الاتزان ثقة وثبات !

الاتزان ثقة وثبات !

نشر بجريدة أخبار اليوم السبت 2/1/2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

والاتزان والثبات، هي جناحا الإنسان في الحياة، وإليهما تُعزى كثير من الصفات والشمائل السوية.

قد لا يفارق الآدمي اتزانه وثباته إلى أن يموت، وقد يفارقانه مع المرض أو الإدمان أو التدهور العاطفي أو الوحشة والانفـراد الطويل بالسلطة أو بسبب الشيخوخة. شأن كل موهبة تصادف عوامل التعطيل لتنحر منها جناحي الصبر: الاتزان والثبات.. إذا كان الأمل قاطرة الإنسان والإنسانية، فإن الصبر وقودها، هو الذي يربط على قلب الآدمي وجنانه، يشد من أزره ويقويه، ويتيح الفرصة بالعزم لتجدد ونمو وازدهار سنابل الأمل التي تشد الأحياء دائمًا إلى حيث الحق والكمال والجمال.

والزحام الشديد الذي نراه لاستعمال وترديد كلمة الصبر وهو أساس الاتزان والثبات، بين رصانة ووقار وجدية وغاية الأديان، وبين ترانيم الشعراء، ولغات المحبين والعاشقين، وأمثال الناس ـ لم يواكبه توقف كثير أو قليل لفهم معنى « الصبر » الذي هو لب الاتزان والثبات فهمًا حقيقيًا، وإدراك مدلوله، حتى لا يوطأ ويندهس معناه وسط طوفان الكلمات التي شطت في استخدامات الناس حتى لم يعد يُعرف ما هو المعنى المقصود بالصبر ؟!

وفلاسفة الأخلاق ميزوا ويميزون بين أخلاق الكرام والأحرار، وأخلاق اللئام، ويردون الصبر ـ ضمن باقة الشمائل ـ إلى أخلاق الكرام والأحرار، بينما يميز « فردريك نيتشه »  من واقع مذهبه: « إرادة القوة بين أخلاق الأقوياء وأخلاق الضعفاء !

يدرك المتأمل أننا نخسر ولا نكسب قضية الصبر والاتزان والثبات، لا من خبراتنا الفاشلة ولا من اندفاعاتنا الناجحة، فيزداد عندنا وزن الصبر خفة وهبوطًا، ويزداد الاندفاع والارتجال والتسطيح انتشارًا وشيوعًا، في الخاص والعام من أمورنا، كما يُرَى ذلك في تصرفاتنا وردود أفعالنا اليومية في حياتنا الخاصة، وكما يرى في مشروعاتنا ومؤسساتنا ووسائل إعلامنا وأحزابنا وانتخاباتنا وفي بياناتنا الرسمية بل وفي تشريعاتنا !

ولا يرتبط الاتزان والثبات بأميَّة الآدمى أو تجاوزه حاجز الأميَّة، ولا يزيدان بزيادة تعليمه بالاتزان والثبات، يزدان الآدمى  في محيطه وخارج محيطه، وقد يتميز بهما في الأعمال والأشغال فيصير أهلاً للقيادة والريادة بل وللسيادة.

نخطئ بيقين حين نظن أن الاتزان والثبات يتحققان أو لا يتحققان حسب الظروف التي نلقاها أو تحيط  بنا أو تفاجئنا  على غير انتظار أو توقـع.. فإن كانت مثيرة أو غير متوازنة أو مضطربة أو مقلقة، فارقنا الاتزان والثبات وكان من حقنا، أو بررنا لأنفسنا ألا نصبر وأن من الطبيعي أن نضطرب ونقلق. وهنا نحن  نصدر لأنفسنا قرارات ـ نتصورهـا نهاية ما نملكه من المعقولية ـ بأن من حقنا، أو معنا عذرنا على الأقل ـ أن نهتاج ونثور وننزعج  وأن نتجاهل موازين العقل والتعقل لأننا ووجهنا بظروف غير ملائمة لا يمكن أن تقابل بالصبر والاتزان والثبات.. وهذا كله وهم وتخيل ـ لأن احتفاظنا أو عدم احتفاظنا بالاتزان والثبات ليس رد فعل على ظرف خارجي، بل هو حالة نفسية داخلية نتخذها لأنفسنا ونوجدها في وعينا ونستسلم لها نتيجة قرار نتخذه نحن ونتصور مخدوعين ـ أنه هو القرار الوحيد بل المفروض المعقول الذي نصور لأنفسنا أنه ثمرة اقتناع يملأ أعماقنا بأننا في حالة عجز عن المواجهة، ونمعن فنصور هذا الاقتناع في صور مختلفة نبرر بها لمواجهات اندفاعية  ليس لها دراسة حقيقية، نبديها وننقاد لها وننفذها دون أن نكون واثقين من نجاحها ونفعها، لكنها لا تخفف في الواقع الفعلى قليلاً أو كثيرًا من شدة إحساسنا القانط الخابى بالعجز والحيرة !

كل شىء فعال ـ في أيامنا هذه ـ لا يميل كثيرًا إلى الصبر والاتزان والثبات، على حين يرحب بالاندفاع والإسراع في التغيير والتجريب والانتقال والإبدال والاستبدال !

ويوشك الآدمى في عصرنا أن يفارق ثقته في عقله أو ما بقى له من ثقة في عقله، لأنه لم يعد يلتفت إلى البينة الكبرى على وجود العقل وقيمته، هي اتزان الآدمى وثباته.. وهذان: الاتزان والثبات، هما معنى كلمة « الصبر » .

زر الذهاب إلى الأعلى