومة ولدت ميتة لأنها لم تنعقد بإعلان الصحيفة، ومن ثم فلا يوجد ما يضير قواعد النظام العام مما يؤكد أن الاتجاه الذي أيدته الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية بمحكمة النقض هو الأصوب والأقرب للتفسير الصحيح.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى