الاعتراف المعول عليه كدليل في الإثبات الجنائي
بقلم/ الأستاذ: محمد عبد المقصود
يثور التساؤل عن حقيقة مقولة: «إن الاعتراف هو سيد الأدلة، فهل حقيقيًا يعتبر الاعتراف هو سيد الأدلة؟، بغض النظر عن مضمون ذلك الاعتراف، وطريقة الحصول علي ذلك الاعتراف، والظروف والملابسات التي اعترف من خلالها المتهم بالاتهامات المسند اليه، أم أن هناك شروطًا وقواعد يجب أن تتوافر في ذلك الاعتراف حتى يمكن من خلاله التعويل على ذلك الاعتراف، واعتباره دليلًا من أدلة الثبوت في حق المتهم التي يمكن العويل عليه، أو الاستناد إليها وحدها دون حاجة لأدلة أخري لثبوت الاتهام في حق المتهم».
ومن هنا نجيب على هذا التساؤل بأن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقديرها صحة الاعتراف، وتوافر شروطه وقيمته في الإثبات يستوي في ذلك أن يكون شفويًا أو كتابيًا، فالاعتراف لم يعد سيد الأدلة كما يزعم، ولكن لابد من توافر بعض الشروط القانونية التي أقرتها لنا محكمة النقض المصرية، كي نتمكن من التعويل علي ذلك الاعتراف في اسناد، أو ثبوت الاتهام في حق المتهم .
وفي مقالنا هذا سوف نوضح لسيادتكم أنواع الاعتراف، وما هي الشروط الواجب توافرها في الاعتراف المعول عليه، ومدي امكانية عدول المتهم عن اعترافه، ومدي تأثير هذا الاعتراف في تكوين عقيدة المحكمة.
فتعريف الاعتراف: هو إقرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه للاتهام المسند إليه .
ينقسم الاعتراف إلى نوعين؛ وهما (الاعتراف كسبب للإعفاء من العقاب، والاعتراف كدليلًا للإثبات ) :-
اولًا: الاعتراف كسبب للإعفاء من العقاب، وهنا نجد تشجيعًا من المشرع للجناة في بعض الجرائم باعترافهم بارتكاب الفعل المجرم، وإعفائهم من العقاب، وذلك حتى نتمكن من ثبوت الاتهام على غيرهم من الجناة الفاسدين، والقضاء على تلك الجرائم، وإصلاح المجتمع، ومثال ذلك جريمة الرشوة، كون الراشي، أو الوسيط؛ يتم إعفائهم من العقاب متى اعترفوا بإقترافهم لذلك الفعل، وذلك وفقًا لنص المادة ( 107 مكرر) من قانون العقوبات .
ثانيًا: الاعتراف كدليل إثبات للحكم على المتهم بالإدانة، وفي هذا نرجع لنص المادة 271 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تحدثت عن الاعتراف، واعتبرته دليلًا كافيًا متى توافر به شروط صحته؛ فإن اعترف المتهم باقترافه للفعل عن إرادة حرة ، فهنا من حق المحكمة الاكتفاء باعترافه كدليلًا لإدانته، دون الحاجة لسماع شهودا للإثبات، ويعتبر الاعترف من أقوى الأدلة، وذات حجية قوية في تكوين عقيدة قاضي الموضوع.
بداية فقد استقرت أحكام محكمة النقض المصرية، ووضح لنا الطعن رقم ( 5196 لسنة 57 ق جلسة 2/10/1988 )، بعض شروط صحة الاعتراف، وجاء الطعن ذاكرًا الآتي (أن الاعتراف المعتبر في المواد الجنائية، والذي يعمل به كدليلًا للإدانة على المتهم؛ يجب أن يكون نصًا في اقتراف الفعل المجرم قانونًا المنسوب إلى المتهم، وأن يكون يتسم بالصراحة، والوضوح؛ بحيث لايحمل تأويلا)، إلا إن شروط صحة الاعتراف لا تقتصر على ما ورد بالطعن فهناك شروطًا آخرى تنحصر في سبعة شروط قانونية لابد من توافرهم في الاعتراف المعول عليه كدليلًا للإدانة، وهي كالاتي :-
أولًا: أن يكون من المتهم على نفسه .
ثانيًا: توافر الأهلية الإجرائية للمعترف .
ثالثًا: أن يكون الاعتراف قضائيًا .
رابعًا: أن يتسم الاعتراف بالصراحة، والوضوح .
خامسًا: صدور الاعتراف عن إرادة حرة غير معيبة بعيب من عيوب الإرادة .
سادسًا: أن يكون الاعتراف مطابقًا للحقيقة .
سابعًا: أن يكون الاعتراف وليدًا لإجراءات صحيحة .
ففيما يخص الشرط الأول الواجب توافره، وهو صدور الاعتراف من المتهم علي نفسه، فما يصدره المتهم من اقوالًا، أو اعترافات قبل سماع الشهود يمكن للمحكمة الاكتفاء بها كدليلا للإدانة متى توافر في حق ذلك الاعتراف باقي الشروط القانونية السالف ذكرها، ونستند في ذلك إلى نص المادة ( 271 / 2) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي جاء فحواها بالآتي :-
وبعد ذلك يسأل المتهم عما إذا كان معترفًا بارتكاب الفعل المسند إليه، فإن اعترف جاز للمحكمة الاكتفاء باعترافه، والحكم عليه بغير سماع شهود الإثبات، وإلا فتسمع شهود الإثبات، ويكون توجيه الأسئلة للشهود من النيابة العامة أولًا، ثم من المجني عليه، ثم من المدعي بالحقوق المدنية، ثم من المتهم ، ثم من المسئول عن الحقوق المدنية، (بالإضافة إلى أن أحكام محكمة النقض، أيدت ذلك، فقد جاء ( الطعن رقم 6840 لسنة 60 ق جلسة 3/10/1991 ) .
ومفادنا أيضا من الشرط الأول، ومضمونه أن الاعتراف يعد صحيحًا نسبيًا، وكافيًا للإدانة متى توافر ذلك الشرط بصدور اعتراف المتهم في حق نفسه، أم إذا صدر الاعتراف في حق متهم آخر فلا يعد ذلك من قبيل الاعتراف المعول عليه كدليلًا لإدانة غير المتهم؛ إنما هو ما إلا شهادة متهم على أخر يجوز الأخذ بها على سبيل الاستدلال فالاعتراف مسألة شخصية تتعلق بشخص المتهم، وليس بغيره، ولكي اعتبار اعتراف متهم على أخر دليلًا للإدانة فلابد أن يتوافر معه أدلة أخرى تسانده في ثبوت الاتهام في حق المتهم .
فيما يخص الشرط الثاني الواجب توافره، وهو توافر الأهلية الإجرائية للمعترف، وهو أن يكون لدى المعترف الشروط الإجرائية، والأهلية القانونية لمباشرة الإجراءات القانونية، وهذا يوجب توافر عنصرين؛ وهما :-
أولًا: أن يكون الإنسان متهما بالفعل المعترف باقترافه.
ثانيًا: أن يكون لديه الإدراك والمقدرة العقلية على فهم ما يعترف به، وأثر اعترافه؛ أن يكون ذلك صادرًا عن إرادة حرة غير معيبة، فيعتبر العته، والجنون، والسفه، وصغر السن، وعدم التمييز حائلا قانونيًا بين صحة الاعتراف، وبين توافر الأهلية الإجرائية في شخص المعترف، وقد أكد ذلك حكم النقض رقم 9367 لسنة 65 ق جلسة 21/7/1997 ) وأيضا الحكم رقم ( 600 لسنة 62 ق جلسة 22/12/1993 ) .
فيما يخص الشرط الثالث الواجب توافره، و هو أن يكون الاعتراف قضائيًا؛ بمعنى أن يصدر أمام قضاء الحكم، أو أمام قضاء التحقيق، بخلاف ما يصدر أمام جهات غير قضائية؛ على سبيل المثال الاعتراف الذي يصدر بمحضر جمع الاستدلالات فلا يمكن التعويل عليه باعتباره اعترافًا صحيحًا كامل شروط صحته، كون صدر أمام جهة غير قضائية، فهنا يخضع لتقدير قاضي الموضوع، ولكن لابد أن يتوافر معه أدلة أخرى تساندة لكي يمكن التعويل عليه كدليلا للإدانة، و تحدثت المادة 271 إجراءات جنائية، عن ذلك، وأكد ذلك أيضا الطعن رقم ( 348 لسنة 60 ق جلسة 1991 ) .
– فيما يخص الشرط الرابع الواجب توافره، و هو أن يتسم الاعتراف بالصراحة والوضوح، فالاعتراف لا يستنتج من أقوالًا غامضة لا تتسم بالوضوح والصراحة كون الأقوال الغامضة قد تحمل أكثر من معنى، بالإضافةإلى أن صمت المتهم عن درب عباءة الاتهام عن كاهله لا يمكن التعويل عليه واعتباره دليلًا على إدانته؛ فالاعتراف يجب أن يكون بأقوالًا صريحة وواضحة ذات دلالة يقينية على اقتراف المتهم للجرم محل الاتهام، ويؤكد ذلك حكم النقض رقم ( 1143 لسنة 63 ق جلسة 7/11/1993 ).
– فيما يخص الشرط الخامس الواجب توافره و هو صدور الاعتراف عن ارادة حرة غير معيبة بعيب من عيوب الارادة فيجب ان يصدر الاعتراف عن ارادة حرة غير معيبة و نحن نعلم ان عيوب الارادة تتمثل في الاتي ( الغلط ، التدليس ، الاكراه ، الاستغلال ) فمتي شاب ارادة الانسان ايا عيب من عيوب الارادة وقت اعترافه بالفعل المجرم اصبح بذلك هذا الاعتراف معيبا و لا يجوز التعويل عليه كدليلا للادانة و يستوي في ذلك سواءا كان ما وقع علي الانسان اكراها ماديا او معنويا ادي الي صدور اقوال نتيجة ما انزل به من اكراه و القي في نفسه باتيان تلك الاقوال و يعتبر ايضا من قبيل الاكراه الوعد و الوعيد و ايضا لابد ان يكون المتهم مدركا و قادرا علي توجيه نفسه و متحملا لنتيجة اقواله حتي تكون ارادته حرة و غير معيبة و اكد ذلك ايضا حكم النقض رقم ( 18823 لسنة 65 ق جلسة 12/11/1993 ) .
– فيما يخص الشرط السادس الواجب توافره و هو ان يكون الاعتراف مطابقا للحقيقة و هذا يعني بان ليس النتيجة المرجوة من الاعتراف هو الادلاء باي اقوال تصلح دليلا لاثبات الاتهام و من الممكن و المتصور ان يعترف المتهم باية اقوال رغبة منه في تخلصه من الاستجواب و التحقيق معه و هذا لا يعتد به من قبيل الاعتراف المعول عليه و لاكن لابد للاعتراف ان يكون مطتبقا للحقيقة اي ان تكون نتيجته ايصالنا لحقيقة الجريمة و كيفية حدوثها و دوافع اقترافها و ليس اعترافا باي اقوال و اية اتهامات لا تنطبق مع الحقيقة و الواقع .
– – فيما يخص الشرط السابع الواجب توافره ان يكون الاعتراف وليدا لاجراءات صحيحة و هذا يعني ان الاعتراف الوليد عن اجراء باطل لا يجوز التعويل عليه كدليلا للادانة فيجب ان يصدر الاعتراف وليدا عن اجراءات صحيحة و اتبع فيه صحيح القانون بمعني انه لا يجوز التعويل علي اعتراف ناتجا عن قبضا باطل او تفتيشا باطل و احتجاز دون وجه حق كون الاجراءات في مثل تلك الحالات شابها البطلان فيمتد اثر ذلك البطلان للاعتراف الذي بذلك اصبح وليدا عن اجراء باطل و اصبح غير معول عليه كدليلا للادانة .
– في النهاية فلمحكمة الموضوع مطلق الحرية في الأخذ باعتراف المتهم، وتقدير ظروف ذلك الاعتراف، ومدى صحته، ولها سلطتها التقديرية في ذلك؛ فهي غير مقيدة بثمة قيود، خلاف الشروط الواجب توافره في ذلك الاعتراف وصولا للحقيقة، وإعمالا للحق وللمتهم العدول عن اعترافه أمام كافة الجهات، وأيضًا أمام قضاء الحكم؛ إلا أن للمحكمة أيضًا الأخذ باعتراف المتهم، وإن كان قد عدل عنه لاحقًا متى اطمأنت المحكمة لهذا الاعتراف، فالمحكمة وحدها هي صاحبة الحق في تقدير قيمة ذلك الاعتراف في الإثبات؛ فالأمر برمته يصبح أمرًا تقديريًا وصولًا لحقيقة صحة ذلك الاعتراف من عدمه .