أحوال الإنسان في رحلة الحياة (7)
من تراب الطريق (1057)
أحوال الإنسان في رحلة الحياة (7)
نشر بجريدة المال الأربعاء 10/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
إذا أردنا أن ننقذ بشريتنا من هذا الفناء الذي ينذر به ما أسلفناه من تضخم الطمع والجشع والغرور الهائل مع تضخم الموارد والصناعات والاقتصاد والأموال، وكذا كل شيء عدا العقل والعفة والإيمان، وينذر به أيضًا هذا الزحام الذي صار شديدًا في أيامنا، وانبهمت معه المثل والأخلاق والقيم، وحلت فيه الأثرة حلولاً قطع دابر الإيثار.. إذا أردنا أن ننقذ بشريتنا من هذا البلاء بل الفناء، فإنه يجب علينا جميعا أن نعكس هذه الخطوات ـ لتبدأ بالعقل في كل ما نفكر فيه أو نعيه يقظى ونوامًا.. ثم بالعواطف بعد حذف الشهوات وأطماعها.. فتستقيم وتعتدل أنانية كل منا أو معظمنا فلا يتعرض وجود البشر للدمار والهلاك، وعندئذ ينسى البشر الخمول والركود والتلكع والاستغناء والكبرياء والترف والبطالة والاعتماد على الأهل أو على ادعاء الثروة أو التبعية للأثرياء أو على النهب أو الخطف أو الغش أو المكر أو السقوط أو التسول !
ولأن المنافسة لا تكون منافسة حقيقية مشروعة إلا مع وجود الأمانة والاستقامة لدى أطرافها، فإن وجودها بغير ذلك لا يكون منافسة إلا ظاهرًا فقط.. حقيقته خديعة وباطنه غش وزيف وتدليس.. كسب الكاسب فيها أقبح من خسارة الخاسر الخادع، وكلاهما أشنع من مصيبة الأمين المخدوع الذي ضاع كده سُدًى ليربح منه الضال المضل ظلمًا وغشًا وتطفيفًا.. فالثروات الهائلة لدى أثرياء اليوم في جميع البلاد ـ ليست ثمار منافسات أمينة مستقيمة، وإنما جماع تدابير ومخططات وفخاخ وكمائن وحيل ومؤتمرات وعصابات ومؤامرات لا تنقطع.. يحل دائمًا فيها جديد مكان قديم زال أو عجز بصورة أو أخرى عن المقاومة أو المسايرة أو الاستمرار.. فالمساعي الهائلة الجادة في الكسب والاتفاقات الضخمة دولية ومحلية الاقتصادية مع الأموال لتي تجمع بين الممولين المستورين وبين الشركاء الظاهرين ـ أغلبها إن لم يكن كلها مدخول مغلول داخلها.. يقود خارجها الظاهر المصارف العالمية والشركات الكبرى ذات الفروع المنبثة المنتشرة في كل بلد، بينما الداخل مطوي على عالم آخر من التآمر والغش والخداع والاستغلال، حتى صار لبعض الأفراد ثروات فلكية تزيد على ميزانيات الدول، وتتحكم في مصائر العالم، وتقوده بعمى ضرير إلى هلاك لا نجاة منه ـ إن نجا !ـ إلاّ برؤية ووعى وسلوك العقلاء.. ما أحرى بنى البشر فيما صارت إليه أحوالهم، أن يتذاكروا قول الحكيم الخبيـر في ثمـود قوم صالح: « وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ في الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا في الأَرْضِ مُفْسِدِينَ » (الأعراف 74).. وصدق جل علاه إذ يقول في محكم تنزيله : « سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ » ( الأعراف 146 ) صدق الله العظيم .