أحوال الإنسان في رحلة الحياة (6)
من تراب الطريق (1056)
أحوال الإنسان في رحلة الحياة (6)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 9/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
قد تضخمت الآن هذه الحدود، وتضخم معها كل شيء غير العقل والعفة والإيمان.. تضخمت الآن في الجماعات البشرية ـ الموارد والصناعات والاقتصاد والأموال، وتضخم الطمع والجشع والغرور الهائل السائد من القاع إلى القمة، وتضخمت المعرفة ومعها استنزافها واستغلالها فيما لا يجوز ولا يصح ولا يعقل أن يستخدم في عالم الإنسان دون ما ضرورة أو مبرر.. اللهم غير الأنانية البشعة التي أصابت الكل.. غرق في لججها من أحرز التقدم والساعي في الطريق إليه، ولم يفلت منها المتخلف المتأخر الذي بدوره يحاول بالتقليد أن يلحق بالركاب !
صار الزحام الشديد في أيامنا، وانبهام المثل والأخلاق والقيم ـ يستوجب إيجاد توازن فعلى صارم بين المواليد والوفيات، ويستوجب العناية الصارمة بالعجزة غير القادرين على أي عمل جاد، كما يستوجب العناية الصارمة بكل من أقعده المرض أو العاهة عن كل عمل يمكن أن يقيله في مرضه أو عاهته، ويستوجب الإقلاع عن نظام المعاشات وما فيه من تسريح الأصحاء المجربين القادرين لمجرد تجاوزهم سنين معينة !.. لكى يتسكعوا !.. هذا النظام يؤدى إلى صراع وربما اقتتال بين الشباب وبين كبار السن على المراكز والأشغال.. وهو محض عبث وفتنة وإضرار بالنفع العام.. يتزايد للأسف آليًا باستمرار كعرف ثابت طال واستمر أكثر من مائة سنة.. وقد عجز الآن حتى عن مواجهة تعطل الشباب الذي أضيف إلى تسكع أغلب أصحاب المعاشات !
لا تلبث العادة إذا سادت ـ أن تعطل نشاط الفكر وتحل محله، وتوقف المراجعة وتحل محلها الركود والتأخر الحامل لبذرة الفناء، ولكن مخاطره الآن على نطاق أوسع لم يسبق له مثيل بسبب وسائل الدمار الشامل التي لم تنجح البشرية حتى الآن في حصرها أو منع الزيادة في انتشارها في عالم بات يصرخ الآن من تفشى هذا البلاء الذي صارت حيازته قبلة للكل.. لا يتأخر أىي منها عن التهديد والوعيد به، أو استخدامه إذا أتيحت له الفرصة لفرض سطوته وتحقيق أطماعه.. غير مبالٍ بما يمكن أن يحيق بالبشرية كلها من هلاك !
ليس معنا مع حضارة اليوم الهائلة والتقدم غير المسبوق ـ إلا مخاوف وظنون كلها شبهات وشكوك سيئة وحيل شيطانية واسترابات في استراقات وخطف ونهب لا يمكن أن يعيش مسلوبه بين مجازفين ووارثين وطائشين وحالمين ومقامرين ومضاربين.. بلا عقل يغنمون ثم يخسرون ثم يختفون ليحل محلهم أمثالهم في المزيد من التجميع والتكويم ثم الفناء الذي ليس بعده بعد !.. ويبدو أنه لا جدوى من التذكير بهذا البلاء المستحكم الآن.. لأن عشاق هذه المغامرات في حضارتنا قد بلغوا مئات الملايين من البشر.. في المدن والقرى.. وبين الرجال والنساء.. ولدى المتعلمين والجهال.. والأغنياء والفقراء.. والحكام والمحكومين.. الكل يشتهى
ولا يكف عن الاشتهاء في كل سن وظرف ومكان حيثما كان !
ونحن نتصور هذه الدنيا أولا بحواسنا التي نشعر بالوجود بها كأنامٍ غامضة مبهمة.. ثم بشهواتنا ثم بعواطفنا التي أخذت تدريجيًا في التميز عن الشهوات.. ثم أخيرا بعقولنا التي أخذناها حتى اليوم لخدمة عواطفنا وشهواتنا !..
من تراب الطريق (1056)
أحوال الإنسان في رحلة الحياة (6)
نشر بجريدة المال الثلاثاء 9/3/2021
بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين
قد تضخمت الآن هذه الحدود، وتضخم معها كل شيء غير العقل والعفة والإيمان.. تضخمت الآن في الجماعات البشرية ـ الموارد والصناعات والاقتصاد والأموال، وتضخم الطمع والجشع والغرور الهائل السائد من القاع إلى القمة، وتضخمت المعرفة ومعها استنزافها واستغلالها فيما لا يجوز ولا يصح ولا يعقل أن يستخدم في عالم الإنسان دون ما ضرورة أو مبرر.. اللهم غير الأنانية البشعة التي أصابت الكل.. غرق في لججها من أحرز التقدم والساعي في الطريق إليه، ولم يفلت منها المتخلف المتأخر الذي بدوره يحاول بالتقليد أن يلحق بالركاب !
صار الزحام الشديد في أيامنا، وانبهام المثل والأخلاق والقيم ـ يستوجب إيجاد توازن فعلى صارم بين المواليد والوفيات، ويستوجب العناية الصارمة بالعجزة غير القادرين على أي عمل جاد، كما يستوجب العناية الصارمة بكل من أقعده المرض أو العاهة عن كل عمل يمكن أن يقيله في مرضه أو عاهته، ويستوجب الإقلاع عن نظام المعاشات وما فيه من تسريح الأصحاء المجربين القادرين لمجرد تجاوزهم سنين معينة !.. لكى يتسكعوا !.. هذا النظام يؤدى إلى صراع وربما اقتتال بين الشباب وبين كبار السن على المراكز والأشغال.. وهو محض عبث وفتنة وإضرار بالنفع العام.. يتزايد للأسف آليًا باستمرار كعرف ثابت طال واستمر أكثر من مائة سنة.. وقد عجز الآن حتى عن مواجهة تعطل الشباب الذي أضيف إلى تسكع أغلب أصحاب المعاشات !
لا تلبث العادة إذا سادت ـ أن تعطل نشاط الفكر وتحل محله، وتوقف المراجعة وتحل محلها الركود والتأخر الحامل لبذرة الفناء، ولكن مخاطره الآن على نطاق أوسع لم يسبق له مثيل بسبب وسائل الدمار الشامل التي لم تنجح البشرية حتى الآن في حصرها أو منع الزيادة في انتشارها في عالم بات يصرخ الآن من تفشى هذا البلاء الذي صارت حيازته قبلة للكل.. لا يتأخر أىي منها عن التهديد والوعيد به، أو استخدامه إذا أتيحت له الفرصة لفرض سطوته وتحقيق أطماعه.. غير مبالٍ بما يمكن أن يحيق بالبشرية كلها من هلاك !
ليس معنا مع حضارة اليوم الهائلة والتقدم غير المسبوق ـ إلا مخاوف وظنون كلها شبهات وشكوك سيئة وحيل شيطانية واسترابات في استراقات وخطف ونهب لا يمكن أن يعيش مسلوبه بين مجازفين ووارثين وطائشين وحالمين ومقامرين ومضاربين.. بلا عقل يغنمون ثم يخسرون ثم يختفون ليحل محلهم أمثالهم في المزيد من التجميع والتكويم ثم الفناء الذي ليس بعده بعد !.. ويبدو أنه لا جدوى من التذكير بهذا البلاء المستحكم الآن.. لأن عشاق هذه المغامرات في حضارتنا قد بلغوا مئات الملايين من البشر.. في المدن والقرى.. وبين الرجال والنساء.. ولدى المتعلمين والجهال.. والأغنياء والفقراء.. والحكام والمحكومين.. الكل يشتهى
ولا يكف عن الاشتهاء في كل سن وظرف ومكان حيثما كان !
ونحن نتصور هذه الدنيا أولا بحواسنا التي نشعر بالوجود بها كأنامٍ غامضة مبهمة.. ثم بشهواتنا ثم بعواطفنا التي أخذت تدريجيًا في التميز عن الشهوات.. ثم أخيرا بعقولنا التي أخذناها حتى اليوم لخدمة عواطفنا وشهواتنا !..