الشائعات والقانون
د. آيات الحداد
“وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ”..
قديمًا، كان الأعداء يلتقون على أرض واحدة ليقاتل بعضهم بعضا. أما اليوم، فقد أصبح العالم بفضل التكنولوجيا قرية صغيرة، ما يحدث في الغرب يصل بسرعة البرق للشرق والعكس، فسهلت التكنولوجيا انتشار أنواع عديدة من الإرهاب. كل ما يتطلبه الأمر إطلاق إشاعة كاذبة تثير بلبلة أو إطلاق أخبار حقيقية، ولكن بطريقة سلبية بحيث تثير الفتنة وتُحدث انقساما بين المواطنين ، أو إطلاق أخبار لا تثير إلا الإحباط، وتزعزع أمن الأفراد والدولة. ولقد عرف خبراء الحروب مدى تأثير الإشاعة و قوتها، فسعوا لاستخدامها كسلاح، ووضعوا أسسا لذلك الاستخدام. ثم تطورت تلك الأسس مع الوقت. فالإشاعة قد تكون سلاحا لبعض الدول ضد دول أخرى، وقد تستغلها بعض الدول كسلاح خفى غير ظاهر، بحيث لا يمكن تجريمها، أو بمعنى أدق يصعب اكتشافها في بعض الأحيان، أو معرفة مُطلقها ومروجها. ومن ثم، فأهميتها تفوق فى بعض الأوقات السلاح النووي، أو الكيميائي، أو البيولوجى، أو تنتج نفس آثارها، أي قتل المواطنين ولكن من الداخل! فالإشاعة سلاح فتاك وخفى غير ظاهر النوايا الحقيقية الخبيثة لمُطلقها، وآثارها قد تصيب المجتمع بأكمله. والإشاعة قد تطلقها دولة لزعزعة أمن دولة أخرى. فبعض الدول تستخدمها حسب أغراضها و مصالحها الوطنية، فقد تُطلق بعض الدول إشاعات وأخبارا كاذبة، اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو مالية للوصول لمصلحتها دون اكتراث بمصالح الدول الأخرى! فلو اتجهت بعض الدول إلى تجريم الإشاعة، فمن الصعب حدوث تعاون دولي بين الدول في تجريم ذلك .
في الآونة الأخيرة، عاقب المشرع كل من أطلق أخبارا كاذبة تكدر الأمن العام، وعدها جريمة، فنصت المادة رقم مادة 188 من قانون العقوبات على: يعاقب كل من نشر بسوء قصد أخبارًا، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة، أو أوراقًا مصطنعة، أو مزورة، أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام، أو إثارة الفزع بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
وعد المشرع المصرى مُطلق الإشاعة كمروجها، كمن يتداولها، وسوى بينهما فى العقاب، فكلهم فاعل أصلى فى الجريمة. وقد حدد المشرع المصرى المصالح التى ينبغى حمايتها من ترويج الإشاعات حولها، وتلك الموضوعات هى أسس المجتمع المصرى و مقوماته، وذلك بالمادتين ٩٨ و99 من قانون العقوبات المصري. والإشاعة ليس لها طريق محدد، أو صور معينة لإطلاقها، بل تتعدد صورها وأنواعها باختلاف الظروف والموضوعات التي تتناولها الإشاعة. وقد حدد المشرع المصرى فى قانون العقوبات صور ووسائل الإشاعة كالآتى: الترويج، والتحبيذ بالقول، أو بالكتابة، أو بأية وسيلة أخرى، فكل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول، أو بالكتابة، أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة، أو تحقير، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية ، أو السلام الاجتماعى، والجهر بالصياح أو الغناء :” كل من جهر بالصياح أو الغناء لإثارة الفتن، وكل من أذاع أخبارا، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة، أو بث دعايات .
ولو رجعنا لكتاب الله عز وجل، لوجدنا أنه لم يترك مسألة إلا وتحدث عنها، وأوجد معها الحل، فقال الله تعالى: “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا” ، و “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ”، فهذا ما يحدث اليوم إذا سمع أحدهم خبرا يزعزع الأمن، ويثير الخوف، نشروه، والله قدم الحل، أي إذا انتشرت إشاعة، فمن المفترض البحث عن حقيقة تلك الشائعة. أي إذا تم نشر خبر يخص مثلًا الجيش، فيجب أن يتم الرجوع إلى المتحدث العسكري ليحسم الأمر. والأمر كذلك في كل المجالات، حتى لا يكون هناك مجال للشك وللحكي بلا جدوى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذبًا وإثمًا أن يُحدث بكل ما سمع”! ونظرًا لخطورة ذلك النوع من الإرهاب، فإنه لا يشعر به الكثير، فالكل مشغول بمحاربة الإرهاب التقليدي، غافلين عن أنواعه المستحدثة، التي باتت تُشكل خطرا على مجتمعنا وأبنائنا، والذي معه تغيب عنّا الأخلاق، مما يجعلنا نموت ببطء، بدْءا من التدمير النفسي، مرورًا بالشعور بالأسى والحزن، نهاية بالشعور باللامبالاة والرغبة في عدم العيش، وعدم العمل، والفرار من الوطن، وهذا ما يريدونه أعداؤنا في الداخل والخارج، وهو ما يندرج تحت مسمى الحرب الباردة على مصر، وحروب الجيلين الرابع والخامس.