التحريض على الزنا في مفهوم لائحة الأقباط الأرثوذكس ( الوقاية من الزنا)
أعداد : نادر الصيرفي – المحامي
ماجستير وباحث دكتوراه في القانون الخاص
تمهيد :
لم تعرف لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة في 9/5/1938 الزنا الحكمي، إلا أن تعديل المجلس الملى على تلك اللائحة المنشور بالعدد 126 من جريدة الوقائع المصرية بتاريخ 2 يونيو سنة 2008 قد تعرض لمسألة الزنى الحكمي كسبباً للتطليق بالمادة رقم (50) من تلك اللائحة.
وقد استحدث هذا التعديل حالة تحريض الزوج زوجته على ارتكاب الزنى أو على ممارسة الفجور في علاقته بها، بالفقرة الرابعة من المادة (50) من اللائحة المعدلة، دون أن تبين المقصود بالتحريض على الزنا أو معنى الفجور في العلاقة الزوجية.
وقبل التعرض لبحث تلك المسألة تجدر الاشارة إلى أن أسباب التطليق في لائحة الأقباط الأرثوذكس قد وردت على سبيل المثال – لا الحصر – الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه للفقه والقضاء للاجتهاد في هذا الشأن.
أولاً : التحريض على الزنا في اللغة :
عرف معجم المعاني التحريض على الشيء بمعنى الدفع إليه أو الحث عليه
حرض الرجل : أشرف على الهلاك
حرض الشيخ : أشرف على الموت
ويبنى على ذلك مسألة مبدئية تتعلق بأن التحريض على الزنا لا يعني الوقوع في الزنا الفعلي أو الجسدي من جانب الزوج أو الزوجة قولا وحداً، وهذا ما قررته لائحة الأقباط الأرثوذكس من تمييزها المقصود بين الزنا والزنا الحكمي بقولها: “يجوز لكلا الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زنا الزوج الأخر ويعتبر في حكم الزنا كل عمل يدل على الخيانة الزوجية.
ثانياً : التحريض على جريمة الزنا في قانون العقوبات المصري :
وفقاً لما نصت عليه الفقرة الأول من المادة (40) من قانون العقوبات على أنه : “يعد شركاً في الجريمة : أولاً: كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض”.
وباستقراء هذا المفهوم ينبغي التفرقة بين أمرين في مسألة طلاق الأقباط :
- إذا وقعت الزوجة في الزنا بناء على تحريض الزوج، لا يقبل منها طلب التطليق.
- أما إذا رفضت ارتكاب الزنا عند حصول التحريض من الزوج، يكون لها الحق في رفع الدعوى.
وتتضمن هذه التفرقة الجوهرية مسألة هامة تتعلق بشرط المصلحة في دعوى التطليق بمحكمة الأسرة، وموضوع دعوى التطليق في ذات الوقت، وهي أن المقصود بالزنا الحكمى هو اعتراض الزوجة على تحريض زوجها لها على ارتكاب الزنا مع شريك أخر أو تضررها حال طلب الزوج منها ممارسة الفجور في علاقته بها دون أن تفعله.
وخلاصة القول أنه من مفترضات رفع دعوى التطليق استناداً لحالة التحريض على الزنا أن لا تكون الزوجة قد وقعت بالفعل في الزنا، وتقوم صحيفة الدعوى مقام اعلان الزوجة شكلياً لاعتراضها على تحريض زوجها لها.
ثالثاً : المصلحة المحمية في حالة التحريض على الزنا :
المصلحة التي يحميها القانون في هذه الحالة هي مصلحة الزوجة المحرضة على ارتكاب الزنا – دون أن تقع لا هي ولا زوجها في فعل الزنا – وهذا هو مفهوم الخيانة الزوجية في لائحة الأقباط الأرثوذكس.
فالزواج المسيحي سر ديني مقدس، ولا يشترط للمحافظة على هذا السر عدم الوقوع فقط في الزنا، بل الحماية أو الوقاية منه، لذلك اعتبرت الشريعة المسيحية مجرد التحريض على الزنا سبباً للتطليق، وفقاً لقول السيد المسيح : “من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى” (متى5: 22)
رابعاً : فلسفة المشرع في لائحة الأقباط :
جعلت لائخة الأقباط الأرثوذكس التحريض على الزنا سبباً للتطليق، وقد ساوت بذلك بينه وبين علة الزنا، وهذا ما يعني بمفهوم المخالفة أنه يستوى في نظر اللائحة أن تطلب الزوجة الطلاق
لوقوع الزوج في علة الزنا أو وقوعه في فعل من شأنه أن يدفع زوجته إلى ارتكاب الزنا.
وهذا يقطع بأن الحكمة في تشريع الزنا الحكمى كسببا للطليق، هو وقاية الزوجة من ارتكاب الزنا، فالوقاية خير لها من سقوطها في الزنا، والعكس صحيح، وهذا يجيز القول بأنه كلما تعرضت الزوجة للتحريض على الزنا، كلما أتيحت لها الفرصة لطلب التطليق دون أن يزني زوجها.
خامساً : التحريض السلبي أو غير مباشر على الزنا :
يتضح من الفقرة السابقة أن الهدف من تشريع حالة التحريض على الزنا كسببا للتطليق هو وقاية الزوجة من الوقوع في الزنا، وهذا يقودنا لفكرة أبعد من ذلك تتعلق بمدى اعتبار “الهجر” حالة من حالات التحريض على الزنا، تأسيساً على أن هجر الزوج لزوجته ينفى فكرة الوقاية من الزنا، ويهدمها من أساسها.
ولا غرابة في الأخذ بهذا النظر، فالشريعة المسيحية نظمت التحريض على الزنا وقاية للزوجة من الزنا، والتحريض على الزنا نفسه هو أحد حالات الزنا الحكمى التي وردت على سبيل المثال لا الحصر، فبالأولى أذن بدلا من ادراج الهجر كحالة مستقلة، الحاقها بحالة التحريض على الزنا كلما اقترنت أو ارتبطت به.
وعلى نحو ما تقدم، فإذا انطوى فعل الهجر على عنصر التحريض السلبي، يصير حالة من حالات الزنا الحكمى، ذلك لعدم اشتراط اللائحة أن يكون التحريض ايجابياً أو مباشراً، ولتوضيح هذه الفكرة نبين أن هجر الزوج لزوجته يتضمن بالضرورة اخلالاً بواجب معاشرتها، الأمر الذي يكون معه الزوج خائناً لعلاقة أو عهد الزواج ، فمنع الزنا أهم من منع التطليق.
سادساً : التنظيم القانوني لدعوى التطليق للتحريض على الزنا :
- المدعية في هذه الدعوى هي الزوجة المسيحية متحدة الملة والطائفة مع زوجها المدعى عليه.
- تطلب المدعية تطليقها من زوجها للتحريض على الزنا عملاً بالفقرة الرابعة من المادة (50) من لائحة الأقباط الأرثوذكس لتحريضها على الزنا أو على معاشرتها في غير الموضع المعد لذلك.
- تلجأ الزوجة لمكتب تسوية المنازعات الأسرية المختص ويحكم المكتب بعدم اختصاصه بنظر الدعوى كونها من الدعاوى التي لا يجوز فيها الصلح.
- يشترط لقبول الدعوى وجود المصلحة في رفعها، وهذا لا يتحقق إن كانت الزوجة قد مارست فعل الزنا بناء على تحريض الزوج.
- لا ينصب الاثبات في هذه الدعوى على اثبات واقعة الزنا، بل واقعة التحريض ايجاباً أو سلباً بالهجر والامتناع عن واجب المعشرة، وهذا يمكن اثابته بكافة طرق الاثبات عملاً بالمادة الأولى اصدار من مواد القانون رقم (1) لسنة 2000
- يحكم القاضي في الدعوى إذا وصل إلى اليقين أن الزوجة معرضة للزنا بسبب خطأ الزوج المباشر أو غير المباشر بهجرها لمدة تتراوح من ثلاثة إلى خمسة سنوات.
- تنحل الرابطة الزوجية من تاريخ الحكم بالتطليق، وتزول كافة الحقوق بين الزوجين ولا يرث أحدهما الأخر، فيما عدا حق الزوجة في نفقة العدة عملاً بنص المادة (26) من لائحة الأقباط.
- يجوز التصالح بعد الحكم النهائي بالتطليق، وفقاً للمادة رقم (70) من لائحة الأقباط الأرثوذكس.