الأزمة المعقدة والتعامل معها ؟

 

بقلم: أ. أشرف إسماعيل

الأزمة المعقدة تلك هي التي لا تقبل الحلول التقليدية كما الأزمات العادية والتي فيها أحد أطرافها أو أدواتها سهل التعامل معه بإثنائه عن موقفه أو يمكن معالجة أحد أدوات الأزمة وبسهولة ومن دون ثمة خسائر، الأزمة المعقدة غير ذلك تماماً.

إذ هي تلك الأزمة التي تكون فيها كافة أدواتها لا تقبل ثمة معالجات على الإطلاق، أو تلك التي يكون كافة أطرافها متمسكون بمواقفهم لا يقبلون أن يتحركوا عنها بالتراجع أو بإعمال المواءمات قيد أنملة قصد تحقيق الكسب الكامل أو تلاشى أقل درجات الخسائر، وتبلغ الأزمات تعقيداتها القصوى حين يبات لكل طرفٍ من أطرافها مبرراته القوية في التمسك بعدم الزحزحة عنها ولو لقيد أنملة، بل وأن يكون كافة الأطراف للأزمة الواحدة لكل منهم مبرراته المقنعة للباقين غيره بأنه يصعب عليه الزحزحة عن مواقفه ولو لقيد أنملة واحدة بل ويقتنع بأحقيته في ذلك بقية الأطراف متى تجرَّدوا من تأثير مصالحهم الخاصة في الأزمة ذاتها.

هنا يصيرُ كافة أطراف الأزمة وبكافة مواقفهم منها على ذات المسافات من مركز الأزمة الذي هو في عُمقِها لا يمكن صنع خللٍ ما في تلك المسافة كي يُخفف الوسيط في التفاوض بينهم جميعاً بتحميله جزء ولو ضئيل من فاتورة التقارب في المسافات بين مركز الأزمة في عمق دائرتها وبين باقي الأطراف فيصنع بذلك ثغرة من شأنها خلق هوامش جاذبة بين أطراف الأزمة يمكن من خلالها صنع تقارب في الرؤى وتراجعات في المواقف المضادة قصد التقريب وتحقيق نتائج التفاوض المرجوة.

تلك المحاولة لا يمكن لمخلوق قدرة القيام به وتحقيق نجاحاتٍ فيها إلا إذا تمتع بموهبة التفاوض وعبقرية الدهاء تتطلَّب أن يتخيَّل الوسيط نفسه في مركز كل طرفٍ من الأطراف على حدة ليُحلل مكاسبه المتوقعة وخسائره التي تهدده من وراء إنهائه النزاع في الأزمة المعقدة تلك، لو استطاع ذلك سيكون قد بدء أولى مراحل حل تلك الأزمة المعقدة كونه يكون وبتجرُّد خالص قد وازن بين مكتسبات كل طرف كما ومخاوفه من وقوع خسائر في حقه من وراء حل النزاع في الأزمة المعقدة تلك.

وهنا يمكنه بهذا خلق هوامش اتفاق تحضيرية مُقنعة لكافة الأطراف تجعل التحريك في مواقف كل منهم بدرجات قليلة جداً فلا يخشى حدوث خسائر ذات هامش كبير أو نزول مكاسبه المتوقعة بهوامش قد لا يقبلها، وهنا تكمن دهاء الوسيط في أن يجعل وبعبقريته كافة الأطراف يقتنعون بأن إنهاء الأزمة المعقدة لا يحملهم إلا هوامش ضئيلة جداً من وراء تحريك مواقفهم بخصوص الأزمة المعقدة قد إنهائها بالتفاوض.

الأخطر لو كان هذا الوسيط وبتلك الصفات العبقرية في موهبة التفاوض كان هو أحد الأطراف المتنازعة في الأزمة المعقدة.. لا شك سيكون هو بموهبته تلك القادر وبجدارة على إنهاء الأزمة المعقدة بل وربما يمكنه تحقيق هوامش أمسع لصالحه بل وبرضاء الأطراف المتفاوضة أنفسهم وهنا تكمن العبقرية التفاوضية والتي اتسم بها السادات في نظري مع اليهود بكامب دايفيد وبرغم صلف الأخيرين وعدم قبولهم تحريك مواقفهم ولو لقيد أنملة بينما الراعي الرسمي للتفاوض وهم الأمريكان يرون أحقية إسرائيل في التفاوض كما وفى المواقف كما وفى المقاصد والأهداف بل ويضمنون لإسرائيل جانب أمنها وضمنه بالقطع شريط سيناء الحدودي.

فكيف ينجح السادات في العبور بقاطرة التفاوض وبهوامش ذات مساحات ضئيلة من التحركات التكتيكية على الأرض بل وبتحقيق أعظم المكاسب والتي هي يقينياً كذلك لو رجعنا لمناخات التفاوض ساعتها وليس الآن بالطبع، لابد وأن نوقن أن أولى خطوات الحل لأي أزمة أن تعتبر نفسك جزء من الأزمة حينها ستكون أنت جزء من الحل.

اعترافك بأنك جزء من الأزمة سيجعل منك أحد أدوات الحل فتقبل مواءمات المفاوضات وبمرونة الداهية، بينما التقوقع داخل نظرية المؤامرة وأنك المجني عليه الوحيد في الأزمة فإنما سيجعلك لا تعترف بأنك ضمن أسباب الأزمة ومن ثم لن تكون ضمن أسباب الحل، اعلم أنه كما أنت يكونون غيرُك، ومتى رأى غيرُك أنك لا تعترف بأنك جزء من الأزمة ولو في هامش ضئيل منها هم سيفعلون مثلك فلن يعترفوا أنهم جزء من الأزمة ومن ثم لن يكونون جزء من الحل ومن ثم سيتقوقعون مثلك داخل نظرية المؤامرة بأنهم مجنى عليهم في الأزمة بينما فأنت الجاني الأوحد وبذا لن تكون هناك حلول للأبد لتلك الأزمة.

لذا فلابد ولكي تحل أي أزمة أياً كانت نوعها سياسية أو اجتماعية أو حتى أسرية أن يعترف الإنسان من داخله بدوره في الأزمة تلك ومهما كان ضئيلاً ويعطى الآخرين من أطراف الأزمة مبرراً ولو في هامش ضئيل جداً لمواقفهم من الأزمة، تلك ستكون أولى خطوات نجاح الطاولة التفاوضية إذ ستُخلق من مجموع الهوامش تلك حتى ولو كانت ضئيلة مناخاً إيجابياً لتلاقى الإرادات لحل الأزمة تلك، لكن ولكون الدهاء منحة السماء للبشر فهم نادروا الوجود وعلينا السعي لهم بالانتقاء ومنذ بدء سنى حياتهم الأولى في المدارس ودور التعليم بل ومن خلال عقد مسابقات عن مواهب الدهاء تلك لاستثمارهم فيما بعد وبكافة مناحي حياتنا، كون الحياة من دون دهاء لمعالجة الأزمات وخاصة منها الأزمات المعقدة أبداً ما تصير حياة .. هنا فقط يمكن القول بدء عصر معالجة الأزمات !.

 

زر الذهاب إلى الأعلى