إيمانى الشخصي بمهنة المحاماة
دينا المقدم
حتى تدعو غيرك إلى الإيمان بقضيتك، ألا يتعين أولاً أن تؤمن أنت بها؟ ألا يجب عليك أن تقتنع؟ هل شاهدت نفسك مرة تدافع عن الحق؟ وهل ضبطت نفسك مرة متلبساً تدافع عن الباطل؟ هل كنت فى الحالين الشخص نفسه؟ هل لاحظت اختلافاً بين الحالين؟ بكل تأكيد نعم، هناك اختلاف. فقديماً، قالوا إن لصاحب الحق مقالة.
والرسول لا يمكنه تحمل تبعات الرسالة بغير أن يكون هو ذاته مؤمناً بالرسالة التى يحملها إلى الناس.
وإيمان المحامى يقوم على الإيمان العام بمفهومه الواسع أولاً ، والإيمان الضيق بمفهومه الخاص ثانياً.
والإيمان بمفهومه الواسع يجعلك تتذكر دائماً أنك تؤمن بالله، وأن الله هو الحق وهو العدل. ولأنك تدافع عن الحق، ولأنك تسعى إلى العدل، فتأكد أنه معك ينصرك، ويثبت خطاك. وإن أردت نصرته، فلا تخالفه، ولا تحنث أبداً بيمينك التى أقسمت باسمه فيها.
هل تتذكر هذا القسم الذى رددته حين ارتديت رداء المحاماة لأول مرة فى حياتك: “أقسم بالله العظيم أن أمارس أعمال المحاماة بالشرف، والأمانة، والاستقلال، وأن أحافظ على سر مهنة المحاماة وتقاليدها، وأن احترم الدستور والقانون”؟
هل فكرت كم مرة فى حياتك خالفت هذا القسم وخرجت عليه؟ هل تذكرت هذا القسم منذ تردد بين شفتيك فى أى وقت، أو تأملت ما أقسمت عليه؟
وإن لم تكن رددته يوما لهوان القائمين عليه، واستهانتهم به، فهل ترى نفسك فى حاجة لتقسم أم أنك ملزم بهذه الفضائل بغير قسم؟.
إن إيمانك بالله ورغبتك الأكيدة فى عونه ونصره يوجبان عليك أن تتوجه إليه بغير قسم، وتضع يدك فى يده، وتستحى من الله، ولن يكون ذلك لك إلا إن كنت مؤمناً بقضيتك وبالحق الذى تدافع عنه. فعليك أيضاً أن تؤمن بالحق الذى تدافع عنه، وتذكر دائماً أنك القاضى الأول الذى يفصل فى الخصومة. فإذا أتاك من يدعى حقاً، فعليك أن تستوثق إن كان الحق له أو عليه، وعليك أن تعلم أن الحق رهين بدليله، فلا قيمة للحق إن لم يقم الدليل عليه. فإن آمنت بالحق، فابحث مع صاحب الحق عن الدليل. فإن استقام لك الإيمان بالحق والدليل عليه، وقبلهما الإيمان بالله، والاستعانة به، فأنت مؤهل الآن لأن تحمل قضيتك.
من المهم أن تدرك أن المحاماة ليست في النهاية إلا مسألة تكوين علاقات وروابط إنسانية مع الآخرين.
يرغب الناس في معرفة أنك محام حقيقي، وأنك شخص مهذب، وعطوف، وجدير بالثقة.. يرغبون في معرفة شغفك تجاه من تدافع عنهم، أيا كانت تهمتهم. وعندما يستشعرون أن ظاهرك كباطنك، سوف يفتحون لك أيديهم، وقلوبهم، ويأتمنونك على أسرارهم. وعندما يرون أنك تضع مصلحتهم نصب عينيك، سوف يثقون بك، ويضعون مصلحتك أنت نصب أعينهم. وعندما يدركون أنك شخص صالح، ومحام شريف، سيشيرون لأقاربهم وأصدقائهم بالتوجه إلى مكتبك.
وبناء على تلك الروابط الصادقة، والعلاقات القائمة على الثقة، سيصل عملك إلى مكانة يطلق عليها “التفوق والتميز”.
ولهذا، أدعوك بشدة إلى أن تخرج من مكتبك، وتتجول. إن الوجود مع الناس إحدى ركائز عملك. فلا شىء سيحدث حتى تتحرك أنت. صافح الناس، تناول الغداء معهم، أظهر اهتماما صادقا بهم، انشر رسالتك بمصداقية.
لا يمكن أن ننكر أن عالم المحاماة ينقسم إلى صنفين، ذلك المحامي الناجح اللامع، والآخر ذو الأداء المتوسط.
حسنا، قد يستحثك هذا، أو حتى يضايقك قليلا، لكن كل ما أريد القيام به هو مساعدتك على أن تنمو.
الفكرة التي أريد التركيز عليها هي أهمية إحاطتك بأشخاص يجعلونك ترحل عن الملاذ الآمن الذي تعرفه. لماذا تقضي الوقت مع زملاء لك في العمل من ذوي الأداء المتوسط ؟ لماذا تصادق أشخاصا في حياتك يقبلون بالمستوى العادي؟
أقترح عليك كمحام أن تدعو إلى حياتك المهنية والشخصية من يمنحونك الإلهام، من يرتقون بك، من سيجعلونك أكثر تميزا، وأصالة، وثباتا في ذاكرة الآخرين، من يلتزمون من أعماقهم بتحقيق التميز. مثل هؤلاء سوف يتحدونك، سوف يدفعونك، سيخدمك القيام بهذا. ولكى تتأكد من ذلك، راقب أنجح المحامين في محيطك، وتعلم.