إغفال القضاء بعقوبة العزل في جرائم التقليد والتزوير في محررات رسمية خطأ لا تملك محكمة النقض تصحيحه
كتب: علي عبدالجواد
أكدت محكمة النقض في حكمها بالطعن رقم ١٣٨٧٤ لسنة ٨٨ قضائية، الدوائر الجنائية – جلسة ٢٠٢١/٠٤/١٣، أن إغفال القضاء بعقوبة العزل في جرائم التقليد والتزوير في محررات رسمية خطأ لا تملك محكمة النقض تصحيحه موضحة علة ذلك.
الحكم
باسم الشعب
محكمــة النقــض
الدائرة الجنائية
جلسة الثلاثاء ( د ) الموافق ١٣ من إبريل سنة ٢٠٢١
الطعن رقم ١٣٨٧٤ لسنة ٨٨ قضائية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيد المستشار / عادل الكناني نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين / عماد محمد عبد الجيد ، إيهاب سعيد البنا و محمد أحمد خليفة
نواب رئيس المحكمة سامح صبري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) حكم ” بيانات حكم الإدانة ” ” بيانات التسبيب . تسبيب غير معيب ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ” .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها واستعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً . لا قصور .
القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(٢) تزوير ” أوراق رسمية ” . جريمة ” أركانها ” . قصد جنائي . حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل” .
تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير . غير لازم . مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه .
القصد الجنائي في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية . مناط تحققه ؟
تحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة التزوير . غير لازم . مادام قد أورد من الوقائع ما يشهد لقيامه .
(٣) اشتراك . محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل “. إثبات “بوجه عام” “قرائن”. تزوير “أوراق رسمية”. حكم “تسبيبه . تسبيب غير معيب ” .
الاشتراك بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة . مناط تحققه ؟
للقاضي الاستدلال على الاشتراك بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة بطريق الاستنتاج والقرائن . ما لم يقم دليل مباشر عليه .
الاشتراك. تمامه ؟
(٤) باعث. إثبات “بوجه عام”. حكم “ما لا يعيبه في نطاق التدليل”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل” .
الباعث ليس ركنا من أركان جريمة التزوير. عدم التزام المحكمة بتحقيقه.
مثال.
(٥) إثبات ” خبرة ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير آراء الخبراء ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها” .
النعي بعدم كفاءة ونزاهة وموضوعية الخبير المنتدب الذي اطمأنت المحكمة إلى تقريره وأخذت به . جدل موضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
(٦) محكمة الموضوع ” سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ” ” سلطتها في تقدير أقوال الشهود ” . إثبات ” بوجه عام ” ” شهود ” . حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها” .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ محكمة الموضوع بأقوال الشاهد . مفاده ؟
تناقض أقوال الشهود . لا يعيب الحكم . متى استخلص الحقيقة منها بما لا تناقض فيه .
للمحكمة أن تأخذ بأقوال الشاهد . ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة .
حق المحكمة الأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو خالفت أقواله أمامها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(٧) استدلالات . إثبات ” قرائن ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير جدية التحريات ” . حكم ” ما لا يعيبه في نطاق التدليل” .
للمحكمة التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . ما دامت قد عرضت على بساط البحث .
(٨) تزوير ” أوراق رسمية ” . دفاع ” الاخلال بحق الدفاع . ما لايوفره ” . قصد جنائي . جريمة ” أركانها ” . ضرر . إثبات ” بوجه عام” .
الحقيقة التى يحميها القانون بالعقاب على التزوير . ماهيتها ؟
تغيير الحقيقة فى المحرر . تقوم به جريمة التزوير . ولو كان مطابقاً للحقيقة المطلقة.
مجرد تغيير الحقيقة في المحرر الرسمي بطريق الغش بوسيلة مما نص عليه القانون . تتحقق به جريمة التزوير في المحررات الرسمية . الدفاع القانوني ظاهر البطلان. لا يستلزم رداً .
(٩) إثبات ” بوجه عام ” ” قرائن ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل “. تزوير ” أوراق رسمية ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها” .
الأصل في المحاكمات الجنائية. اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. له أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
جرائم التزوير لم يجعل القانون لإثباتها طريقا خاصا.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(١٠) تزوير ” الادعاء بالتزوير ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل ” . دفاع “الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” .
عدم التزام المحكمة إجابة طلب المتهم تمكينه من الطعن بالتزوير . حد ذلك ؟
(١١) إجراءات ” إجراءات المحاكمة ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره” .
الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه . ماهيته ؟
مثال لما لا يعد طلباً جازماً.
(١٢) إثبات ” بوجه عام ” . محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل ” . دفوع ” الدفع بعدم ارتكاب الجريمة” .
الدفع بعدم ارتكاب الجريمة . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادة الرد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
مثال .
(١٣) نقض “أسباب الطعن. تحديدها” .
وجه الطعن. وجوب أن يكون واضحا محددا.
نعي الطاعنين بإغفال الحكم التعرض لمستنداتهم ودفاعهم الموضوعي دون الكشف عن ماهية تلك المستندات وأوجه ذلك الدفاع. غير مقبول.
(١٤) إثبات “بوجه عام” “أوراق رسمية”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. نقض “أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ” .
الأدلة في المواد الجنائية إقناعية. لمحكمة الموضوع الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة واستنباط المحكمة معتقدها. غير جائز لدى محكمة النقض.
(١٥) إجراءات ” إجراءات التحقيق ” . نقض ” أسباب الطعن . ما لا يقبل منها ” .
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن على الحكم .
مثال .
(١٦) دعوى مدنية . حكم ” بطلانه ” ” بيانات الديباجة” .
بيان اسم المدعي بالحقوق المدنية وصفته . لازم في حالة الحكم في الدعوى المدنية
لصالح رافعيها بالتعويض . إغفال هذا البيان في الحكم الصادر بإحالتها للمحكمة المختصة . لا بطلان . علة ذلك ؟
(١٧) عقوبة “تطبيقها”. عزل . موظفون عموميون .نقض ” حالات الطعن . الخطأ في القانون ” . محكمة النقض “سلطتها” .
إغفال القضاء بعقوبة العزل في جرائم التقليد والتزوير في محررات رسمية . خطأ . لا تملك محكمة النقض تصحيحه .علة ذلك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم …… لسنة ٢٠١٨ جنايات مركز شرطة إيتاي البارود ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم …. لسنة ٢٠١٨ جنوب دمنهور ) بأنه في تاريخ سابق على يوم ١٢ من يوليو سنة ٢٠١٦ بدائرة مركز شرطة إيتاي البارود – محافظة البحيرة:-
ـــ وهو من أرباب الوظائف العمومية ( أمين شرطة بنيابة مرور إيتاي البارود ) ارتكب تزويراً في محرر رسمي ــــ وهو تقرير المخالفة المرورية المنسوب صدورها لقسم مرور مطروح ــــ بأن قام باصطناعها عن طريق الاصطناع الكامل وقام بتحرير بياناتها المراد إثباتها على خلاف الحقيقة وزیلها بتوقيع نسبه زوراً للموظف العمومي المختص بإصدارها وذلك بجعل واقعة غير صحيحة في صورة واقعة صحيحة علي النحو المبين بالتحقيقات.
ـــ زورا إمضاء الموظف العمومي المختص بالجهة آنفة البيان واستعمل الإمضاء المزور بأن مهر به المحرر موضوع الاتهام الأول مع علمه بأمر تزويره علي النحو المبين بالتحقيقات.
ـــ أستعمل المحرر المزور موضوع الاتهام الأول فيما زور من أجله بأن تقدم به لجهة مركز شرطة إيتاى البارود مع علمه بأمر تزويره علي النحو المبين بالتحقيقات.
ـــ اشترك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية وهو أمين الشرطة المختص بقيد المحاضر المرورية بجهة مركز شرطة إيتاي البارود في ارتكاب تزوير في محرر رسمي وهو دفتر قيد القضايا المنسوب صدوره لتلك الجهة وكان ذلك بأن تقدم بالمحرر المزور محل الاتهام الأول إليه فضبط بيانات على غير الحقيقة بناءً علي المحرر آنف البيان المقدم منه وذلك لجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وتمت تلك الجريمة بناءً علي تلك المساعدة علي النحو المبين بالتحقيقات.
ــ ارتكب وآخر مجهول ليس من أرباب الوظائف العمومية بطريق المساعدة والاتفاق تزويراً في محرر رسمي وهو محل الاتهام السابق وكان ذلك بأن أمد المجهول بالمعلومات اللازمة عن البيانات المراد كشطها فقام الأخير بالتحصل على ذلك المحرر وقيامه بالكشط علي البيانات الخاصة به بناءً على تلك المساعدة والاتفاق علي النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته إلى محكمة جنايات دمنهور لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى المجنى عليه / …………… مدنياً قبل المتهم بمبلغ ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في ٢٠ من مارس سنة ٢٠١٨. عملاً بالمواد ٤٠/٢ ــ ٣ ، ٤١/١ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢١٤ من قانون العقوبات، مع إعمال نص المادتين ٣٠ ، ٣٢ من ذات القانون . بمعاقبة المتهم ……… بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات عما اسند اليه ومصادرة المحررات المزورة المضبوطة وألزمته المصاريف الجنائية وفي الدعوي المدنية بإحالتها للمحكمة المدنية المختصة وأبقت الفصل في مصاريفها.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ ١٨ من إبريل سنة ٢٠١٨ . وأودعت مذكرة بأسباب الطعن في ١٧ من مايو سنة ٢٠١٨ موقع عليها من المحامي.
وبجلسة اليوم سُمِعَت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً .
وحيث إن الطعن استوفي الشكل المقرر قانوناً.
حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم التزوير في محرر رسمي والاشتراك فيه واستعماله مع علمه بذلك، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والاخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يمحص أوراق الدعوى التمحيص الكافي، ملتفتاً عن دفعه بإنتفاء أركان الجرائم التي دانه بها، ولم يستظهر عناصر الاشتراك والافعال الايجابية التي صدرت منه ولم يبين الأدلة على ذلك بياناً يكشف عن قيام هذه الجريمة في حقه، خاصةً وأنه ليس له مصلحة في التزوير، وعول الحكم على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير رغم بطلانه لافتقاد الخبير المنتدب الحيدة ولعدم بيانه الشواهد التي استند إليها من أن الطاعن هو الكاتب لبيانات صلب المخالفة المرورية محل التزوير، وأستند إلى أقوال شهود الإثبات رغم عدم صلاحيتها للإدانة لتناقضها ووجود خصومة قائمة بين الطاعن وبين الشاهد الأول وصلة المصاهرة بين الشاهدين الأول والثاني والتي جاءت شهادة الأخير مجاملة له وضرب الحكم صفحاً عما أثاره الدفاع في هذا الخصوص، وأتخذ من تحريات الشرطة دليلاً اساسياً في الإدانة رغم عدم صحتها، ولم يحفل بدفاعه القائم على أن المحرر المقال بتزويره صدر مطابقاً لإرادة من نسب إليه مما تنتفي به جريمة التزوير، وخلو الأوراق من دليل يقيني على ارتكابه الواقعة، والتفت عن الرد على طعنه بالتزوير على دفتر قيد القضايا بمركز شرطة إيتاي البارود المسند إليه الاشتراك في تزويره، ولم تجبه المحكمة إلى طلبات الاحتياطية بسماع شهود الإثبات واحالة محضر المخالفة محل التزوير إلى لجنة ثلاثية من مصلحة الطب الشرعي لفحصه أو ندب خبير استشاري لمناقشته وسماع رأيه الفني، وضم السرکي رقم ۳ مراسلات بمركز شرطة إيتاي البارود والتصريح باستخراج صورة رسمية من أورنيك ۱۷ مرور من إدارة المرور، وقام دفاعه على انتفاء التهمة في حقه ولم يعرض الحكم للمستندات المقدمة منه تدليلاً على صحة دفاعه، وأن النيابة العامة لم تقم الدليل على اسناد الاتهام إليه، وخلا الحكم من اسم المدعي بالحقوق المدنية، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى وإيرادها لمضمونها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بما إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ويضحي النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه، ويتحقق القصد في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غُيرت الحقيقة فيه، وليس أمراً لازماً التحدث صراحة عن توافر هذا الركن مادام قد أورد من الوقائع ما يشهد بقيامه، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة توافر جريمتي تزوير المخالفة المرورية المنسوب صدورها إلى قسم مرور مطروح والاشتراك في تزوير دفتر قيد القضايا بمركز شرطة إيتاي البارود وهو ما يتضمن إثبات توافر ركن العلم بتزوير هذين المحررين في حق الطاعن، فإن هذا حسبه ولا يكون ملزماً – من بعد – بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائي لديه ويضحي النعي على الحكم في هذا الشأن بلا محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاشتراك بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة إنما يكون باتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية، فمن حق القاضي إذا لم يقم على الاشتراك دليل مباشر أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه، ومن المقرر أن الاشتراك يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل بالأسباب السائغة التي أوردها على أن الطاعن قدم تقرير المخالفة المرورية المزور إلى الموظف المختص بمركز شرطة إيتاي البارود فأثبت بياناته بدفتر قيد القضايا على غير الحقيقة وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وأورد الحكم من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعن مع موظف عام حسن النية – الموظف المختص بقيد المحاضر المرورية بمركز شرطة إيتاي البارود – في ارتكابه جريمة التزوير، فإن هذا حسبه ليستقیم قضاؤه ، ذلك أنه ليس على المحكمة أن تدلل على حصول الاشتراك بأدلة مادية محسوسة بل يكفيها للقول بقيام الاشتراك أن تستخلص حصوله من وقائع الدعوى وملابساتها ما دام في تلك الوقائع ما يسوغ الاعتقاد بوجوده، وهو ما لم يخطى الحكم في تقديره، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بقالة القصور في التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره في حق الطاعن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن بأنه لا مصلحة له في التزوير إنما يتصل بالباعث على ارتكاب الجريمة وهو ليس من أركانها أو عناصرها فإنه لا ينال من سلامة الحكم عدم تحقيق المحكمة له. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى ما ورد بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير واستندت إلى رأيه الفني من أن الطاعن هو محرر بيانات صلب المحضر وكذا التوقيع المنسوب لمحرره. فإنه لا يقبل من الطاعن العودة إلى مجادلتها فيما خلصت إليه، وكان النعي بعدم كفاية ونزاهة وموضوعية الخبير المنتدب يعد منازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات، ولا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وأن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وإذ ما كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن تناقض الشاهد أو اختلاف رواية شهود الإثبات في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دامت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة قائمة، وأن قرابة الشاهد للمجني عليه لا تمنع من الأخذ بأقواله متى اقتنعت المحكمة بصدقها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وبصحة تصويرهم للواقعة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن وبخصوص القوة التدليلية لأقوال الشهود لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة من مصادرها المتاحة في الأوراق وتقدير الأدلة القائمة في الدعوى وفقاً لما تراه وهي أمور لا تجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض ، فضلاً عن أنه في جملته دفاع ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب لا يعيب الحكم المطعون فيه التفاته عنه وعدم رده عليه ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ذلك، وكان لا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التي استندت إليها باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة – كما هو الحال في الحكم المطعون فيه – ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا محل له. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الحقيقة التي يحميها القانون بالعقاب على التزوير هي الحقيقة التي يدل عليها المظهر القانوني للمحرر، أي التي تتعلق بها الثقة العامة لا الحقيقة المطلقة، ويترتب على ذلك أنه يجوز قانوناً أن تقع جريمة التزوير بناءً على تغيير الحقيقة في محرر ولو أدى هذا التغيير إلى مطابقة مضمون المحرر للحقيقة المطلقة وكان ما قام به الطاعن – على ما أثبته الحكم – هو ارتكابه تزوير في محرر رسمي وهو تقرير المخالفة المرورية المنسوب صدوره إلى قسم مطروح بأن قام باصطناعها عن طريق الاصطناع الكامل وقام بتحرير بياناتها المراد اثباتها على خلاف الحقيقة وذيلها بتوقيع نسبه زوراً للموظف العمومي المختص بإصدارها وذلك لجعل واقعة غير صحيحة في صورة واقعة صحيحة، مما ترتب عليه مخالفة الحقيقة التي صدر بما المحرر الرسمي ليكون حجة على الكافة بما أثبت فيه، وكان من المقرر أن مجرد تغيير الحقيقة بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون في الأوراق الرسمية تتحقق معه جريمة التزوير بصرف النظر عن الباعث على ارتكابها متى كان المقصود به تغيير مضمون المحرر بحيث يخالف حقيقته النسبية كما صدرت من الموظف الرسمي المختص بإصداره وبدون أن يتحقق ضرر خاص يلحق شخص بعينه من وقوعها لأن هذا التغيير ينتج عنه حتماً إحتمال حصول ضرر بالمصلحة العامة، إذ يترتب على العبث بالورقة الرسمية الغض مما لها من القيمة في نظر الجمهور باعتبارها مما يجب بمقتضى القانون تصديقه والأخذ بما فيه. وكان ما يثيره الطاعن بشأن قصور الحكم عن تمحیص دفاعه بأن تقرير المخالفة المرورية محل التزوير مطابق لإرادة ما نسب إليه ولا تخالف الحقيقة، لا يعدو أن يكون دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان، لا تلتزم المحكمة بالرد عليه طالما أن ثبوت مطابقة المحرر المزور لإرادة ما نسب اليه – بفرض حصوله – ليس من شأنه – بعد ما سلف إيراده – أن تنتفي به جريمة التزوير في المحرر الرسمي المسندة إليه فإن نعيه في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، فله أن يكون عقيدته، من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقاً خاصاً ، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ،إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه – كما هو الحال في الدعوى الحالية – ومن ثم فلا محل لها يثيره الطاعن في شأن استناد الحكم على أقوال شهود الإثبات وتحريات الشرطة وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير والاستعلام الوارد من مديرية أمن مطروح في قيام الجرائم التي دین بها في حقه إذ لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطعن بالتزوير على ورقة من أوراق الدعوى المقدمة فيها من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع والتي لا تلتزم بإجابته لأن الأصل أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث، وكان من المقرر أن المحكمة إذا رأت أن دفاع الطاعن بإحالة دفتر قيد القضايا للطب الشرعي، هو دفاع غير منتج في الدعوى فإنه لا يعيب الحكم التفات المحكمة عن تحقيقه أو الرد عليه ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن غیر سدید. لما كان ذلك، وكان الطاعن يسلم في أسباب طعنه أن طلبه بسماع شهود الإثبات وإحالة محضر المخالفة محل التزوير إلى لجنة ثلاثية من مصلحة الطب الشرعي لفحصه أو ندب خبير استشاري لمناقشته وسماع رأيه الفني، وضم السرکي رقم ٣ مراسلات بمركز شرطة إيتاي البارود والتصريح باستخراج صورة رسمية من أورنيك ۱۷ مرور من إدارة المرور كانت طلبات على سبيل الاحتياط ، وكانت المحكمة غير ملزمة بإجابة طلب الطاعن أو الرد عليه إلا إذا كان طلباً جازماً، أما الطلبات التي تبدي من باب الاحتياط فللمحكمة إن شاءت أن تجيبها، وإن رفضت أن تطرحها من غير أن تكون ملزمة بالرد عليها. مما تنتفي معه عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع في هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان الدفع بعدم ارتكاب الجريمة وانتفائها في حق الطاعن، كل ذلك إنما هو دفاع موضوعي لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً خاصاً أو صريحاً، طالما أن الرد عليه يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم – كما هو الحال في الدعوى -، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي لم ترد في حكمها على تلك الدفوع أو أن تكون قد اطرحتها بالرد عليها إجمالاً، ويكون معه ما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير سدید. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية المستندات التي قدمها أمام المحكمة ولم يعرض الحكم لها حتى يتضح مدى أهميتها في الدعوى المطروحة فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. هذا فضلاً عن أن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية ولمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دلیل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة في الدعوى فإن ما يثيره الطاعن من إعراض الحكم عن المستندات التي قدمها تدليلاً على صحة دفعه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من محضري جلستي المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثيرا شيئاً عن وجود نقص بتحقيقات النيابة العامة ولم يطلبا من محكمة الموضوع تدارك ما شاب تحقيقات النيابة العامة من نقص، فإن ما يثيره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة بما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم. لما كان ذلك، وكان نعي الطاعن على الحكم بالبطلان لإغفاله اسم المدعي بالحقوق المدنية، فمردود بأن هذه البيان لا يكون لازماً إلا في حالة الحكم في الدعوى المدنية لصالح رافعيها والقضاء لهم بالتعويض الذي تقدره المحكمة حتى يتسنى الوقوف على مسوغات هذا القضاء، أما في حالة الحكم بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة -، فإن هذا البيان لا يكون لازماً في الحكم لعدم قيام الموجب لإثباته في مدوناته، وبذلك فلا يكون الحكم مشوباً بالبطلان لإغفاله إيراد ذلك البيان، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك ، وكانت عقوبة العزل عقوبة تبعية وجوبية في جنايتي التزوير في المحررات الرسمية والاشتراك فيه عملاً بالمادة ٢٥ من قانون العقوبات، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات دون أن يقضي بعقوبة العزل فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما كان يؤذن بتصحيحه إلا أنه لما كان المحكوم عليه هو الطاعن وحده، فإن محكمة النقض لا تملك تصحيح هذا الخطأ بإضافة عقوبة العزل، لما في ذلك من إضرار بالطاعن لما هو مقرر من أنه لا يجوز أن يُضار الطاعن بطعنه، وبما يضحى الطعن برمته على غير سند جديراً بالرفض.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة: ــــ بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه .