الالتزام بالتبصير قبل التعاقد في عقود توريد خدمات الهاتف المحمول
بقلم/ الأستاذ وليد محمد وهبة المحامي
أولاً : تعريف الالتزام بالتبصير وتمييزه عن الالتزام بالإعلام قبل التعاقد: سنتناول في هذه الفقرة ما يأتي:
1 – تعريف الالتزام بالتبصير
الالتزام التعاقدي بالتبصير هو التزام ينشأ عن العقد أو هو أثر من آثار العقد، وان الإخلال به يؤدي الى انعقاد المسؤولية العقدية ، ويفرض هذا الالتزام على المدين به تزويد الدائن بكافة المعلومات الضرورية اللازمة لتنفيذ العقد .
وقد عرف بأنه الالتزام الذي يفرض الادلاء بالبيانات والمعلومات اللازمة لتنفيذ العقد ولتجنيب المستهلك الاضرار الناجمة عن تنفيذه أو عن الاستمرار في استخدام السلعة أو الاستفادة من الخدمة.
وهناك من ينظر الى هذا الالتزام بانه التزام تبعي للالتزامات الرئيسية الناشئة عن العقد يضاف اليها ، وهو يفرض تعاوناً بين المتعاقدي. وليس من الضروري النص على هذا الالتزام بشكل صريح في العقد، وانما هو التزام مفترض ضمنياً بصفته التزاماً مرتبطاً بغيره من الالتزامات الاخرى الناشئة عن العقد وبمناسبته.
ويمكننا أن نعرف الالتزام بالتبصير في مجال عقد خدمات الهاتف المحمول بأنه أحد التزامات شركة الاتصالات التي يرتبها عقد خدمات الهاتف المحمول ، تلتزم فيه الشركة بتزويد المشترك بكافة المعلومات الضرورية لتنفيذ العقد.
ثانياً : مضمون الالتزام بالتبصير وطبيعته القانونية
1 – مضمون الالتزام بالتبصير
يلتزم مورد الخدمة كما ذكرنا بإعلام المشترك بالمعلومات والبيانات الضرورية اللازمة لتنفيذ عقد خدمات الهاتف المحمول ، لأن المشترك عندما يتعاقد مع مورد خدمات الاتصالات ، فهو يثق بقدراته ، وبأنه سيقدم أفضل الوسائل المناسبة لتحقيق الهدف المرجو من التعاقد وبالشكل الذي يتفق مع ضوابط المهنة ، وهناك من عرف هذه المعلومات بأنها المعلومات الضرورية لتنفيذ العقد ، وبدونها يستحيل على المستفيد الانتفاع بالشيء الذي تعاقد من اجله ، وهي المعلومات المتعلقة بالخصائص الفنية للمعدات ومتطلبات تركيبها والبيئة الملائمة لها وغيرها من المعلومات. ومن ثم فهي المعلومات التي لا يستطيع المشترك من دونها تحقيق الغاية التي أقدم على التعاقد من اجلها ، ويتضمن هذا الالتزام في مجال عقد خدمات الهاتف المحمول ، التزاماً بالاعلام والنصيحة والتحذير وكما يأتي:-
أ – اعلام المشترك بكيفية التعامل مع المعطيات التقنية اللازمة للاستفادة من هذه الخدمات ، والمقصود بالمعطيات التقنية : (مراحل أو خطوات التشغيل التي يجب اتباعها حتى يصل المشترك بسهولة ويسر الى الخدمات التي يحتاجها) ، وأيضاً الاعلام بالاستخدام الامثل ، وتوضيح كيفية هذا الاستخدام وخطوات التشغيل وطريق ادخال البيانات وغيرها ، وهذا يشمل كيفية التعامل مع الهاتف المحمول ، بصفته من اهم الوسائل التقنية في مجال تقديم خدمات الاتصالات ، فعلى مورد الخدمة اعلام المشترك بكيفية التعامل مع هذه المعطيات التقنية ، كتحديد الارقام البارزة مثلاً الواجب الضغط عليها للاستفادة من خدمة معينة وهكذا.
وتزداد اهمية هذا الالتزام كلما تعقدت وتنوعت الاجهزة المستعملة وكلما تعددت وتنوعت الخدمات المقدمة ، وهذا الاعلام لا يقوم به مورد الخدمة مرة واحدة عند بداية العقد ، وإنما هو التزام مستمر طوال مدة العقد ، وطالما كان المشترك بحاجة لهذا الاعلام ، وخاصة عندما تكون الحاجة ملحة لمثل هذه المعلومات ، كما لو قام مورد الخدمة بتعديل نظامه التقني اثناء مدة تنفيذ العقد.
ب – كما يمتد هذا الالتزام ليشمل النصيحة الفنية من اجل الوصول الى افضل الخدمات كالنصيحة بشراء معدات مادية تسهل له البحث وتسهل الاتصال ، وكذلك توفير الوثائق والمستندات التي تكون دليلاً له في هذا الصدد ،وتتضمن الجوانب الفنية للخدمة.
ج- إن بعض التشريعات توجب على مورد الخدمة اقتراح وسيلة فنية معينة لمنع الدخول الى مواقع معينة، وهذه الحالة تتمثل باستخدام المشترك خدمات الانترنت عن طريق الهاتف المحمول ، فهنا يلتزم مورد الخدمة بتزويد المشترك بالإجراءات التي توفر له نوعاً من الرقابة الذاتية على نفسه واسرته وأيضاً اعلامهم وتبصيرهم بما يمكن التعرض له من مخاطر في حالة الدخول على مواقع معينة أو التعامل معها.
وهذا الالتزام نص عليه القانون الفرنسي المرقم (719) لعام 2000 وهو الخاص بتعديل بعض احكام قانون حرية الاتصالات رقم(1067 – 86 )لعام 1986 ، اذ نصت المادة (43 -7) منه على أنه: ( يجب على مقدمي خدمات الدخول للانترنت بشكل خاص اعلام العملاء أو المشتركين لديهم بالوسائل التقنية التي تسمح لهم بقصر منافذ الدخول للشبكة على خدمات معينة أو على النحو الذي يتوافق واختياراتهم)، في حين لم نجد أي نص خاص بهذا الموضوع في مشروع قانون الاتصالات ، وكذلك قوانين الاتصالات العربية ، لذا ندعو المشرع الى ايراد نص مشابه لما اورده المشرع الفرنسي ، لاهمية مثل هذا النص.
د– كما يشمل هذا الالتزام التزاما بالتحذير، وهو خاص بإعلام المشترك بالمخاطر التي يمكن ان يتعرض لها وسبل معالجتها ، ويظهر هذا الالتزام في مجال توريد خدمات الانترنت عن طريق الهاتف المحمول ، فهذا الهاتف الذي يوفر هذه الخدمات ، هو من جيل متطور اشبه بالحاسوب الصغير ، ومن ثم قد يكون هذا الجهاز عرضة للاصابة بالفيروسات ، لذا يتطلب تحذير المشترك من هذه الفيروسات وطرق معالجتها.
وقد أكد قانون حماية المستهلك على حق المستخدم في الحصول على المعلومات الكفيلة بتبصيره بكيفية تلقي الخدمة ، ولكن لم يوجد نص صريح في هذا القانون، يلزم مورد الخدمة بتنبيه المشترك الى المخاطر المرافقة لتنفيذ العقد.
2 – الطبيعة القانونية للالتزام بالتبصير
سنحاول هنا التعرف على الطبيعة القانونية للالتزام بالتبصير من حيث الاثر المترتب عليه ، وهل هذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية (بنتيجة) ؟ أم هو التزام ببذل عناية(بوسيلة) ؟
أن الإجابة عن هذا السؤال ، نجدها من خلال ما ذهب اليه الفقه ،إذ يذهب جانب من الفقه الفرنسي، الى أن الالتزام بالتبصير هو التزام بتحقيق غاية، لذلك يكون المدين مسؤولاً بمجرد عدم تنفيذ الالتزام ولا يتخلص من المسؤولية الا بإثبات السبب الاجنبي.
ويدعم هذا الجانب وجهة النظر القائلة، إنه من الصعب تحديد الجهد الذي يبذله المدين في هذا الالتزام من حيث تزويد الدائن بالمعلومات، حتى وإن تم الاعتماد على معيار الشخص المهني ، لذا فهو التزام بتحقيق غاية.
ويذهب جانب فقهي آخر، الى أن الإلتزام بالتبصير هو التزام ببذل عناية وذلك باستخدام الوسائل الكفيلة اللازمة لتقديم المعلومات، حتى ولو لم تتحقق النتيجة المطلوبة في حالة عدم اتباع الطرف الآخر هذه المعلومات ، وبذلك يكون المدين بهذا الالتزام قد وفى بالتزامه اذا بذل فيه عناية الشخص المهني.