الاعتبار من جريمة تحرش القطار
بقلم: الأستاذ/ أشرف الزهوي
أثار الفيديو المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي داخل إحدى القطارات لرجل على مشارف الستين وهو يقوم بالتحرش بطفل صغير ممن يعملون كباعة جائلين داخل القطار ردود فعل غاضبة لدى المجتمع. تلك الواقعة تعد إنذار شديد اللهجة للأوضاع الخاطئة التي تتطلب علاجا سريعا لمثل هذه الأمراض الاجتماعية وألخصها في الآتي:
أولًا: أن المتهم بالفعل الفاحش على مشارف الستين من عمره ومتزوج اثنتان ولديه أولاد وميسور الحال بما ينبئ عن مرض نفسي لهذا الرجل الذي يحتاج إلى علاج نفسي وهذا لا يتعارض مع محاكمته جنائيا ولكن المقصود هو تعظيم قيمة وأهمية الطب النفسي لعلاج أمراض قوامها النفس وليس البدن ولذلك يجب أن يكون برنامج ١٠٠ مليون صحة متضمنا الكشف والمراجعة للصحة النفسية بما لا يقل أهمية عن الأمراض العضوية كالسكري وارتفاع ضغط الدم.
ثانيًا: أن هذا الصبي المميز قد ترك نفسه لهذا الذئب البشري لارتكاب الجريمة دون أن يستنجد بالركاب وهذا يحمل عدد من التفسيرات الخطيرة، فقد تكون موافقة الطفل لمجرد موافقة المتهم على جلوسه بجانبه على كرسي خاص بالركاب وممنوع على الباعة الجائلين ليستريح من عناء العمل لبعض الوقت.
وقد يرجع ذلك إلى قيام المتهم بمنح الصبي بعض الجنيهات التي تعينه على الحياة.
وقد تكون رغبة الصبي وحاجته إلى النوم لبعض الوقت هي ما دفعته إلى الموافقة على تحرش هذا المجرم مقابل السماح له بالجلوس على المقعد المخصص للمسافرين ويبدو مشهد الصبي في الفيديو وهو في حالة سبات عميق وهو يغط في النوم وقد تجتمع الأسباب كلها في المشهد.
ثالثًا: دعونا نتساءل عن سبب تواجد هذا الصبي من الباعة الجائلين في قطار يجوب مسافات طويلة وماهي وجهته وأين بضاعته أو سلعته التي يروج لها وكيف تسرب هذا الصبي إلى القطار دون ملاحقة مسئولي الأمن.
رابعًا: أن جلوس الصبي بجانب المتهم يدلل على أنها ليست المرة الأولى التي يخضع فيها الطفل لمثل هؤلاء المجرمين بما يعكس الأضرار النفسية التي تصيب أطفال الشوارع نتيجة ما يتعرضون له من اعتداءات بدنية وجنسية ونفسية نتيجة عدم وجود رقابة أو متابعة أو مساعدة لهؤلاء الذين لا يجدون المأوى أو الأسرة التي تحنو عليهم.
خامسًا: هؤلاء الأطفال والصبية سوف يشبون ويصبحون رجالا وقد أصابتهم الأمراض النفسية أو أصبحوا مدمنين أو عتاة في الإجرام أو معدومي الضمير وهذا يمثل خطرا على المجتمع بأسره، فما ظننا بطفل لم يجد يدا تحنوا عليه أو أيا يربت على كتفه أو سريرا أو فرشا يحتمي به بعد يوم من العمل الشاق لقاء جنيهات معدودة.
يناقش البرلمان المصري حاليا قانون الوقف الخيري الذي يخصص في أغلبه لرعاية أطفال الشوارع مع المطالبات البرلمانية بإنشاء مراكز تدريب لهؤلاء الصبية وتأهيلهم للانخراط في سوق العمل، وأتمنى أن يراعي القانون، قبل توفير الرعاية المادية وتأهيل الأطفال لتعلم حرفة، أن يكون الهدف الأول، هو إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال نفسيا، حتى ينعموا بالسلام النفسي مع أنفسهم أولا ومع المجتمع بشكل صحي، لأنه لا فائدة أو نتيجة إيجابية يمكن حصدها من تأهيل مثل هؤلاء الصبية لسوق العمل أو التعليم بدون تأهيلهم نفسيا بعد أن شوهت نفوسهم قسوة الشوارع وذئاب الليل ومرارة الجوع.