إجهاض المغتصبة ـ دراسة

إعداد/ الدكتور أحمد عبد الظاهر ـ أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة ـ المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي

مقدمة
«جميلة» هو اسم مسلسل مصري تم عرضه في شهر رمضان 1444ه الموافق (23 مارس – 21 أبريل 2023م). وهذا المسلسل من تأليف أيمن سلامة، وإخراج سامح عبد العزيز، وبطولة ريهام حجاج وسوسن بدر وعبير صبري وأحمد وفيق وهاني عادل ويسرا اللوزي. وتدور أحداث المسلسل حول «جميلة» المحامية، والتي تشغل منصب رئيس أحد فروع النيابة الإدارية، دون علمها، وتعيش حياة أسرية هادئة مع زوجها الطبيب «زياد» واسرتها، ولكن تنقلب حياتها رأساً على عقب عندما يتوفى أبيها، تاركاً جميع أملاكه لها هي فقط، ثم تتوالى الأحداث. وفي الحلقة الأخيرة من مسلسل «جميلة»، كان المشهد الأخير مع مرافعة قوية وأداء رائع للنجمة ريهام حجاج، مطالبة بتشريع ينهى معاناة جميلة ومن مثلها قبل أن تبدأ، حيث تدور مرافعتها حول المطالبة بتشريع جديد لمن حملن دون معرفتهن مؤكدة أنه لابد لهم من استثناء فليس ذنبهن أن تُهدم أسرهن بسبب أشخاص غير أسوياء أو أطماع أو غير ذلك، فهل لها أن تقبل بطفل تعلم جيدا كيف حملت به أو هل على زوجها أن يقبل بتربية طفل ليس ابنه، والأهم هل هذا لن يؤدى في النهاية إلى خلط الأنساب. وتتمثل مأساة «جميلة» تحديداً في أن الأطباء، ويدعى «هشام»، قد قام بإجراء عملية تلقيح صناعي لجميلة، ولكن بدلاً من تلقيحها بحيوانات منوية لزوجها، الدكتور «زياد»، قام بتلقيحها بحيواناته هو المنوية.

ولم يكن هذا هو المسلسل الأول الذي يلقي الضوء على إحدى القضايا الشائكة ذات الصلة بجريمة الاغتصاب. إذ سبقه إلى ذلك مسلسل «قضية رأي عام»، وهو مسلسل مصري عُرض في شهر رمضان 2007م، من إنتاج العدل جروب، وتأليف محسن الجلاد وإخراج المخرج الأردني محمد عزيزية، وبطولة يسرا ورياض الخولي وسمير صبري وإبراهيم يسري. وكان المسلسل قبل أن يبدأ تصويره يحمل اسم «الدكتورة عبلة وذئاب المدينة»، ولكن تم تغييره إلى «قضية رأي عام». وتدور أحداث هذا المسلسل حول الدكتورة عبلة عبد الرحمن (يسرا) طبيبة أطفال تحظى بالاحترام ومعروفة بتفانيها ونزاهتها في عملها، تعود بعد حالة طوارئ في وقت متأخر من الليل مع بعض اثنتين من زميلاتها العاملات معها، إحداهما طبيبة من أسرة صعيدية تدعى الدكتورة حنان (لقاء الخميسي) والأخرى ممرضة حامل تدعى سميحة (ألفت عمر)، وفي الطريق يتعرضن للخطف والاغتصاب من ثلاثة شبان وتدور الأحداث في سياق درامي حول ما يتعرض له المجني عليهن. ووسط كل الضغوط التي تتعرض لها، تسعى «عبلة» للإبلاغ عن الحادث وتسترد حقها بالقانون. ويطرح المسلسل بعض القضايا الحساسة، مثل الإدمان على المخدرات والاغتصاب والقضايا الأخلاقية ونظرة المجتمع إلى المرأة الضحية وكأنها الجانية وليست المجني عليها. وقد أحدث المسلسل ردود أفعال متباينة وضجة قوية، حيث يعتبر أول مسلسل يعرض قضية الاغتصاب صراحة، وقد تباينت آراء الجماهير حوله بين مؤيد لتناول الاغتصاب كمسلسل درامي لحشد الانتباه لهذه القضية ومعارض لعرض ذلك على التليفزيون. وقد انتقد البعض بوجه خاص مشهد الاغتصاب الذي عرض في المسلسل، ومنهم السيدة أحلام حنفي مقرر مجلس حقوق المرأة بالقاهرة آنذاك، والتي انتقدت بشدة الإطالة المبالغ فيها للمشهد.

وإذا كانت الدراما قد أسهمت في إلقاء الضوء على هذه إشكالية إجهاض المغتصبة، فإن فقه القانون الجنائي قد تناول هذه الإشكالية على استحياء، بحيث خصص لها بضعة سطور قليلة، لا تتجاوز في أحسن الأحوال صفحة واحدة (راجع على سبيل المثال: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الرابعة، سنة 2012م، رقم 692، ص 582). بل إن بعض المؤلفات لم تتعرض لهذه الإشكالية على الإطلاق (راجع على سبيل المثال: د. رمسيس بهنام، قانون العقوبات، جرائم القسم الخاص، منشأة المعارف بالإسكندرية، د. ت، رقم 790، ص 939؛ د. فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، وفقاً لأحدث التعديلات، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثالثة، سنة 2012م، ص 517 وما بعدها). أكثر من ذلك أن بعض مؤلفات القانون الجنائي لم تجد غضاضة في عدم التعرض لجريمة الإجهاض من الأساس (راجع على سبيل المثال: د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، القسم الخاص، الكتاب الثاني، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السادسة، مزودة ومنقحة، 2016م). ومن هنا، تبدو أهمية هذه الدراسة.

خطة الدراسة
باستقراء موقف التشريعات العربية بشأن إجهاض المغتصبة، وغيرها من حالات الإجهاض لأسباب أخلاقية، وما إذا كان ذلك مباحاً أم يقع تحت طائلة التجريم، يبدو من المناسب التمييز بين اتجاهات أربعة، نخصص لكل اتجاه منها مطلباً منفصلاً، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: اتجاه إباحة إجهاض المغتصبة.
المطلب الثاني: اتجاه اعتبار الإجهاض اتقاءً للعار عذراً مخففاً.
المطلب الثالث: اتجاه الترخيص في الإجهاض خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل.
المطلب الرابع: التشريعات الخالية من حكم خاص بالإجهاض لأسباب أخلاقية.

المطلب الأول
اتجاه إباحة إجهاض المغتصبة

وفقاً للمادة 135 (1) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م، لا يعد الإجهاض جريمة إذا كان الحمل نتيجة لجريمة اغتصاب. إذ تنص هذه المادة على أن «يعد مرتكباً جريمة الاجهاض من يتسبب قصداً في اسقاط جنين لامرأة، إلا إذا حدث الاسقاط في أي من الحالات الآتية: … (ب) إذا كان الحبل نتيجة لجريمة اغتصاب ولم يبلغ تسعين يوماً ورغبت المرأة في الاسقاط، …». والمستفاد من هذا النص أن المشرع السوداني يجعل الإجهاض مباحاً إذا كان الحمل أو الحبل – على حد وصف المشرع السوداني – نتيجة لجريمة اغتصاب، وبشرط أن يتم الإجهاض قبل بلوغ مدة الحمل أو الحبل تسعين يوماً ورغبت المرأة في ذلك.

وهكذا، يبدو سائغاً القول إن إباحة جريمة الاغتصاب وفقاً لهذه الحالة منوط بتوافر شروط ثلاثة: أولها، أن يكون الحمل ناتجاً عن جريمة اغتصاب. وثانيها، أن يتم الإجهاض قبل بلوغ مدة الحمل تسعين يوماً. أما ثالثها، أن ترغب المرأة في الإجهاض، فلا يجوز إجبارها على ذلك أو أن يقوم به أحد أقاربها أو ذويها بدون إرادتها أو بدون علمها أو عدم رضاها. وجدير بالذكر هنا أن المشرع استخدم تعبير «رغبت المرأة في ذلك»، ولم يستخدم لفظ «رضاها». ونعتقد أن المقصود بهذا الشرط هو أن تعبر المرأة صراحة عن إرادتها في إجهاض نفسها وإسقاط الجنين. فلا يكفي مجرد الرضا.

ويمكن أن ندرج القانون البحريني ضمن هذا الاتجاه، وذلك على الرغم من عدم اشتماله على نص صريح بهذا الشأن. بيان ذلك أن المادة (321) من قانون العقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976م تنص على أن «تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسين ديناراً من تجهض نفسها بغير مشورة طبيب وبمعرفته». ولعل ما يستدعي الملاحظة والإشارة إليه في هذا النص أن تجريم سلوك المرأة التي تجهض نفسها ووقوعها بالتالي تحت طائلة العقاب مرهون بأن يكون ذلك الإجهاض بغير مشورة طبيب. فإذا كان بمشورة الطبيب وبمعرفته، فلا عقاب. واستشارة الطبيب ينبغي أن يكون موضوعها مسألة طبية. فلا يجوز أن يكون موضوع الاستشارة خارجاً عن النطاق الطبي. فإذا حدثت استشارته في مسألة غير طبية، فإن هذه الاستشارة لا يعول عليها، ولا تترتب عليها أي آثار قانونية. وإذا حدثت استشارة الطبيب في موضوع الإجهاض، وطُلب منه إجراء الإجهاض، فإن المادة التاسعة عشرة من المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان تحدد الحالات التي يحق فيها للطبيب إجهاض المرأة، بنصها على أن «لا يحق لأي طبيب وصف دواء بقصد إجهاض امرأة حامل، أو إجراء عملية إجهاض لها إلا إذا كان في استمرار الحمل خطر على حياة الحامل، وبشرط أن يقرر ذلك ثلاثة أطباء استشاريين مصرح لهم بمزاولة المهنة في البحرين، وفى هذه الحالة يجب أن تتم عملية الإجهاض أو وصف دواء بقصد الإجهاض في مستشفى حكومي أو أي مستشفى خاص مصرح له بذلك وعلى يد طبيب اختصاصي في أمراض النساء والولادة وبعد أخذ موافقة ولى أمر المرأة الحامل». غير أن المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان قد ورد خلواً من النص على عقوبة جنائية للطبيب الذي يخالف الحظر سالف الذكر. ومن ناحية أخرى، وطبقاً للمادة (322) من قانون العقوبات البحريني، «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من أجهض امرأة دون رضاها. وتكون العقوبة السجن إذا أفضت مباشرة الإجهاض إلى موت المجني عليها». والمستفاد من هذا النص أن إجهاض الغير للحامل لا يكون مجرماً إلا إذا كان بغير رضاها. فإذا كان برضا منها، فإن فعله لا يقع تحت طائلة التجريم والعقاب الوارد في هذا النص. ومن ناحية ثالثة، فإن المادة (323) من قانون العقوبات البحريني تنص على أن «لا عقاب على الشروع في الإجهاض». ومن ثم، فإن الإجهاض في ظل قانون العقوبات البحريني لا يقع تحت طائلة التجريم والعقاب إلا في الأحوال الآتية:
– إذا قامت المرأة بإجهاض نفسها، دون استشارة الطبيب وبدون معرفته. والعقوبة المقررة في هذه الحالة هي الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة. ويعني ذلك أن عقوبة الحبس هنا جوازية للقاضي، بحيث يكون بالخيار بينها وبين عقوبة الغرامة. وهذه العقوبة مخففة إلى حد كبير إذا قورنت بالعقوبات المقررة لجريمة الإجهاض في التشريعات العربية الأخرى.
– إذا قام الغير بإجهاض المرأة بدون رضاها. وهذا الغير قد يكون طبيباً وقد يكون غير طبيب. وقد تشدد المشرع في مواجهة هذه الجريمة، معتبراً إياها جناية، معاقباً عليها بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات. وتكون العقوبة السجن إذا أفضى الإجهاض مباشرة إلى موت المجني عليها. ولعل ما يسترعي الانتباه في هذا الصدد هو أن المشرع يقرر عقوبة السجن المؤقت في حده الأقصى العام، إذا أفضى الإجهاض إلى موت المجني عليها. ويسترعي الانتباه أيضاً أن المشرع يستلزم لجواز توقيع عقوبة السجن في حده الأقصى العام أن يفضي الإجهاض «مباشرة» إلى وفاة المجني عليها.
– أن تقع الجريمة تامة، ولا تقف عند حد الشروع.

وإذا كان هذا هو موقف المشرع البحريني من جريمة الإجهاض بوجه عام، فلنا أن نتصور الموقف من جريمة الإجهاض لأسباب أخلاقية عموماً، وإجهاض المغتصبة على وجه الخصوص، بحيث يبدو سائغاً أن نستخلص تسامحاً تشريعياً وقضائياً مع هذا السلوك.

المطلب الثاني
اتجاه اعتبار الإجهاض اتقاءً للعار عذراً مخففاً

تقرر بعض التشريعات الجنائية العربية اعتبار الإجهاض اتقاءً للعار عذراً مخففاً. وغني عن البيان أن الأعذار المخففة هي «حالات حددها الشارع على سبيل الحصر يلتزم فيها القاضي بأن يهبط بالعقوبة المقررة للجريمة وفقاً لقواعد معينة في القانون» (د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم العام، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة السادسة، 1989م، رقم 913، ص 820). فعلى سبيل المثال، وطبقاً لقانون العقوبات الأردني لسنة 1960م، تستفيد من عذر مخفف، المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين (322 و323) للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثالثة. فوفقاً للمادة (324) من قانون العقوبات الأردني، «تستفيد من عذر مخفف، المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين (322 و323) للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثالثة».

وبدورها، تنص المادة (545) من قانون العقوبات اللبناني رقم 340 لسنة 1943م على أن «تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تطرح نفسها محافظة على شرفها وكذلك يستفيد من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين اﻟ 542 و543 للمحافظة على شرف أحد فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية». وبالعبارات ذاتها تقريباً، مع اختلاف فقط في أرقام المواد، تنص المادة (531) من قانون العقوبات السوري رقم 148 لسنة 1949م على أن «تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تطرح نفسها محافظة على شرفها. ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين اﻟ 528 و529 للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية».

ويمكن أن نضع في هذا الاتجاه قانون الجزاء العماني، وذلك على الرغم من أن المشرع لم يستخدم مصطلح «العذر المخفف». فوفقاً للمادة (315) من قانون الجزاء، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/ 2018، «تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر، ولا تزيد على (3) ثلاث سنوات كل امرأة أجهضت نفسها عمدا بأي وسيلة كانت أو مكنت غيرها من ذلك برضاها. وتكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن (10) عشرة أيام، ولا تزيد على (3) ثلاثة أشهر إذا أجهضت المرأة نفسها أو مكنت غيرها من ذلك اتقاء للعار». إذ يقرر المشرع عقوبة مخففة لمن تجهض نفسها أو تمكن غيرها من ذلك اتقاءً للعار. والواقع أن الحكم الخاص باعتبار الإجهاض اتقاءً للعار عذراً مخففاً هو حكم مستحدث في القانون العماني، وليس له مقابل في قانون الجزاء العماني الملغي رقم 7/ 74 بإصدار قانون الجزاء العماني.

كذلك، يمكن أن نضع في هذا الاتجاه قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969م، وذلك على الرغم من أن المشرع العراقي قد استخدم تعبير «الظرف القضائي المخفف» بدلاً من مصطلح «العذر المخفف». إذ تنص المادة (417) من قانون العقوبات العراقي على أن «1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل امرأة اجهضت نفسها بأية وسيلة كانت او مكنت غيرها من ذلك برضاها. 2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها من أجهضها عمدا برضاها. وإذا افضى الاجهاض أو الوسيلة التي استعملت في إحداثه ولو لم يتم الاجهاض إلى موت المجني عليها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات. 3- ويعد ظرفا مشددا للجاني إذا كان طبيبا أو صيدليا أو كيميائيا أو قابلة او أحد معاونيهم. 4- ويعد ظرفاً قضائياً مخففاً إجهاض المرأة نفسها اتقاء للعار إذا كانت قد حملت سفاحا. وكذلك الأمر في هذه الحالة بالنسبة لمن أجهضها من أقربائها إلى الدرجة الثانية». وكما سبق أن قلنا، ورغم أن المشرع قد استخدم تعبير الظروف القضائية المخففة، ولم يستخدم مصطلح الأعذار المخففة، فإن المراد هنا هو تقرير عذر قانوني مخفف، دون أن يكون الأمر متروكاً لمحض تقدير القاضي. وسندنا في ذلك أن الأثر القانوني المترتب على الظرف القضائي المخفف – كما هو مبين بالمادة 133 عقوبات – أنه «إذا توفر في الجنحة ظرف رأت المحكمة أنه يدعو إلى الرأفة بالمتهم جاز لها تطبيق أحكام المادة (131)». وبالرجوع إلى المادة (131) عقوبات عراقي، نجدها تنص على أنه «إذا توفر في الجنحة عذر مخفف يكون تخفيف العقوبة على الوجه الآتي:
إذا كان للعقوبة حد أدنى، فلا تتقيد به المحكمة في تقدير العقوبة.
وإذا كانت العقوبة حبساً وغرامة فقط، حكمت المحكمة بإحدى العقوبتين.
وإذا كانت العقوبة حبساً غير مقيد بحد أدنى، حكمت المحكمة بالغرامة بدلاً منه».

وفي ضوء ما سبق، ولما كانت العقوبة المقررة أصلاً لجريمة الإجهاض طبقاً للمادة (417) عقوبات عراقي هي الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، لذا فإن المحكمة يقع ضمن سلطتها التقديرية الحكم بإحدى عقوبتي الحبس أو الغرامة، دونما حاجة للاستناد إلى الظرف القضائي المخفف، ودونما حاجة إلى بيان هذا الظرف في أسباب حكمها. ومن ثم، فإن النص على الظرف القضائي المخفف يكون لغواً في هذه الحالة. والقاعدة التفسيرية تقول بتنزيه المشرع عن العبث واللغو، وأن إعمال النص خير من إهماله، فضلاً عن أن الأصول التفسيرية تقضي باتباع المنهج الغائي في التفسير بدلاً من المنهج الحرفي. ومنظوراً للأمور على هذا النحو، وحتى يكون للنص معنى وأثر قانوني، نرى أن مراد الشارع هنا هو اعتبار الإجهاض اتقاءً للعار عذراً مخففاً يلتزم القاضي بإعمال مضمونه، وليس مجرد ظرف مخفف. ويشفع لهذا التفسير كذلك أن الأعذار تكون – طبقاً للمادة 128 عقوبات عراقي – في الأحوال التي يعينها القانون، بينما الظروف المخففة – وفقاً للمادة 133 عقوبات عراقي – غير محددة، وإنما تستخلصها المحكمة من ظروف الجريمة، وبحيث ترى في هذا الظرف ما يدعو إلى الرأفة بالمتهم. ولما كان المشرع قد نص صراحة على اتقاء العار كظرف مخفف، لذا يبدو أن المقصود الحقيقي للمشرع هو اعتباره عذراً مخففاً.

وفي اعتقادنا أن هذه النصوص تتناول حالة المرأة التي حملت سفاحاً، أي من خلال علاقة جنسية رضائية غير مشروعة خارج إطار الزواج، إذا قامت بإجهاض نفسها، اتقاءً للعار، بحيث يقرر لها المشرع عقوبة مخففة. وإذا كان هذا هو شأن المرأة الزانية، فإن موقف المرأة المغتصبة لا يجوز أن يكون أكثر سوءاً. بل إننا نعتقد بأن التفكير السليم قد يقود إلى التفكير في إباحة فعل المغتصبة في هذه الحالة، لاسيما وأن العديد من الفتاوى المعاصرة الصادرة عن جهات رسمية تسير في اتجاه إباحة إجهاض المغتصبة، بشروط وضوابط معينة. بل إن بعض الفتاوى تتجه إلى إباحة إجهاض المغتصبة دونما ضوابط أو قيود.

رأي مجلس الإفتاء الأردني بشأن حكم إجهاض الحمل الناتج عن الاغتصاب
بتاريخ السادس عشر من شهر ذو القعدة 1435ه الموافق الحادي عشر من سبتمبر 2014م، وفي قراره رقم (204) (14/ 2014م)، بين مجلس الإفتاء الأردني حكم إجهاض الحمل الناتج عن الاغتصاب، مؤكداً أن مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية في جلسته الحادية عشرة المنعقدة يوم الخميس (16/ ذو القعدة/ 1435هـ)، الموافق (11 /9/ 2014م) قد اطلع على الأسئلة الواردة من بعض المواطنين الكرام حيث جاء فيها: «ما حكم إجهاض الجنين المتكون من اغتصاب في حال زنا المحارم». وبعد الدراسة ومداولة الرأي، قرر المجلس ما يأتي:
جريمة الاغتصاب من أعظم الجرائم؛ لما فيها من عدوان على الكرامة الإنسانية، وإيذاء للنفس البشرية، حتى عدها كثير من العلماء من “الحرابة” التي تعد إفساداً في الأرض، وانتهاكاً لأعراض الخلق، لذلك كان لهم ما قال الله عز وجل في الحرابة: (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة/33.

ولما كان الحمل الناتج عن هذه الجريمة سبباً في تعظيم أذاها وإثارة الفتنة والعداوة في المجتمع، رأى مجلس الإفتاء إرشاد الضحية إلى مراجعة دائرة الإفتاء للنظر في ملابسات القضية، والاطلاع على ظروف الحمل وما يؤثر في الحكم الشرعي، لتنظر كل حالة على حدة، وتصدر الفتوى بخصوصها بما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، فالضرورات تقدر بقدرها. نسأل الله السلامة والعافية. والله تعالى أعلم.

المطلب الثالث
اتجاه الترخيص في الإجهاض خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل

تبنى المشرع التونسي اتجاهاً متسامحاً مع الإجهاض، أياً كان الدافع إليه، متى تم خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل. فوفقاً للفصل 214 الفقرة الثالثة من المجلة الجزائية التونسية، «يرخص في إبطال الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى منه من طرف طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو في مصحة مرخص فيها».

والبين من النص سالف الذكر أن إباحة الإجهاض مرهونة بتوافر شرطين: أولها، يتعلق بمدة الحمل، إذ يلزم أن يتم الإجهاض خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل. فإذا تم الإجهاض بعد مرور هذه المدة، فلا إباحة ولا ترخيص في إبطال الحمل بهذه الحالة. وثانيها، يتعلق بصفة القائم به، بحيث يلزم أن يتم الإجهاض بواسطة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو في مصحة مرخص فيها. وبالإضافة إلى الشرطين السابقين، ثمة شرط آخر مستفاد ضمناً، وهو أن يكون الإجهاض برضا المرأة. فلا يجوز أن يقوم شخص بإجهاض امرأة دون رضاها، ولو كان هذا الشخص هو زوجها أو أحد أقاربها. بيان ذلك أن صدر الفقرة الثالثة من الفصل 214 قد جاءت بصيغة المبني للمجهول، وهي صيغة غير محمودة في الصياغة التشريعية. كذلك، جاءت صياغة الفقرة خلواً من بيان المرخص له في إبطال الحمل. ومع ذلك، وبالنظر لأن النصوص الجنائية ونصوص التجريم والعقاب ينبغي أن يتم تفسيرها في ضوء القواعد العامة للقانون الجنائي.

وفي ظل هذا النهج التشريعي، تنتفي الحاجة للبحث في مدى مشروعية إجهاض المغتصبة على وجه الخصوص. إذ يرخص المشرع التونسي في إبطال الحمل متى تم ذلك خلال الثلاثة أشهر الأولى من الحمل، أياً كان السبب الدافع إليه.

المطلب الرابع
التشريعات الخالية من حكم خاص بالإجهاض لأسباب أخلاقية

باستثناء التشريعات سالفة الذكر في المطالب الثلاثة الأولى من هذا البحث، تخلو معظم التشريعات العربية من حكم خاص بشأن الإجهاض لأسباب أخلاقية عموماً، وتخلو بالتالي من النص على حكم إجهاض المرأة المغتصبة. وبعض هذه التشريعات وردت خلواً من النص على أي سبب للإباحة، يستوي في ذلك أن يكون الإجهاض لأسباب طبية أو أخلاقية أو اجتماعية أو اقتصادية. ولعل أبرز مثال على ذلك هو قانون العقوبات المصري. إذ وردت النصوص الحاكمة للإجهاض في قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937م، عامة ولم تفرد نصاً خاصاً بإجهاض المرأة المغتصبة، كما لم تفرد نصاً خاصاً يبيح الإجهاض لأي سبب آخر (راجع: المواد من 260 إلى 264 من قانون العقوبات).

وفي الإطار ذاته، ورغم أن بعض التشريعات العربية تنص على بعض الأسباب لإباحة الإجهاض، فإن هذه التشريعات لم تتضمن حكماً خاصاً بالإجهاض لأسباب أخلاقية بوجه عام واجهاض المغتصبة على وجه الخصوص. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، وبالاطلاع على قانون الجرائم والعقوبات، الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021م، نجد أنه لم يورد حكماً خاصاً لإجهاض المرأة المغتصبة. إذ تنص المادة (391) منه على أن «تعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تزيد على (10.000) عشرة آلاف درهم أو بالعقوبتين معاً كل حبلى أجهضت نفسها عمداً بأية وسيلة كانت. كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين أو بالغرامة التي لا تقل عن (10.000) عشرة آلاف درهم من أجهضها عمداً برضاها بأية وسيلة كانت. فإذا كان من أجهضها طبيباً أو جراحاً أو صيدلانيّاً أو قابلة أو أحد الفنيين كانت العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على (5) خمس سنوات، وذلك دون الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر. ويعاقب بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على (7) سبع سنوات من أجهض عمداً حبلى بغير رضاها. ويعاقب على الشروع في ارتكاب أحد الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة بنصف العقوبات المقررة فيها». أما عن أسباب إباحة الإجهاض وشروطه وضوابطه حال تحقق أحد هذه الأسباب، فقد ورد بيانها في المادة السادسة عشرة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية، بنصها على أن «لا يجوز للطبيب أن يجري أية عملية إجهاض أو أن يصف أي شيء من شأنه إجهاض حامل إلا في الحالتين التاليتين:
1- إذا كان في استمرار الحمل خطراً على حياة الحامل وبالشروط الآتية:
أ) ألا تكون هناك أية وسيلة أخرى لإنقاذ حياة الحامل غير الإجهاض.
ب) أن يتم الإجهاض بمعرفة طبيب متخصص في أمراض النساء والولادة وموافقة الطبيب المعالج للحالة المرضية المبررة للإجهاض.
ج) أن يحرر محضر بتعذر الولادة الطبيعية وبيان السبب المبرر للإجهاض بمعرفة الأطباء المعنيين على أن توقع عليه الحامل وزوجها أو وليها في حالة تعذر الحصول على موافقتها بما يفيد الموافقة على إجراء عملية الإجهاض ويحتفظ كل طرف من الأطراف المعنية بنسخة منه، ولا تشترط موافقة أي منهم في الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلاً جراحياً فورياً.
2- إذا ثبت تشوه الجنين وبالشروط الآتية:
أ) أن يكون الإجهاض بناء على طلب كتابي من الزوجين.
ب) ألا يكون قد مر على الحمل مائة وعشرون يوماً.
ج) أن يثبت التشوه بتقرير لجنة طبية تضم استشاريين في تخصص أمراض النساء والولادة والأطفال والأشعة.
د) أن يكون تقرير اللجنة مبنياً على الفحوص الطبية واستخدام التقنيات المتعارف عليها علمياً.
هـ) أن يكون الجنين مشوها تشوهاً خطيراً غير قابل للعلاج بحيث يؤدي إن ولد حياً إلى أن تكون حياته سيئة وتسبب آلاماً له ولأهله».

وفي المملكة العربية السعودية، وبالنظر لعدم وجود قانون عقوبات عام في المملكة، ونظراً لأن هذه الجريمة تتم في الأغلب الأعم من الأحوال من خلال مزاولي المهن الصحية، لذا فقد ورد النص على حظر الإجهاض والحالات المستثناة من هذا الحظر، وذلك في المادة الثانية والعشرين من المرسوم الملكي رقم م /59 بتاريخ 4/11/1426هـ بالموافقة على نظام مزاولة المهن الصحية، بنصها على أن «يحظر على الطبيب إجهاض امرأة حامل إلا إذا اقتضت ذلك ضرورة إنقاذ حياتها. ومع ذلك يجوز الإجهاض إذا لم يكن الحمل أتم أربعة أشهر، وثبت بصورة أكيدة أن استمراره يهدد صحة الأم بضرر جسيم، ويثبت هذا الأمر بقرار من لجنة طبية تشكل طبقاً للشروط والأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا النظام». وبالاطلاع على قرار وزارة الصحة رقم2278597 بتاريخ 3/ 12/ 1440هـ بالموافقة على اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 59) وتاريخ 4/ 11/ 1426هـ، نجد أن المادة الثانية والعشرين منها تنص على أن «22-1 تضمن قرار هيئة كبار العلماء رقم 140 وتاريخ 20/ 6/ 1407هـ الضوابط التالية:
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر متوقع جاز إسقاطه أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم أو تعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من أولاد فغير جائز.
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه بأن يخشى عليها من الهلاك من استمراره جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار.
4- بعد الطور الثالث وبعد إكمال أربعة أشهر للحمل لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من المختصين الموثوقين أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإنقاذ حياته، وإنما رخص الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجنياً لعظمى المصلحتين.
22-2 يشكل مدير المستشفى الذي يوجه به قسم الولادة أو من ينوبه لجنة لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة أطباء استشاريين أو أخصائيين يكون بينهم استشاري أو أخصائي بالمرض الذي من أجله أوصى بإنهاء الحمل، يقومون بإعداد تقرير يوضح فيه نوع الخطورة المذكورة المؤكدة التي تهدد صحة الأم فيما لو استمر الحمل ويوقع من جميع أعضاء اللجنة ثم يعتمد من مدير المستشفى أو من ينوبه، وفي حالة التوصية بالإجهاض يوضح ذلك للمريضة وزوجها أو ولي أمرها ثم تؤخذ موافقتهم الخطية على ذلك.
22-3 لا يجوز صرف أدوية مسقطة للأجنة أو تسهيل صرفها، كما لا يجوز لأي ممارس صحي آخر القيام به لغرض إجراء إجهاض غير مسموح به شرعاً». أما عن العقوبة المقررة لجريمة الإجهاض في القانون السعودي، فقد ورد بيانها في المادة الثامنة العشرين من نظام مزاولة المهن الصحية على أنه «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أنظمة أخرى، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من: … 7- خالف أحكام المواد: (السابعة) فقرة (ب)، و (التاسعة)، و(الحادية عشرة)، و(الرابعة عشرة) الفقرتين (أ، و)، و(التاسعة عشرة)، و(العشرين)، و(الثانية والعشرين)، و(الثالثة والعشرين)، و(الرابعة والعشرين)، و(السابعة والعشرين) فقرة (3)، من هذا النظام».

في دولة الكويت، ورد قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم (16) لسنة 1960م خلواً من النص على حكم خاص بإجهاض المرأة المغتصبة، وبحيث جاءت نصوصه في حكم الإجهاض عامة (يراجع: المواد 174 و176 و177 من قانون الجزاء). ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المادة 175 من قانون الجزاء تنص على أن «لا عقوبة على من أجهض امرأة حاملاً إذا كان متوافراً على الخبرة اللازمة، وفعل ذلك وهو يعتقد بحسن نية أن هذا العمل ضروري للمحافظة على حياة الحامل». ورغم أن هذا النص قد ورد في عبارات عامة تبتعد كثيراً عن التحديد المطلوب في النصوص الجنائية، فإننا نعتقد أن لا علاقة له بالإجهاض لأسباب أخلاقية. وربما يكون بيان المادة 175 من قانون الجزاء والحالات التي ينطبق عليها قد ورد في المادة السابعة عشرة من القانون رقم (70) لسنة 2020 بشأن مزاولة مهنة الطب والمهن المساعدة لها وحقوق المرضى والمنشآت الصحية، بنصها على أن «يحظر على الطبيب إجهاض أي امرأة حامل إلا في الأحوال الاستثنائية الآتية:
1- إذا كان الإجهاض لازماً لإنقاذ حياة الأم.
2- إذا كان استمرار الحمل يضر بصحة الأم ضرراً جسيماً.
3- إذا ثبت علمياً أن الجنين سيولد مصاباً على نحو جسيم بتشوه بدني أو قصور عقلي لا يرجى البرء منه، وذلك بعد الحصول على موافقة مسبقة مكتوبة وصريحة من الزوج والزوجة على الإجهاض.
ويجرى الإجهاض وفقاً لحكم هذه المادة في مستشفى حكومي أو أهلي، ويتم بناءً على موافقة مكتوبة وموقعة بالإجماع من قبل لجنة طبية يشكلها مدير المستشفى من ثلاثة أطباء متخصصين في مجال أمراض النساء والولادة على أن يكون رئيسها بمستوى استشاري، ويجوز للجنة الاستعانة بمن تحتاجه من الأطباء في التخصصات الأخرى.
ويصدر قرار من الوزير بشأن الشروط الواجب توافرها في أعضاء اللجنة الطبية المشار إليها، والإجراءات الواجب اتخاذها، والمعايير الطبية اللازمة والمعتمدة لإجراء هذه العملية، وذلك بالإضافة إلى الضوابط المنظمة لحالات الضرورة العاجلة».

وفي دولة قطر، وبمطالعة قانون العقوبات، الصادر بالقانون رقم (11) لسنة 2004م، نجد أن نصوص تجريم الإجهاض في هذا القانون قد وردت عامة، ولم تفرد نصاً خاصاً لإجهاض المرأة المغتصبة (يراجع: المواد من 315 إلى 317 من قانون العقوبات). ورغم أن المادة (317) من قانون العقوبات قد أشارت إلى الإجهاض بعذر طبي، فإن المشرع لم يشير من قريب أو بعيد إلى الإجهاض لأسباب أخلاقية. إذ تنص المادة (317) من قانون عقوبات قطر على أن «تُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات المرأة التي رضيت، بدون عذر طبي، تناول أدوية، أو استعمال وسائل مؤدية للإجهاض، وأدى ذلك إلى إجهاضها». وبشكل أكثر تحديداً، تنص المادة السابعة عشرة من القانون رقم (2) لسنة 1983 في شأن مزاولة مهنتي الطب البشري وطب وجراحة الأسنان على أن «يحظر على الطبيب إجهاض امرأة حامل إلا لإنقاذ حياتها، ومع ذلك إذا لم يكن الحمل قد أتم أربعة أشهر، يجوز الإجهاض في الحالتين الآتيتين:
(أ) إذا كان بقاء الحمل يضر بصورة أكيدة بصحة الأم ضرراً جسيماً.
(ب) إذا ثبت أن الجنين سيولد مصاباً – على نحو جسيم – بتشوه بدني أو قصور عقلي لا يرجى البرء منه، وبشرط أن يوافق الزوجان على الإجهاض.
ويجب أن تجرى عملية الإجهاض المشار إليها في مستشفى حكومي وبقرار من لجنة طبية مشكلة من ثلاثة أطباء أخصائيين أحدهم على الأقل متخصص في أمراض النساء والتوليد.
ويصدر قرار من وزير الصحة العامة بالشروط الواجب توافرها في أعضاء اللجنة الطبية المشار إليها والإجراءات الواجب اتخاذها لإجراء هذه العملية».

وإزاء خلو هذه التشريعات من نص صريح في هذا الشأن، فإن التساؤل يثور عن حكم الإجهاض لأسباب أخلاقية، وما إذا كان يقع تحت طائلة التجريم طبقاً للنصوص العامة في تجريم الإجهاض، أم أن ثمة سبب إباحة يجد مصدره في أحكام الشريعة الإسلامية أو في أي مصدر آخر. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن بعض مؤلفات القسم الخاص من القانون الجنائي قد تناولت إجهاض المغتصبة تحت عنوان «الإجهاض لأسباب أخلاقية»، وبحيث تشير إلى الحالات كافة التي يكون فيها الحمل مصدر عار للحامل، مؤكدة أنه يدخل في نطاق هذه الحالة أن يكون الحمل ثمرة لجريمة، كاغتصاب أو تلقيح صناعي أجري بدون رضاء المرأة، فلم تفرد هذه المؤلفات عنواناً خاصاً لحالة إجهاض المغتصبة (راجع على سبيل المثال: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، المرجع السابق، رقم 692، ص 582).

والواقع أن ثمة فارق كبير بين المغتصبة وبين من حملت سفاحاً نتيجة جريمة الزنا. فلا يجوز التسوية بينهما في الحكم. وإذا كان يمكن الحديث عن العار في الحالة الثانية، فلا مجال له في الحالة الأولى، ولو كانت نظرة المجتمع إلى المجني عليها في جريمة الاغتصاب كما لو كانت جانية.

ومنظوراً إلى الأمور على هذا النحو، وإدراكاً للفارق بين إجهاض المغتصبة وإجهاض الحامل سفاحاً، فإن الأمر مرجعه إلى الاجتهاد القضائي. وفي هذا الشأن، نرى من الملائم ابتداءً الإشارة إلى أن محكمة النقض المصرية رفضت إباحة الإجهاض الذي لم يتجاوز أربعة أشهر استناداً إلى أن الشريعة الإسلامية تبيح ذلك وإلى أن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح كل فعل ارتكب عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة، مقررة أن «تحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطاً بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانيها العقاب الذي فرضه الشارع لفعلته، وأن إباحة الشريعة الإسلامية إجهاض الحمل الذي لم يتجاوز أربعة أشهر ليس أصلاً ثابتاً في أدلتها المتفق عليها وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم» (نقض 23 نوفمبر سنة 1959م، الطعن رقم 1193 لسنة 29 القضائية، مجموعة أحكام محكمة النقض، س 10، رقم 195، ص 952). وفي ذلك، تقول المحكمة الكائنة على قمة القضاء العادي في مصر إنه «لما كان ذلك وكان قانون العقوبات قد أورد في الباب الثالث من الكتاب الثالث نصوص جرائم إسقاط الحوامل في المواد 260 إلى 263, فإن ما عرض إليه الطاعن في دفاعه أمام محكمة الموضوع من أن الشريعة الإسلامية تبيح إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر وأن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح ما تبيحه الشريعة – ما عرض إليه الطاعن من ذلك لا يكون مقبولا ما دام القانون يعاقب على الاسقاط ويجعل منه فعلا محرما، ولأن المادة 60 إنما تبيح الأفعال التي ترتكب عملا بحق قرره القانون بصفة عامة, وتحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطا بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانبها العقاب الذي فرضه الشارع لفعلته، ولا يعيب الحكم أن لا يتناول في أسبابه هذا الدفاع ويرد عليه لأن هذا الرد مستفاد من سياق الحكم وما هو ماثل فيه من الوقائع التي أسندت للمتهمين بوصف كونها جرائم تنطبق عليها المواد 260 و263 و236 و40/ 1 – 2 و41 من قانون العقوبات، إلا أنه بالنظر إلى أن الطاعن قد أورد ما أثاره أمام محكمة الموضوع في خصوص هذا الدفع على الصورة التي ضمنها الوجه الأول من أسباب طعنه, فإن هذه المحكمة لا ترى بدا من أن تشير إلى أن ما يقوله الطاعن من إباحة الشريعة الإسلامية إجهاض الحمل الذي لم يتجاوز أربعة أشهر ليس أصلا ثابتا في أدلتها المتفق عليها وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم، ولا محل للاعتراض بالرأي الذي يظاهر ما يذهب إليه الطاعن تلقاء الوضع القائم في التشريع المعمول به من تحريم هذا الفعل كما سلف القول». وقد بين المطعون فيه واقعة الدعوى التي صدر بشأنها هذا الحكم «فيما قاله من أن المتهم الثاني تزوج بالمجني عليها ورزق منها بثلاث بنات ولما حملت للمرة الرابعة استقرت رغبته ورغبة زوجته عن المزيد من الأطفال، فاتفقا على إجهاضها ولجأ الزوج في ذلك إلى صديقه المتهم الأول وهو طبيب مبتدئ واجتمع رأيهما على أن يحضر المتهم الثاني زوجته في يوم الأحد 4 من ديسمبر سنة 1955 وهو يوم العطلة الأسبوعية حين لا يكون في العيادة أحد من المرضى أو الخدم وغادر الزوجان منزلهما في صباح ذلك اليوم وتوجها إلى تلك العيادة بدائرة قسم بولاق وقام المتهم الأول بتخدير المجني عليها وأجرى لها جراحة كحت لإفراغ محتويات الرحم, ونظرا لقلة خبرته فقد أحدث انثقابا بالرحم وتمزقا في الأمعاء والمساريقا، ونشأ عن ذلك نزيف أدرك منه المتهم الأول سوء ما فعل، فاتصل تليفونيا بزميله الدكتور… بمستشفى عانوس ووصف له الحالة واتفقا على نقل المجني عليها إلى مستشفى عانوس الذي يعمل به الدكتور… فلما فحص هذا الأخير المجني عليها وجد عندها نزيفا نشأ عن تمزق في عنق الرحم ورأى إجراء عملية فتح بطن لاستكشاف الأسباب وليتمكن من إجراء الجراحة الضرورية وأخذ إقرارا كتابيا على الزوج بقبوله إجراء هذه الجراحة وإذ أجراها ظهر له وجود تهتك في الرحم، وفي جزء من مساريقا الأمعاء الدقاق وأن الجنين غير موجود وقد استلزمت الحالة استئصال الرحم والجزء المصاب من الأمعاء وقد ظل الدكتور… يواصل العناية بالمجني عليها حتى لاحظ يوم 8 من ديسمبر أعراضا تدل على حدوث شلل ثانوي في الأمعاء وحاول معالجة هذه الظاهرة ولكن أخذت حالة المجني عليها تسوء حتى توفيت في صباح يوم الجمعة 9 من ديسمبر نتيجة التهاب بريتوني حاد مضاعف لانثقاب الرحم وتمزق الأمعاء والمساريقا». والبين من مطالعة هذه الوقائع أن الحكم لا علاقة له بالإجهاض لأسباب أخلاقية. ولذلك، يبدو من الطبيعي أن ترفض المحكمة القول بإباحة الإجهاض في جميع الأحوال، وأياً كان السبب الدافع له، متى تم ذلك قبل أن يتجاوز الحمل أربعة أشهر. إذ يعني ذلك تقييد عموم نصوص تجريم الإجهاض، خلافاً لإرادة المشرع في هذا الشأن.

ومن ثم، نرى أن ينحصر التساؤل عما إذا كان الفقه الإسلامي يجيز إجهاض المغتصبة على وجه الخصوص، منظوراً في ذلك إلى أن هذا الحمل قد جاء على غير إرادتها، ومن شأنه أن يلحق أبلغ الأضرار بها، ويتعذر نسبة الطفل إلى والده المغتصب. وحتى على فرض نسبته إلى أبيه، فإن ذلك قد يكون مقصود المغتصب، لاسيما وأن بعض الشباب قد يتقدمون لخطبة إناث، فإذا ما رفضت البنت أو رفض أبوها تزويجها منه، قام باغتصابها لإكراهها على القبول بالأمر الواقع.

ومع ذلك، وفي الإجابة عن هذا التساؤل، يبدو أن بعض الفقه الجنائي الوضعي يرفض الاعتراف بإباحة الإجهاض في حالة الحمل الناتج عن جريمة الاغتصاب، حيث يذهب إلى أن «سبب الإباحة الذي تثير هذه الحالة التساؤل عن مدى توافر شروطه هو الدفاع الشرعي عن الشرف. نعتقد أن هذه الشروط غير متوافرة لأن الفعل غير موجه إلى من صدر عنه الاعتداء، فقد صدر هذا الاعتداء عن الرجل الذي ارتكب الاغتصاب، ولكن الفعل الذي وقع عدواناً على حق الجنين، وله في القانون استقلاله عن ذلك الرجل، وتأبى السياسة الجنائية أن يعترف الشارع بهذا الإجهاض: فمن ناحية ليست المرأة في حاجة إليه، فلها حق الدفاع الشرعي ضد الرجل الذي يحاول الاعتداء على عرضها، ولها كذلك الحق في الحيلولة دون الحمل باستعمال الوسائل التي من شأنها ذلك. فإذا ما حصل الحمل كان له الحق في النمو والميلاد الطبيعي الذي لا يجوز للحامل الاعتداء عليه. ومن ناحية ثانية، يخشى أن يؤدي الاعتراف بهذا الإجهاض إلى إساءة استعماله حين يكون ثمرة علاقة جنسية رضيت بها المرأة ثم تخلع عليها مظهراً إجرامياً توصلاً إلى إباحة الإجهاض. ولكن يرد على هذا الأصل تحفظ: فإذا توافرت لهذا الإجهاض مقتضيات العمل العلاجي، كما لو كانت المجني عليها في الاغتصاب طفلة أو مريضة لا تقوى على احتمال الحمل أو الولادة أو كان محققاً إقدامها على الانتحار أبيح الإجهاض استناداً إلى الاعتبارات الطبية» (د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، المرجع السابق، رقم 692، ص 582 و583).

ولعل مما يسترعي الانتباه في هذا الشأن هو أن الفقيه القانوني الكبير يعتمد في رأيه على بعض المراجع الأجنبية من الفقه الألماني، والتي تعود إلى ستة عقود مضت، وهي:
Reinhart Maurach, Deutsches Strafrechts, Besonderer Teil (1964), Einlcitung A, § 5, S. 60.
Edmund Mezger und Hernmann Blei, Strafrecht, II, Besonderer Teil (1964), § 10, S. 33.

ولعل ذلك يبرز أن الإشكالية المطروحة ليست قاصرة على المجتمعات العربية الإسلامية، وإنما تمتد إلى غيرها من المجتمعات الأوربية الكاثوليكية، وأن آراء الكنيسة الكاثوليكية في هذا الصدد لا تختلف كثيراً عن الفتاوى الشرعية المستمدة من أصول الشريعة الإسلامية. كذلك، يلاحظ أن الحجج التي قيل بها لرفض إجهاض المغتصبة لا تختلف كثيراً في عباراتها عما هو متداول على ألسنة بعض رجال الدين، ولاسيما الحجة الخاصة بسد الذرائع، والتي تجري عباراتها بأنه «يخشى أن يؤدي الاعتراف بهذا الإجهاض إلى إساءة استعماله حين يكون ثمرة علاقة جنسية رضيت بها المرأة ثم تخلع عليها مظهراً إجرامياً توصلاً إلى إباحة الإجهاض».

وفي اعتقادنا أنه لا يجوز من البداية الانطلاق من زاوية مدى توافر شروط الدفاع الشرعي عند مناقشة مدى مشروعية اللجوء إلى الإجهاض في حالة الحمل الناتج عن جريمة اغتصاب. فقد تكون حالة الضرورة أكثر انطباقاً في هذه الحالة من الدفاع الشرعي.

ومن ناحية أخرى، لا نشاطر بعض الفقه القول إن الإجهاض حق استأثر الشارع بوضع تنظيم شامل له، ولم يجعل للشريعة مجالاً منه تنطبق فيه، والاحتجاج باستعمال الحق لا يكون إلا حيث يفوض القانون إلى الشريعة تنظيم مجال معين، فيكون لها أن تقرر في نطاقه حقوقاً (راجع في هذا الرأي والذي يختلف عن رأينا في هذا الصدد: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، وفقاً لأحدث التعديلات التشريعية، المرجع السابق، رقم 687، ص 578، هامش رقم 2). فهذا القول يتناقض مع قيل به فقهاً وقضاءً فيما يتعلق بحق التأديب، ولاسيما فيما يتعلق بتأديب الزوجة وتأديب الخدم وتأديب الأطفال، والتي تجد مصدرها في الشرع الإسلامي، فلم يقل أحد من الفقهاء إن تجريم صور الاعتداء على سلامة الجسم حق استأثر الشارع بوضع تنظيم شامل له، ولم يجعل للشريعة مجالاً منه تنطبق فيه، والاحتجاج باستعمال الحق لا يكون إلا حيث يفوض القانون إلى الشريعة تنظيم مجال معين. ومن ثم، يبدو من التناقض التسليم بهذا القول فيما يتعلق بجريمة الإجهاض والعمل بخلافه فيما يتعلق بحق التأديب باعتباره أحد تطبيقات استعمال الحق كسبب إباحة.

ومن ناحية ثالثة، فإن الرأي المخالف ينطلق في رفضه الاعتراف بحق المرأة المغتصبة في الإجهاض من افتراض لا يطابق الواقع وهو أن «المرأة ليست في حاجة إليه، فلها حق الدفاع الشرعي ضد الرجل الذي يحاول الاعتداء على عرضها، ولها كذلك الحق في الحيلولة دون الحمل باستعمال الوسائل التي من شأنها ذلك». فهذا القول أو الافتراض مردود بأنه في الأغلب الأعم من الأحوال، لا تكون المرأة بحكم تكوينها الجسدي قادرة على الدفاع الشرعي. كما أن القول بأن لها الحق في الحيلولة دون الحمل باستعمال الوسائل التي من شأنها ذلك يثير التساؤل عما إذا كان استعمال هذه الوسائل سابقاً على عملية الاغتصاب أم لاحقاً عليها. ويبدو أن المراد هو استعمال وسائل منع الحمل بعد حدوث عملية الاغتصاب مباشرة. والواقع أن هذا القول يفترض أن الإخصاب يتراخى بعد وقوع الجماع، وبحيث لا يحدث إلا بعد مرور فترة زمنية طويلة بما يسمح للمرأة بتناول حبوب منع الحمل. والواقع أن ذلك لا يتسق مع الحقائق الطبية، والتي تقول إن «من الممكن أن يحدث الإخصاب في غضون دقائق قليلة إلى 12 ساعة بعد الجماع، أي بعد وقت قصير جداً من ممارسة العلاقة الحميمة، حيث تستطيع الحيوانات المنوية الموجود داخل جسم المرأة السباحة والتنقل بين الرحم وقنوات فالوب، استعداداً لتخصيب البويضة الناضجة، لذا من الممكن حدوث الإخصاب خلال 30 دقيقة من القذف، إن كانت البويضة جاهزة». ومن ثم، وبالنظر لعدم تصور وجود حبوب منع الحمل مع المجني عليها وقت وقوع الجريمة، وبالنظر لظروف ارتكاب هذه الجريمة والحالة النفسية والوجدانية والعصبية التي يمكن أن تكون عليها المجني عليها بعد اغتصابها، يبدو من غير المنطقي القول إن المرأة يمكنها تناول حبوب منع الحمل خلال ثلاثين دقيقة من حدوث الجماع، لاسيما وأن هذه الجريمة قد يتم ارتكابها في مكان بعيد عن العمران، ويحدث في الأغلب الأعم من الأحوال ألا يترك الجاني أو الجناة المجني عليها فوراً ومباشرة بعد حدوث الجماع والاعتداء الجنسي عليها. وغالباً ما تكون المجني عليها في حالة إعياء شديد، بحيث يتعذر عليها استجماع قواها النفسية والبدنية بمجرد انتهاء الجماع.

زر الذهاب إلى الأعلى