الإسلام واحترامه للسيد المسيح عليه السلام والسيدة مريم ولكافة الأنبياء والرسل
نشر بجريدة صوت الأزهر الأربعاء 29/12/2021
ــــ
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
على نقيض العهد القديم ، كتاب اليهود ، الذى أساء إلى أنبيائه ، إذْ بالقرآن الكريم تحمل سورٌ كاملة فيه ـ أسماء الرسل والأنبياء ، ومنهم أنبياء لبنى إسرائيل . سور : الأنبياء ، ويونس ، وهود ، ويوسف ، وإبراهيم ، ونوح ، ومريم ، وإذ بالقرآن الحكيم يتحدث عن الأنبياء السابقين ، بمن فيهم أنبياء بنى إسرائيل ، بكل توقير وإجلال وتكريم .
« شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ».. ( الشورى 13 ) .
ولم يتحدث القرآن الكريم عن موسى الكليم إلاَّ بكل توقير وإجلال
« وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَـانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » ( البقرة 53 ) .. « وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا » (النساء 153) .. وموسى الكليم الذى ذكر فيه القرآن الحكيم
ولم يتحدث كتاب من الكتب السماوية عن زكريا ويحيى ومريم والمسيح بمثل الحديث البليغ الرائع الذى ورد عنهم فى القرآن الكريم . « إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 0 فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ 0 هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء 0 فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ » ( آل عمران 35 ـ 39 ) .
« وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ » (آل عمران 42) .
« إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ » .. (آل عمران 45ـ 46) ..« وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنجِيلَ » (الحديد 27) ..« إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ » .. ( النساء 171 ) .. وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ » ( البقرة 87،253) ..
والمسيح فى القرآن الحكيم أعز من أن يُقتل أو يناله ما ينال البشر ، فيقول القرآن .. « إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ » (آل عمران 55) ..
وعمن افتروا من بنى إسرائيل كذبًا على مريم والمسيح كذبًا ، قال عنهم القرآن الكريم : « وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا . وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا» (النساء 156 ـ 158) .
* * *
هذا الاحتفال فى الذكر الحكيم بأنبياء الله ، قد انحفر فى وجدان المسلمين ، فلا تجد أبناء ديانة من الديانات يوقرون الأنبياء جميعًا مثلما يوقرهم المسلمون .. ولا تجد من أبناء هذه الديانات أو الملل والنحل من يسمون أبناءهم بأسماء الأنبياء مثلما يفعل المسلمون .. فمن أسماء المسلمين التى درجوا عليها منذ نزل الإسلام نوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وإسحق، ويعقوب ، ويوسف ، وعيسى ، وموسى ، ويحيى ، وشعيب ، وأيوب ، وهارون ، وزكريا ، ومريم .. وهذا الاحتفال بالنبوات والرسالات والأنبياء ، هو صدى حقيقى وعميق لسماحة وعالمية الإسلام الذى استوعب كل هذه الرسالات وأتى بالدين الخاتم الذى شمل فى حناياه ما أتت به باقى الرسالات وقدم للإنسانية الدين الشامل الذى يتسع للبشر جميعًا وللناس كافة .
يعرف المسلم ، مما يعرفه من القرآن المجيد ، أن الله تعالى قد أيد المسيح عيسى بن مريم منذ الحمل فيه حتى رفعه الله بآيات معجزات هائلات : حمل مريم فيه بغير أب ، وكلامه فى المهد ، وجعله الماء خمراً فى عرس« قانا الجليل » ، وتصويره الطين على هيئة طير ونفخه فيه فتكون طيراً بإذن الله ، وابراؤه الأكمه والأبرص ، وإحياؤه الموتى بإذن الله ، وإخباره بنى إسرائيل بما يأكلون وبما يدخرون فى بيوتهم ، ـ ومع ذلك أحس عيسى منهم الكفـر ، ومكروا لصلبه وقتله ومكر الله والله خير الماكرين . « إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ » ( آل عمران 55 ) .
لا عداوة بين الإسلام والمسيحية ، فالمسيحية قوامها المحبة والسلام ، والإسلام يحترم كافة الديانات وينبذ كل أنواع العصبية وهى عدوة السماحة والإسماح .. يقول الله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُـم مِّن ذَكَـرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُـمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » (الحجرات 13) .. وفى الحديث : ” كلكم لآدم .. وآدم من تراب .. إن أكرمكم عند الله أتقاكم . « يتسامح الناس ، ويتسامح المتدينون ، حين يدركون أن أصلهم واحد ، وأن انتماءهم إلى شجرة واحدة .. إلـى ذلك لفت القرآن الحكيم ، حين نوه فى العديد من آياته إلى أن الناس جميعاً ينتمون إلى أصل واحد ونفس واحدة .. ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء » ( النساء 1 ) .. « وَهُـوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ » ( الأنعام 98 ) .. « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا » ( الأعراف 189 ) ..
« أيادى الإسلام ممدودة إلـى الدنيا بالمحبة والإسماح والسلام .. لا يجزع الإسلام ولا يخشى السلام » .. لفظ « السلام» هو تحية الإسلام .. ولفظ « الإسلام »
وفى مصر بالذات ، انحفرت أصداء هذه المبادىء السامية فى نسيج المصريين وانطبعت بهـا حياتهـم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية ، فلم تعرف فارقاً بين المسلم والمسيحى .
هذه الشجرة الباسقة للتسامح ظلت فروعها ممتدة إلى العصر الحديث .. اتخذ صلاح الدين طبيبا مصريا يهودياً له ـ هو هبة الله بن جميع ، من مئات السنين ، ولذلك أمثلة حية فى عصرنا الحاضر .. موسى قطاوى باشـا ، اليهودى المصرى ، وُلىّ وزارة المالية المصرية فى القرن الماضى ، ووُلىّ نوبار باشا الأرمنى الأصل ـ ( 1825 ـ 1899 ) رئاسة الوزارة المصرية أكثر من مرة ، ومكرم عبيد الذى حمل عدة حقائب وزارية وملأ الحياة الوطنية ، كان شعلة حية للعطاء بلا فوارق دينية سواء فى مرحلته مع الوفد المصرى ، أم بعد خروجه وتأليفه حزب الكتلة الوفدية .
المزارات المسيحية فى مصر الإسلامية ، مزارات للمسلمين أيضاً .. مزارات سانت كاترين ، والقديس مار جرجس ، والقديسة دميانة بالدقهلية، وسانت تريز بشبرا ، ودير المحرق بأسيوط وغيرها ، مزارات يوقرها ويزورها ويتبرك بها المسلمون .. هذه الصورة الرائعة للتآخى بين الأديان .. ترى فى المسلمين أسماء نوح وموسى ويعقوب وعيسى وداود وسليمان ويوسف واسحق وهود ويونس وهارون وعمران ومريم وشعيب .. يكثر المسلمون من تسمية أولادهم بهذه الأسماء ، ولا يجدون فى ذلك غضاضة، بل ولا يلتفتون إلى ذلك لأنه صار جزءاً من نسيجهم طبعوا عليه من سماحة الإسلام وتوقيره وإجلاله لكل الأنبياء ولجميع الأديان والرسالات .
وعرفنا مما عَرَّفَنا القرآن المجيد ، المنزلة الرفيعة والتأييد الإلهى لكل من السيد المسيح وأمه مريم عليهما السلام ، وتابعنا هذه الرعاية الإلهية منذ الحمل فيه حتى رفعه الله بآيات معجزات هائلات : حمل مريم فيه بغير أب ، وكلامه فى المهد ، وجعله الماء خمراً فى عرس« قانا الجليل » ، وتصويره الطين على هيئة طير ونفخه فيه فتكون طيراً بإذن الله ، وابراؤه الأكمه والأبرص ، وإحياؤه الموتى بإذن الله ، وإخباره بنى إسرائيل بما يأكلون وبما يدخرون فى بيوتهم ، ـ ومع ذلك أحس عيسى منهم الكفـر ، ومكروا لصلبه وقتله ومكر الله والله خير الماكرين . « إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ » ( آل عمران 55 ) .
درجنا إذن على محبة السيد المسيح والمسيحيين ، وتعلمنا على مر الزمن ، ومراجعة ما ورد فى الأناجيل المسيحية ، وفى القرآن الحكيم ـ أنه لا عداوة بين الإسلام والمسيحية ، فالمسيحية قوامها المحبة والسلام ، والإسلام يحترم كافة الديانات وينبذ كل أنواع العصبية وهى عدوة السماحة والإسماح .. يقول الله تعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُـم مِّن ذَكَـرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُـمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » (الحجرات 13 ) .. وفى الحديث : « كلكم لآدم .. وآدم من تراب .. إن أكرمكم عند الله أتقاكم . » يتسامح الناس ، ويتسامح المتدينون ، حين يدركون أن أصلهم واحد ، وأن انتماءهم إلى شجرة واحدة ..
الرسل فى شرعة الإسلام .. فروع شجرة واحدة وبناة بيت واحد يؤسس السابق للاحق ويكمل اللاحق ما سبق إليه السالف .. لذلك كان من « عالمية الإسلام » .. .. وعناصر « العالمية » وموجباتها فيه ، أمر قرآنه المجيد بالإيمان بجميع الرسل وما أنزل إليهم جميعا ، ـ فقال سبحانه وتعالى فى تعريف المؤمنين « والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .. » (البقرة 4 ، 5 ) .. ولأن الرسالة المحمدية هى الرسالة الخاتمة ، فإنها أرشدت إلى ما تكمل به الإنسانية فى عالم الروح والمادة ، وعمم الخطاب فيها للناس كافة بلا تفرقة لجنس أو لون أو عصبية أو جاه أو سلطان .. وإنما العبرة بالتقوى والعمل الصالح ..« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » .. (الحجرات 13 )