الإعتراف (1)
كتبه: ياسر الحسنين القواس المحامى بمحاكم الجنايات
مقدمة : الإعتراف وهو إقرار المتهم على نفسه طواعية وإختياراً بارتكاب الواقعة الإجرامية ، فإن إعتراف المتهم على نفسه يجيز للمحكمة أن تكتفي بهذا الإعتراف وتحكم عليه بغير سماع شهود عملاً بالمادة ( 271/2 إجراءات جنائية ) ، فإن محكمة الموضوع ليست ملزمة فى أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها وظاهرها ، بل لها أن تأخذ منها ماتراه مطابقا للحقيقة ، لذلك يتعين على القاضى أن يبحث بنفسه وبكافة الطرق عن حقيقة الجريمة دون تقيد بأقوال الإتهام أو الدفاع، وأن يتثبت من كل دليل يقدم له قبل أن يبنى حكمه ، وبناء على ذلك ، فالاعتراف لايخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المعترف ، فلها بهذه المثابة أن تطرحه إذا لم تقتنع بصحته ومطابقته للحقيقة والواقع بغير معقب مادامت تقييم تقديرها على أسباب سائغة ( نقض 15 يناير سنة 1978 مجموعة أحكام النقض س 29 رقم 7 ص 45، 8 فبراير سنة 1979 س30 رقم 45 ص 226 ، 5 فبراير سنة 1968 س19 رقم28 ص56 ) ، فلا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على إعترافه بلسانه أو بكتابته متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة والواقع ( نقض 20 ديسمبر سنة 1965 س16 رقم180 ص954 ، 20 مايو سنة 1968 س19 رقم 111 ص 562 ، 8 يونيو سنة 1975 س26 رقم 116 ص 497 ) إذ يحدث عملا أن يعترف المتهم كذباً بجريمة لم يرتكبها تحت تأثير عوامل شتى فقد تكون الرغبة في تخليص المجرم الحقيقى بدافع الشفقة والإخلاص ( نقض 10 يناير سنة 1955 مجموعة أحكام النقض س 6 رقم 130 ص393 ، أو قد يكون غرضه تجنب الإتهام فى جريمة أشد خطورة ، أو أنه يبغى دخول السجن وقد ضاقت به سبل العيش ، وقد يكون الإقرار بدافع الافتخار بارتكاب جريمة ستلفت أنظار الجمهور ، أو الإساءة إلى سمعة عائلته بنسبة الجريمة لنفسه ، فمثل هذه الإقرارات لايمكن أن يستند إليها القاضى فى إدانة المتهم ، وإنما يجب عليه أن يتحرى عن صحتها ومطابقتها للحقيقة ( نقض 23 أبريل سنة 1978 مجموعة أحكام محكمة النقض س 29 رقم 76 ص 399 ، 27 أكتوبر سنة 1980 س 31 رقم 179 ص 917 )…
______________
– وأبدأ إن شاء الله فى سلسة من المقالات شرح الإعتراف بعنوان { الإعتراف كدليل إثبات فى الدعوى الجنائية } أسأل الله التوفيق وأن يتقبل العمل:
– الإعتراف فى المواد الجنائية :- هو إقرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه الوقائع المكونة للجريمة بركنيها كلها أو بعضها ، ويتضح بذلك أن الإعتراف فى جوهره إقرار، وهو بذلك يختلف عن الأقوال الصادرة من المتهم والتى يستفاد منها ضمنياً ارتكابه للفعل الإجرامي المنسوب إليه، فهذه الأقوال مهما كانت دلالتها لاترتقى إلى مرتبة الإعتراف الذى لابد وأن يكون إقراراً صريحاً ، فالاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه للتهمة المسندة إليه، وهو بهذا المعنى يعد سيد الأدلة وأقواها ولذلك أوجب القانون أن تبدأ إجراءات التحقيق بأن ” يسأل المتهم ما إذا كان معترفا بارتكاب الفعل الإجرامي المسند إليه، فإن إعترف جاز للمحكمة الإكتفاء باعترافه والحكم عليه بغير سماع الشهود ( المادة 271 إجراءات جنائية).
– فالاعتراف هو تسليم شخصاً تسليماً إراديا بارتكابه جريمة كلها أو بعضها – بعد وقوعها – بركنيها المادى والمعنوى أو بظروفها المشددة وبمسؤليته عنها ” نقض 3 من نوفمبر سنة 1969 مجموعة أحكام النقض س 20 ص 1191 رقم 236 ، ومن المقرر أن الإعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الإستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات ولها أن تأخذ باعتراف المتهم في أى دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للواقع ولو عدل عنه ” الطعن رقم 18036 لسنة 68ق – جلسة 20/2/2001 ، والطعن رقم 24873 لسنة 69ق – جلسة 1/10/2000 ” ، وحيث أنه لما كان الطاعن الأول قد إعترف بالجلسة بما أسند إليه وتنازل المدافع عنه عن سماع شهود الدعوى الحاضريين وكانت المادة 271 إجراءات جنائية تنص فى فقرتها الثانية على أن المتهم يسأل عما إذا كان معترفا بارتكاب الفعل المسند إليه فإن إعترف جاز للمحكمة الإكتفاء باعترافه ، فإن المحكمة إذ دانته أخذا باعترافه واستناداً إلى أقوال الشهود فى التحقيقات الأولية تكون قد استعملت حقاً مقرراً لها فى القانون ” الطعن رقم 1259 لسنة 25 ق – جلسة 21/2/1956 “، وأما عن الإعتراف فى محاضر الشرطة : فالأصل أن يرد الإعتراف من المتهم فى تحقيقات النيابة العامة ، ﻷنها المكان الطبيعى لمواجهة المتهم بالتهمة وبالأدلة القائمة ضده ، وكذلك إعتراف المتهم بالجلسة أمام المحكمة ﻷنه يواجه بالتهمة” نقض 17 يناير سنة 1959 مجموعة أحكام النقض س10 ص15 رقم 4 ، ولذلك فإن الأصل أن الإعتراف لايرد فى محاضر جمع الإستدلالات ﻷنه إذا كان لمأمور الضبط القضائى أن يسأل المتهم عن التهمة المنسوبة إليه طبقاً للمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية فليس له أن يوجه إتهام إليه إذ هو محظور عليه إستجواب المتهم قانوناً ، فله أن يسأل المتهم دون أن يستجوبه تفصيلاً ، ولذلك فإن إعتراف المتهم الوارد فى هذه المحاضر يفتقد أركان الإعتراف القانونية ، ولكن لمحكمة الموضوع أن تأخذ باعتراف المتهم ولو كان واردا بمحضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه فى مراحل التحقيق الأخرى ” نقض 21/4/1980 السنة 31- ص 538، ونقض 8/6/1980 السنة 31- ص817 ، ونقض 26 نوفمبر سنة 1984 مجموعة أحكام النقض س 35 ص 829 رقم 187، ونقض 21 أبريل سنة 1980 مجموعة أحكام النقض س31 ص524 رقم102 ، كما قضى بأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ باعتراف المتهم ولو كان واردا بمحضر الشرطة أو فى تحقيق إدارى متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للواقع ولو عدل عنه فى مراحل التحقيق الأخرى ” نقض 28 مارس سنة 1977 مجموعة أحكام النقض س28 ص421 رقم 88 ، ونقض 17 يونيه سنة 1957 مجموعة أحكام النقض س 8 ص 670 رقم 181″….. وللحديث بقية إن شاء الله.