اشتراكات اتحادات الشاغلين
بقلم/ الأستاذ مايكل بسادة أديب ـ باحث الدكتوراه بقسم القانون المدني ـ المحامي بالنقض والإدارية العليا
تنظم نصوص المواد من المادة 69 من القانون رقم 119 لسنة 2008 بشأن إصدار قانون البناء حتى المادة 89 من القانون موضوع ” الحفاظ على الثروة العقارية و تنظيم اتحاد الشاغلين “و لكن هناك سؤال يثير العديد من الإشكاليات في الواقع العملي هو ” هل يلتزم شاغل الوحدة بالعقار بسداد الاشتراكات سواء أكان متواجداً في العقار أم أن الامر يرتبط بالحفاظ على الثروة العقارية بصرف النظر عن وجوده من عدمه ؟” و نجيب على هذا السؤال في امرين الأول :-
العلة التشريعية من النصوص القانونية المتعلقة باتحادات الشاغلين
الالتزام بسداد الاشتراكات سواء أكان شاعل الوحدة متواجداً في العقار أم أن الامر يرتبط بالحفاظ على الثروة العقارية بصرف النظر عن وجوده من عدمه
العلة التشريعية من النصوص القانونية المتعلقة باتحادات الشاغلين
العلة التشريعية من النصوص القانونية المتعلقة باتحادات الشاغلين هي تنظيم العلاقة بين شاغلي العقارات وحماية الثروة العقارية من التدهور والاندثار. لقد أدرك المشرع أن العقار المكون من وحدات متعددة هو كيان اجتماعي واقتصادي متكامل، يتطلب إدارة جماعية وصيانة دورية. النصوص القانونية لم تُصاغ لفرض عبء مالي على الأفراد، بل لتأسيس آلية قانونية تُحول المسؤولية الفردية عن صيانة الوحدة الخاصة إلى مسؤولية جماعية عن الأجزاء المشتركة. الألفاظ المستخدمة مثل “الحفاظ على سلامة العقار وأجزائه المشتركة” و “ضمان صيانته وترميمه وتدعيمه” (المادة 75) تُؤكد أن الهدف هو حماية العقار ككل، وهو ما يُعزز قيمته الاقتصادية ويُحقق استقراره الاجتماعي.
تُجسّد هذه النصوص مبدأ التوازن بين الحق الفردي في التملك والواجب الاجتماعي في الحفاظ على الملكية. إنها تُعزز فكرة أن الملكية الخاصة ليست حقًا مطلقًا، بل هي مقيدة بوظيفتها الاجتماعية. فلكل فرد الحق في الانتفاع بوحدته، لكن هذا الحق يُقابله واجب أخلاقي وقانوني تجاه المجموع في الحفاظ على الكيان الذي تنتمي إليه الوحدة. العِلة الأساسية هنا هي تحقيق العدالة التوزيعية والصالح العام، فمن غير العادل أن يستفيد شخص من صيانة الأجزاء المشتركة دون أن يُساهم في تكلفتها، حتى وإن كان غائبًا.
الفلسفة القانونية خلف هذا الالتزام هي أن قيمة الوحدة لا تكمن فقط في مساحتها أو موقعها، بل في سلامة المبنى بأكمله. فالوحدة العقارية، ككيان مادي وقانوني، تُحافظ على قيمتها السوقية بفضل الصيانة الدورية التي تتم على الأجزاء المشتركة. وبالتالي، فإن الالتزام المالي مرتبط بحق ملكية أو حيازة الوحدة، وليس بحالة وجود الشاغل فيها، لأنه يُقدم قيمة مُضافة دائمة للوحدة، بصرف النظر عن الاستخدام اللحظي.
يُلزم القانون الأفراد بتحمل مسؤولية مُشتركة تجاه بيئتهم السكنية. فمن غير الأخلاقي أن يستفيد شخص من جهود الآخرين في الحفاظ على نظافة العقار وصيانته وأمانه دون أن يُقدم مساهمته. القانون هنا يُقدم إطارًا أخلاقيًا لضمان العدل في توزيع الأعباء والفوائد.
تهدف هذه النصوص إلى تنظيم التفاعلات الاجتماعية بين أفراد يُقيمون في حيز جغرافي واحد. العِلة هنا هي تحويل الفردانية إلى جماعية مُنظمة. ففي المجتمعات الحديثة، يُمكن أن يُؤدي انعدام التنظيم إلى فوضى اجتماعية ونزاعات فردية. القانون يُقدم آلية لضبط هذه العلاقات، ويُحولها من فوضى محتملة إلى نظام مُنظم.
الالتزام بسداد الاشتراكات سواء أكان شاعل الوحدة متواجداً في العقارأم أن الامر يرتبط بالحفاظ على الثروة العقارية بصرف النظر عن وجوده من عدمه
الالتزام بسداد الاشتراكات: وفقًا للمنطق الذي يحكم صياغة النصوص، فإن الالتزام بسداد الاشتراكات المالية لا يرتبط إطلاقًا بوجود الشاغل في العقار. المادة 77 تُعرّف العضوية في الاتحاد بشكل واسع لتشمل كل من يشغل وحدة في العقار سواء كان مالكًا أو مستأجرًا أو حتى حائزًا بموجب سند قانوني. الأهم من ذلك، أنها تُضيف مالك العقار كله أو بعضه ولو لم يكن من الشاغلين كعضو في الاتحاد. هذا يُشير بوضوح إلى أن الالتزام مَرَدُّه صفة العضوية التي تُلازم الوحدة ذاتها، وليس الوجود الفعلي للشخص. الغياب المؤقت أو الدائم لا يُسقط المسؤولية القانونية لأن الأجزاء المشتركة (المصاعد، السلالم، الواجهة) تحتاج إلى صيانة مستمرة، سواء استخدمها الشاغل أم لا.
إن الالتزام بسداد الاشتراكات لا يرتبط بالوجود الفعلي لأنه يُحقق مبدأ العدالة التعويضية. فكل عضو في الاتحاد يستفيد من الخدمات المُقدمة بشكل غير مباشر، حتى وإن كان غائبًا. فالأجزاء المشتركة تتم صيانتها باستمرار، ووجودها السليم يُعزز من قيمة الوحدة عند العودة أو عند الرغبة في بيعها. وبالتالي، فإن التزام الشاغل أو المالك هو التزام أخلاقي وقانوني مقابل القيمة المُضافة التي تُحافظ عليها المنظومة ككل.
الالتزام هنا هو أداة لإنفاذ هذا العقد الاجتماعي. إنه يُحارب ظاهرة “الراكب المجاني” (Free-Rider Problem)، وهو الشخص الذي يستفيد من الخدمات الجماعية دون المساهمة في تكلفتها. القانون يتدخل بصفته سلطة عليا لضمان أن جميع أفراد المجتمع العقاري يُساهمون في الحفاظ على مصلحتهم المشتركة. فغياب الفرد عن الوحدة لا يُعفيه من التزاماته الاجتماعية، لأن وجوده القانوني كشاغل أو مالك يُبقي عليه جزءًا من هذا العقد الاجتماعي، ويُلقي على عاتقه مسؤولية جماعية لا تنفك.