أركانُ وعناصرُ الخِطابِ القانونِيِّ الفَعَّال..(في دَحْضِ الخطابِ الإِرْهابيِّ) [4]
الدكتور : محمد عبد الكريم أحمد الحسيني
نتابع سلسلة الخطاب القانوني ودوره في تعزيز الأمن المجتمعي وتدعيم الازدهار الاقتصادي ، ويأتي هذا المقال للإجابة عن سؤال سبق طرحه وهو :
ما شرائط الخطاب القانوني التي يَقتضي وُجودُها وتوافرُها على وجْهِها قِِِوامَةَ هذا الخطابِ بتهيئة البِنْيَتين الأمنية والاقتصادية وتعزيزهما ودَحْضِ الخطاب الإرهابي وسَحقه ووَأْدِه في مَهْده ؟؟!!!
وهو سؤال جوهري، بل إنه غاية تلك السلسلة عن الخطاب القانوني وأثره في تعزيز الأمنين المجتمعي والإقليمي وفي تدعيم الازدهار الاقتصادي، وإجابتنا عن هذا السؤال تكمن في الآتي :
(1)
أولأ: ما الخطاب القانوني ؟؟
بعد طول إمعان في الخطاب القانوني وما كتب حوله وبعد مراجعة واقعه التطبيقي …تأدَّي بنا المطافُ إلى تبنَِى تعريفا نراه تعريفا علميا جديرا بالاعتبار والاستحقاق ، ونقبل النقدَ البنائي حوله لتقويمه لتطويره…
وتعريفنا على سبيل الإيجاز والتكثيف اللفظي يذهب إلى أن الخطاب القانوني هو:
“تعبير مقصود من مُرسِلٍ قانوني إلى مُخَاطَبٍ ما يحملُ رسالةً واضحة بهدف إقناعه وإلزامه بها”.
ويمكن إعادة صياغة التعريف السابق نفسه في بعض من البسطة بقولنا:
الخطاب القانوني هو تعبير (لفظي أو مكتوب – مباشرا أو غير مباشر ) بأسلوب مخصوص وتراكيب ملائمة) يتم توجيهه من مُرسل ذي صفة قانونية(يمثل منصَّةً قانونية رسمية أو مساعدة) يحمل رسالة قانونية اجتماعية (مضمونا قانونيا اجتماعيا سياقي) يستهدف به مُخاطَبا ما ( كافة الشعب أو فئة أو طائفة أو جماعة منه) لغاية إقناعه بها وألزمه بمضمونها .
ولو أحببنا أن نحلل هذا التعريف ونجزئه للتنبيه على مفاصله لقلنا :
الخطاب القانوني هو:
(1) تعبير:
أ-مباشرا
- تعبير لفظي مباشر.
- تعبير مكتوب مباشر.
أو
ب-غير مباشر
- تعبير لفظي غير مباشر.
- تعبير مكتوب غير مباشر.
(2) بأسلوب
أ-أسلوب مخصوص
ب-تراكيب ملائمة
(3) من مُرسل
- مرسل ذو صفة قانونية
- مرسل يمثل منصة قانونية رسمية
- مرسل يمثل منصة قانونية مساعدة
- مرسل يمثل اعتبار قانوني خاص
(4) يحمل رسالة
أ-رسالة قانونية اجتماعية سياقية مخصوصة.
ب-مضمون قانوني اجتماعي مخصوص.
ج-مضمون قانون اجتماعي سياقي مخصوص.
(5) يستهدف مُخاطَبا ما
أ- الكافة (كافة السكان مواطنين مقيمين وافدين )
ب-كافة المواطنين فحسب .
ج-كافة الوافدين .
د- فئة أو طائفة أو جماعة من هؤلاء المقيمين أو الوافدين.
(6) لغاية
أ- إقناعه :
- إقناعه بنصها
- إقناعه بمضمونها
- إقناعه بنصها ومضمونها .
ب- إلزامه
- إلزامه بنصها
- إلزامه بمضمونها
- إلزامه بنصها ومضمونها .
ج- غاية إقناعه وإلزامه معا
- إقناعه وإلزامه بنصها
- إقناعه وإلزامه بمضمونها
- إقناعه وإلزامه بنصها ومضمونها .
ولكل مما سبق خصوصية تحليلية ومدلول وسياق ومتعلقات سنأتي عليها
(2)
ولننتقل إلى نقطة ثانية قوامها هذا السؤال :
ما شرائط هذا الخطاب القانوني ليكون خطابا وافيا مستوفيا فاعلا ؟؟
نقول شرائط هذا الخطاب يمكن تعرفها في هذين المكونَين له :
المكون الأول : أركان الخطاب القانوني
هناك أركان رئيسة تمثل ركائز هذا الخطاب القانوني وهي :
الركن الأول : المُرسِل القانوني .
الركن الثاني : المُستقبِل الشعبي (الوطني) أو المقيم .
الركن الثالث: المضمون أو الرسالة .
الركن الرابع: التعبير والأسلوب.
الركن الخامس : الغاية والهدف.
وهذه أركان خمسة متكاملة وقد قصدنا ترتيبها على هذا النحو وهو ترتيب مبنِيٌّ على منطق الاقتضاء ، فكل ركن يقتضي لاحقه وكل لاحق يقتضي سابقه ، وهو من ضروب المنطق العقلي البدهي ، وسنأتي على تحليل ما سبق وتفصيل دقائقه .
المكون الثاني : عناصر الخطاب القانوني
مع ما سبق ذكره من أركان هناك عناصر مهمة لاستكمال بنيان الخطاب القانوني الذي ينتج أثره ويحقق غايته وهي :
العنصر الأول : الإقناع .
العنصر الثاني : الملطفات.
العنصر الثالث السياق .
وهي عناصر غاية في الأهمية ، ولا يمكن الاستقلال بها ، ولا يمكن للخطاب القانوني استيفاء شرائطه من دونها، وسنأتي بحديث وافر مفصل عنها في حينه .
(3)
أما عن النقطة الثالثة فهي تتناول أهمية تصنيف وتحديد مكونات الخطاب القانوني :
وجماع هذه النقطة أنه لترتيب أركان الخطاب القانوني وعناصره على النحو السابق أهمية كبرى يمكن إيجازها ابتداء في أنها :
1- تعطي تصورا عقليا بل و”ماصادقا” واقعيا لهيكل الخطاب القانوني وبنيانه ، وهو ما يعزز منطقيَّة وبداهة تلك الأركان وهذه العناصر على النحو سابق الذكر .
2- تكشف عن أولويات وأهمَّات الخطاب القانوني ، فهناك ركائز وأركان وهناك عناصر مكملة ، وينبغي ابتناء الأركان ابناء منطقيا مع سابقها ولاحقها
3-كما أن ما سبق من تصنيف وما تم رعايته من ترتيب يفسِّر الخلطةَ السريَّةَ لكمال الخطاب القانوني وفعاليته، ويكشف لنا عن بنيانه القويم ومن ثمََّ فإنه يستشرف الناتح الذي سيُحَقَّق والأثر الواقعي الذي سيُحَصَّلُ .
4- أن هذا التصنيف السابق هو دليلنا لكشف عوار الخطابات القانونية غير المنتجة أو تلك الخطابات العقيمة أو مثلاتها من الخطابات القانونية المنقوصة في موضوعها وفي شرائطها ومن فهي منقوصة الأثر والناتج والفعاليات .
5-أن هذا التصنيف هو سبيلنا كذلك إلى التنظير للخطاب القانوني ومدخلنا لتعليمه ونقل معارفه والوقوف على مهاراته وخبراته للسادة القانونيين وعلى الأخص هؤلاء المتحدثين الرسميين وشبه الرسميين المنوط بهم المخاطبات القانونية .
(4)
وهنا يجدر بي الإشارة إلى بعض من النقاط التي سبق ذكرها في مقالنا السابق بعنوان “الخطاب القانوني … والخطاب الإرهابي(ضدان .. متنافيان) [3] لغاية الربط وبناء اللاحق على السابق ، وربط النتائج بالمقدمات وذلك من حيثيات عدة :
الحيثية الأولى : حول تأكيدنا لتلك القاعدة المطردة التي دافعنا عنها ورفعنا منها إلى مصاف القواعد الثابتات….!!
ألا وهي قاعدة “قوامة الخطاب القانوني الاقتصادية والأمنية” ، بمعنى كونه خطابا يجب أن يسلم بأنه جدير وقدير على أن يهيئ البيئة اقتصادية ويعزز الغاية الأمنية ، فنصصنا على وجوب كونه (خطابَا قانونيا مستوفيا شرائطه)
فقوامته بناء على هذا الاعتبار تتأدَّى به إلى :
1- أن يهيئ حتما بيئةَ ازدهارٍ اقتصاديٍّ.
2- يُنتِجُ بالضرورة أمنًا مجتمعيًّا بل وأمنا قوميًّا …
3-يصبح مِجَنًّا ودِرعا واقيا للمجتمع من سِحر وبهرج خطاب الإرهاب ، بل هو الخطاب الجامع المانع، والدامغ الداحض للخطاب الإرهابي ، فهو فاضح للخطاب الإرهابي في زيفه ، ومُوئِداً له في مَهْدِه ، وهو يُضادُّه وينافيه وينفيه ويُقصيه ويُلغيه ….!!!
ثم خلصنا إلى أنه :” لا يجتمعُ ولن يجتمعَ خطابٌ قانونيٌّ رشيدٌ يبيِّنُ المستحقَ ويضمنُ الحقَّ وينظِّمُ المراكزَ القانونية ويعزِّز السكينة العامة ويضمن الاستقرار مع خطاب إرهابي قِوامه الإِرْجاف وأساسه الكراهية ومَنْبته الفكرُ السقيمُ بما يخالفُ وسطيةَ الدين وبما يصادمُ صريحَ المنقول وصحيحَ العقول …. وهذه حقيقةٌ راسخةٌ لا تقبل الإبدال ولا الاستبدال ، ولا الإِخلاف أو الارتحال”.
والحيثية الثانية : هي جملة التساؤلات عن مدى صحة اطِّراد القاعدة المشار إليها في العنوان وفي القاعدة السابقة بتنافي وتلاغي وتضاد الخطابين القانوني والإرهابي ، والتي مثلتها تلك التساؤلات :
(1) ماذا لو كان هناك خطاب قانوني وعلى رغم ذلك لا يزال هناك خطاب إرهابي ساحر يستقطب فئات وفئات غير قليلة من كافة أعضاء المجتمع ؟؟؟
(2) وسؤال آخر قوامه أن معظم الدول العربية وليست مصر وحدها لديها خطاب قانوني متنوع ومتعدد وعلى رغم ذلك فهناك خطاب إرهابي متسع ومتمدد…فما مدى صحة كلامك..؟؟!!
(3)ما تفسير وجود خطاب إرهابي رغم وجود خطاب بل خطابات قانونية …!!
ولو استطرد السائل بذكر تلك الظواهر ( المزعوم) أن خطابها قانوني وأنها تشكو من وجود الخطاب الإرهابي وبأن هذا ملحوظ ومشاهد ….!!إذن ما تفسير وجود خطاب إرهابي رغم وجود خطاب بل خطابات قانونية …؟؟؟!!!
وهنا أذكِّرُ بالإجابة التي سبق ذكرها بأن “ الخطاب القانوني الموجود بين ظهر انينا والذي يكثر اصطناعه وتوليده وترداده وتعديده والحديث عنه ليل نهار ….. إنما هو خطاب لو صحَّ تسميته قانونيا فهو (خطاب قانوني منقوص) أو هو خطاب بلا معنى ، أو فيه من التناقضات ما يمتنع علينا تسميته بالخطاب القانوني … !!!
وجماع ما سبق أنه لو عُدَّ من ضمن الخطاب القانوني فهو على الأقل خطاب شبه قانوني غير مكتمل الشرائط ولا مستوفيا الأركان ، تلك التي سبق الإشارة إليها والتي بها وحدها ….تجعل منه خطابا قانونيا مكتملا ….
ومن ثم خطابا ذا ناتج واقعي وأثر قانوني ….منافيا وممانعا وضادا للخطاب الإرهابي ، وهذه الأركان وتلك الشرائط هي التي تضمن له منازعة الخطاب الإرهابي ومقارعته ، ودحضه بل وسحقه ومحقه ..!!!!!
أعود فأقول وأكرر بلا ملالة – وهذا كلام على مسئوليتي العلمية – أنني أؤكد بناء على الدرس النظري والسبر الواقعي بأن الخطاب القانوني الصحيح المستوفي شرائطه والمستكمل أركانه حتما جزما قولا فصلا – هو من دوامغ ومُصْدِعات الخطاب الإرهابي ، وهو ضمنَ عدةِ عوامل من أهم الأسباب وأعظمها في سحق ومحق الخطاب الإرهابي، ومن ثم اجتثاث هذا الفكر وتجفيف منابعه .
كما لا أنفك مؤكدا أن العلاقة ما بين الخطاب القانوني والخطاب الإرهابي إنما هي علاقة تعاكسية مطردة بالمخالفة والمناوأة والتباعد والتنافر فيما بينهما مطلقا…..!!!!!
وأكرر قولي بأن هذا الكلام ليس مرسلا هكذا من وحي خاطري ، بل إنه كلام مسئول بناء على درس نظريٍّ منهجي وعلى استقراء للواقع العملي .