«الإدارية العليا»: حسن نية الموظف المخطئ لا تعفيه من العقاب
أكدت المحكمة الإدارية العليا في أثناء نظرها الطعن رقم 61706 لسنة 66 بتاريخ 26 نوفمبر 2022- الدائرة الرابعة –أن الدقة و الأمانة واجبين من أهم الواجبات التي وسدها المشرع للموظف العام حال أداء العمل المكلف به، وهو ما يقتضي منه أن يبذل قصارى جهده ويتحرى كل إجراء يقوم به تحري الرجل الحريص ويتسلح في ذلك بالحذر والتحرز ويؤديه عن بصر وبصيرة واضعًا نُصب عينيه ما يُلزمه به القانون وتقضى به التعليمات المنظمة للعمل أو أداء الخدمة ، فإذا ركب الموظف متن الشطط وامتطى دابة الغفلة وأرخى للتهاون عنانــــه خرج بركبه ودابتــــه عن الحدود التي رسمهــا له المشرع والضوابط التي وضعتها الإدارة وعلق في جانبه مخالفة واجب أداء العمل بدقة وأمانة بما تقوم به مسئوليته التأديبية .
ويحق عليه الجزاء، و لا يجديه نفعًا حسن نيته وسلامة طويته ، إذ أن الخطأ التأديبى كما يقــوم بالعمد يقــوم بالإهمال في أداء واجبات الوظيفــــــة وهما صنوان في الإخلال بها ، وذلك إدراكا لحسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد وهى الغاية المرجوة من كل من تقلد الوظيفة العامة وتدثر بدثارها .
من حيث إن وقائع الطعن تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 7/8/2019 أقامَت النيابة الإدارية الدعوى رقم 1031 لسنة 61 قضائية، بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها مُتضمنة ملف القضية رقم 419 لسنة 2018 – نيابة الجيزة القسم الثالث – ومذكرة بشأنها وتقرير اتهام ضد:-
(ج. ع. ا) أمين مخزن الكهرباء والنظافة والسباكة بمستشفى الوراق المركزي التابع لمديرية الشئون الصحية بالجيزة بالدرجة الثالثة
وذلك لأنه في غضون عام 2017خالف القوانين واللوائح المعمول بها وخرج على مقتضى الواجب الوظيفي المنصوص وذلك بأن استولى على جهاز قياس نسبة الصفراء عن طريق الجلد والمملوك لمستشفى الوراق المركزي وحاول بيعه لأحد محال بيع الأجهزة الطبية بمنطقة القصر العيني وذلك على النحو الموضح تفصيلا بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المذكور تأديبيا عن المخالفة المنسوبة إليه طبقًا للمواد الواردة بتقرير الاتهام .
وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها على النحو الثابت بمحاضر جلساتها وبجلسة 28/6/2020 أصـــدرت المحكمة حُكمها المطعـــون فيــــه،وشيدت المحكمـــة قضاءها – بعد استعراض النصوص القانونية والمبادئ الحاكمة – على أن المخالفة المنسوبة إلى الطاعن ثابتة في حقه ثبوتًا يقينيًا ، الأمر الذي يشكل في حقه ذنبًا إداريًا يستوجب مؤاخذته تأديبيًا عنه ، ومجازاته بأحد الجزاءات المقررة قانونًا ، وخلصت المحكمة إلى حكمها المطعون فيه .
وإذ لم يلقْ الحكم المطعون فيه قبولا لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل ناعيا على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع على سند أن الحكم المطعون فيه استند إلى أقوال الشهود ولم يلتفت إلى دفوع الطاعن وتناقض أقوالهم وعلى النحو الوارد تفصيلا في تقرير الطعن ،واختتم الطاعن تقرير طعنه بما سلف من طلبات.
الحكم
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى مجرى التواتر على أن رقابة القضاء لمشروعية الجزاء هي رقابة قانونية يقف حدها عند التحقق من قيام السبب المبرر له بثبوت ارتكاب العامل للمخالفة التي جوزى عنها ، ولا تمتد هذه الرقابة إلى ملائمة الجزاء الذى هــو ملاك يد المحكمة التي أصدرته وتترخص في تقدير جسامة الذنب الذى اقترفه وما يعادله حقًا وصدقًا من جزاء ، ومن ثم فإذا استخلصت المحكمة أو مجلس التأديب من الوقائع الدليل على أن المتهم قارف ذنبًا إداريًا يستأهل الجزاء.
وكان هذا الاستخلاص سائغًا ومستمدًا من وقائع تنتجه وتؤدى إليه ، فإن تقدير هذا الدليل الذى قام لديها واعتدت به يكون بمنأى عن الطعن ، فرقابة المحكمة الإدارية العليا لا تعنى أن تعاود النظر بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة في الدعوى إثباتًا ونفيًا ، إذ أن ذلك شأن من شئون المحكمة التأديبية أو مجلس التأديب وحدهما ، بما لا يجوز معه ولا يسوغ للطاعن معاودة الجدل في تقدير أدلة الدعوى بظن من إيجاب أو سلب غير مستمد من واقعات الدعوى.
ومن ثم فإن هذه المحكمة لا تتدخل أو تبسط رقابتها إلا إذا ثبت لديها أن الدليل الذى قام عليه القضاء الطعين غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق ، أو كان استخلاصه له لا تنتجه الواقعة المطروحة عليه ، فعندئذ فقط يكون التدخل واجبًا لتصحيح الحكم بما يتفق مع القانون والواقع بركيزة من أن الحكم غير قائم على سببه المبرر له قانونًا .
ومن ناحية أخرى فإنه لا إلزام على المحكمة التأديبية أن تشير في أسباب حكمها إلى كل ورقة أو مستند يقدم إليها ، فحسبها لصحة حكمها أن تشير فقط إلى ما تستند إليه فيما ينتهى إليه قضاؤها ، إذ أن للمحكمة كامل الحرية في تقدير ما تأخذ به مما يُقدم إليها من مستندات وما تطرحه منها ، بما لا يسوغ معه للطاعن الاستمساك ببطلان الحكم بقالة إخلاله بحق الدفاع إهدار بعض المستندات وعدم التعويل عليها أو على ما شهد به بعض الشهود في التحقيقات ، مادام الحكم قد أبرز إجمالا الحجج التي كونت قضاءه طارحًا بذلك ضمنًا الأسانيد التي قام عليها دفاع الطاعن.
فالقاضي التأديبي بما يتمتع به من حرية في مجال الإثبات غير ملزم بإتباع طرق معينة ، فهو الذى يحدد طرق الإثبات التي يقبلها وأدلة الإثبات التي يرتضيها ويبني عليها اقتناعه ويهدر ما يرتاب في أمره أو يخالطه شكًا ، فيطرحه بعيدًا عن قناعاته التي هي وحدها سند قضائه وركيزة أسبابه .
ومن حيث إن الدقة و الأمانة واجبين من أهم الواجبات التي وسدها المشرع للموظف العام حال أداء العمل المكلف به، وهو ما يقتضى منه أن يبذل قصارى جهده ويتحرى كل إجراء يقوم به تحرى الرجل الحريص ويتسلح في ذلك بالحذر والتحرز ويؤديه عن بصر وبصيرة واضعًا نُصب عينيه ما يُلزمه به القانون وتقضى به التعليمات المنظمة للعمل أو أداء الخدمة ، فإذا ركب الموظف متن الشطط وامتطى دابة الغفلة وأرخى للتهاون عنانــــه خرج بركبه ودابتــــه عن الحدود التي رسمهــا له المشرع والضوابط التي وضعتها الإدارة وعلق في جانبه مخالفة واجب أداء العمل بدقة وأمانة بما تقوم به مسئوليته التأديبية .
ويحق عليه الجزاء ، و لا يجديه نفعًا حسن نيته وسلامة طويته ، إذ أن الخطأ التأديبى كما يقــوم بالعمد يقــوم بالإهمال في أداء واجبات الوظيفــــــة وهما صنوان في الإخلال بها ، وذلك إدراكا لحسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد وهى الغاية المرجوة من كل من تقلد الوظيفة العامة وتدثر بدثارها .
ومن حيث إن البين من أسباب الحكم الطعين التي قام بسند منها قضاؤه أنه قد استخلص إدانة الطاعنة عن المخالفات المنسوبة إليها من أصول ثابتة بالأوراق والتحقيقات محددًا الوقائع المكونة لها تحديدًا يرتفع به الجهل بها سابغًا عليها الكيوف القانونية السليمة منزلًا أحكام النصوص القانونية واجبة التطبيق في شأنها وأقسطه الجزاء الأوفى صدقا وعدلا مفصلا ذلك كله تفصيلا يكفى لحمل النتيجة التي خلص إليها على الصحة ويستوى بها الحكم مستقيمًا على سوقه ، وهى أسباب انتظم عقدها قانونا وساغ منطقها عقلا وتتخذها هذه المحكمة أسبابا لها مبنى ومعنى ، بما يغدو الطعن عليها لا سند له من القانون ولا ظل له من الواقع متعين الرفض .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة : بقبـــول الطعــن شكلًا ، ورفضـــــــه موضـــوعًا.
صدر هذا الحكم وتلي علنًا بالجلسة المنعقدة في يوم السبت 2 من جماد أول سنة 1444 هجرية ، الموافق 26 من نوفمبر 2022 ميلادية وذلك بالهيئة المبينة بصدره .
سكرتير المحكمة رئيس المحكمة