إنذار الموظف المنقطع عن العمل قبل الفصل من الخدمة ما بين الواقع والمأمول
بقلم: الدكتور/ عبد العزيز عبد المعطي علوان
أحدث نص المادة 69 من قانون الخدمة المدنية الحالي لغطا كثيراً في الأوساط القانونية بسبب عدم النص على ضرورة إنذار الموظف المنقطع عن العمل 15 يوما متصلة أو ثلاثون يوما متقطعة، فالمتأمل لنص المادة 69 في فقرتها الخامسة والسادسة من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 يجد أنها تنص علي: تنتهي خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية:
5- الانقطاع عن العمل بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشـر يومًا التالية ما يثبت أن الانقطاع كان بعذر مقبول.
6- الانقطاع عن العمل بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة.
بينما تنص المادة 176 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 على أن: “إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن خمسة عشر يومًا متتالية، ولم يقدم خلال الخمسة عشر يومًا التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول، أو إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة ولو عوقب تأديبيًا عن مدد الانقطاع غير المتصل، يجب على السلطة المختصة أو من تفوضه إنهاء خدمته من تاريخ انقطاعه المتصل عن العمل، أو من اليوم التالي لاكتمال انقطاعه غير المتصل”.
بينما ذكرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة (فتوي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع رقم 86/4/2032 بتاريخ 27/11/2019) أن المشرع في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، حيث حدد في المادة 69 من القانون الحالات التي تنتهي بها خدمة الموظف ومن بينها الانقطاع عن العمل دون إذن خمسة عشر يوما متتالية ما لم يقدم خلال تلك المدة ما يثبت أن الانقطاع كان بعذر مقبول، وكذلك الانقطاع عن العمل دون إذن ثلاثين يومًا غير متصلة في السنة دون أن يشترط لذلك أن يتم إنذار العامل قبل إنهاء خدمته للانقطاع.
وقال قسم الفتوى بمجلس الدولة، إن اللائحة التنفيذية للقانون وردت خالية من النص على وجوب إنذار الموظف المنقطع لترتيب الأثر الذي قرره القانون على واقعتي الانقطاع، وهو انتهاء خدمته.
ونجد أن قسم الفتوي والتشريع بمجلس الدولة المصري قد ساير النص التشريعي فيما أتي به من عدم اشتراط إنذار الموظف المنقطع حتي يتم فصلة، حيث أوضحت الفتوى أن القانون لا يعمل به إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية باعتبار أن واقعة النشر تتحقق بها علم الكافة بالقانون وثبوت صفة الإلزام به، وبناءً عليه يجب على كل المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية تطبيقه والالتزام بالأحكام الواردة فيها، وعدم الانقطاع عن العمل دون إذن للمدد التي حددتها المادة 69 ما لم يكن هناك عذر قهري أو سبب خارج عن إرادتهم، وعند ذلك يتعين عليهم المبادرة فور انقطاعهم بإخطار جهة عملهم بالسبب الخارج عن إرادتهم أو العذر المقبول الذي أدى للانقطاع عن العمل تلك المدة.
ونوهت أيضا إلى أن إنذار الموظف المنقطع عن العمل قبل إنهاء خدمته يعد ضمانًا حرصًا على استقرار الأوضاع الإدارية، وتوفير الطمأنينة لموظفي المرافق العامة وهو استقرار للمصلحة العامة، لكن المشرع تغاضي عن ذكره في قانون الخدمة المدنية الجديد لذلك وجب الالتزام بنصوص القانون ولائحته التنفيذية.
وباستعراض فتوي الجمعية العمومية طبقا لما استقر عليه إفتاؤها من أنه بمقارنة الأحكام التي كان يتضمنها قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978 (الملغي) في شأن انقطاع العامل عن العمل، والأحكام التي يتضمنها قانون الخدمة المدنية المشار إليه، في هذا الصدد، يتبين أن ثمة مغايرة في الأثر المترتب على واقعة انقطاع العامل في ظل العمل بأحكام القانون المذكور أولًا، وواقعة انقطاع الموظف في المجال الزمني للعمل بأحكام قانون الخدمة المدنية آنف الذكر، حيث اعتبر المشرع في القانون المذكور أولًا انقطاع العامل، سواء كان الانقطاع متصلًا أو غير متصل للمدد التي حددتها المادة (98) منه بمثابة استقالة ضمنية، بحسبان أن هذا الانقطاع ينبئ عن انصراف إرادة العامل المنقطع إلي هجر الوظيفة، بحيث لا تدع ظروف الحال أي شك في دلالته على حقيقة المقصود منه، وقد بنى هذا الحكم على أمر فرضيّ، وهو اعتبار العامل في حكم المستقيل في حال غيابه استعاضة بذلك عن الاستقالة الصريحة، وحرصًا من المشرع على التحقق من قيام هذه القرينة في حق العامل، تطلب لإعمال هذا الحكم مراعاة إجراء شكلي حاصله إنذار العامل كتابة بعد انقطاعه عن العمل، والقصد من هذا الإجراء هو أن تستبين الجهة الإدارية إصرار العامل على ترك العمل وعزوفه عنه، ومن جهة أخرى إعلانه بما سوف يتخذ ضده من إجراءات حيال هذا الانقطاع حتى يتمكن من إبداء عذره، بحيث إذا ما انتهت المدد المحددة للانقطاع المتصل أو غير المتصل بعد إتمام هذا الإنذار، ودون اتخاذ الإجراء التأديبي خلال الشهر التالي للانقطاع، نهضت القرينة القانونية في اعتبار العامل مستقيلًا، وانفصمت عرى العلاقة الوظيفية وانتهت خدمته، هذا في حين اعتنق المشرع في قانون الخدمة المدنية المشار إليه نهجًا مغايرًا، إذ لم يعتبر واقعة انقطاع الموظف عن العمل في حكم الاستقالة الضمنية.
في حين نجد أن محكمة القضاء الإداري ببورسعيد قد أخذت اتجاه مغايراً لموقف المشرع ومغايراً لفتوي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع سالفة الذكر، وأكدت علي ضرورة إنذار العامل قبل فصله بالإضافة إلى ضرورة صدور قرار الفصل من السلطة المختصة أو ممن تفوضه في هذا الأمر، وهو ما لم يتحقق في الطعن الماثل، مما حدا بالمحكمة إلى إلغاء الحكم المستأنف فيه وإلغاء قرار فصل الموظف وأعادته إلى العمل مرة أخرى.
(حكم محكمة القضاء الإداري، في الطعن رقم 396 لسنة 7 ق س، الصادر بجلسة 17/6/2020، وذلك طعنا علي حكم المحكمة الإدارية ببورسعيد في الدعوي رقم 123 لسنة 7 ق، والصادر بجلسة 23/6/2019).
وتعليقاً علي النص التشريعي وفتوي الجمعية العمومية لقسمي الفتوي والتشريع نجد أنهما قد سحبا ضمانه هامه للموظف قبل اللجوء إلى قرار الفصل ألا وهي إنذار الموظف أثناء الانقطاع، إذا يجب علي المشرع تعديل نص المادة 69 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 والمادة 176 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، والنص علي ضرورة إنذار الموظف قبل مرور 15 يوماً متصلين وثلاثون يوماً منقطعين، حرصا علي مصلحة العامل وضماناً له من انحراف جهة الإدارة في إصدار قرار الفصل والذي يمس حياة الموظف الوظيفية وأسرته، إذ قد لا يتمكن العامل من تقديم عذر يبيح سبب الانقطاع كأن يكون في حالة غيبوبة، أو في حالة مرضية مضنيه مستمرة لفترة طويلة تمنعه من تقديم ما يثبت يبيح انقطاعه، فبهذا المسلك من المشرع يجعل هذا النص يصيبه العوار الدستوري ويجعله عرضه للطعن بعدم الدستورية.
ولذلك نأمل من المشرع أن يتدارك هذا الموقف وأن ينص علي ضرورة إنذار الموظف قبل صدور قرار الفصل لأن هذا الإجراء جوهري القصد منه أن تستبين جهة الإدارة مدي أصرار العامل علي تركه العمل وعزوفه عنه وفي ذات الوقت إعلانه بما يراد اتخاذه حياله من إجراء بسبب انقطاعه عن العمل تمكينا له من إبداء عذره قبل اتخاذه الإجراءات.