مكانة العلم وآداب العلماء

بقلم الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

الإمام الطيب والقول الطيب (63)

نشر بجريدة المال الأحد 28/11/202 

  أصل هذا الفصل ، كلمة ألقاها فى مشيخة الأزهر ، الإمام الأكبر فى 27 جمادى الآخرة 1437 هـ / 6 أبريل 2016 ، بمناسبة منح فضيلته الدكتوراه الفخرية من جامعة بنى سويف .

      والعلم ـ كما قال ـ أشرف ما يعتز به الإنسان ويرتفع به قدره « يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ » ( المجادلة 11 ) ، هذا الشرف والمنزلة هما صدى لما يلقيه العلم على صاحبه من مسئولية كبرى فى المجتمع ، وفيمن حوله . ففى الحديث : « الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم » .

       من المعلوم ، أن العلم رحِمٌ بين أهله ، ورابطة عقلية وروحية ، يسلك بها العلماء سبيلهم للتعرف على آيات الله فى كونه .

     وأول آداب وواجبات العلم فى الإسلام ، هو تعليمه لمن لا يعلمه ، ونشره بين الناس ، والاعتزاز به والتوجيه لذلك وللإلتزام به وبتقاليده وتبعاته . فالعلم ليس سلعة تباع ، ولا يجوز أن يكون كذلك ، وإنما العلم رسالة ينهض بها العالم ، ويسعى إليه طالب العلم .

      وبعد الثناء والشكر على هذه الهدية الرمزية الأدبية ، يقفى بأن التكريم الذى تلقاه ، هو فى الواقع تكريم لمنهج الأزهر الوسطى ، ونزعته الملتزمة إلى التجديد ، مقتديًا بما اضطلع به الأستاذ الإمام محمد عبده ، ومن بعده الشيوخ العلماء : سليم البشرى ، ومحمد بخيت المطيعى ، ومحمد مصطفى المراغى ، ومصطفى عبد الرازق ، ومحمد عبد الله دراز ، ومحمود شلتوت ، ومحمد أبى زهرة ، والغزالى ، وسائر هذه الكوكبة الذين زين علمهم حياة الأزهر ، وأثرى بالمعرفة طلابه .

      يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام : « يحمل هذا العلمَ من كلِّ خلفٍ عدولُهُ ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتخال المبطلين ، وتأول الجاهلين » . قيام الأزهر بهذه الرسالة واجبٌ سيظل وفيًّا وعلماؤه له .. ينفون عن الإسلام تحريف الغلاة المخربين للعقول ، المحرفين للدين ، ويعملون على تنقية تراثه العريق من الملصقات التى لا تنتمى إليه ، وإنما نَدَّ بها فتاوى شاذة ، وفكر مريض سقيم ، وتأويل فاسد يقوم ـ ولا قيام له ـ على غير قواعد العلم والفهم والتفسير والدعوة الصحيحة ، وسعيًا لعمارة الأرض ، وخدمة الوطن والإنسانية .

     هذا الاحتفال بالعلم ومكانة العلماء ، حفر فى الإسلام ـ مع العقل ـ أكبر مقوماته ، لتحقيق عالمية الدين الممتدة فى الزمان والمكان . وتفتحت به أبواب تلو أبواب ، تحترم العلم ومكانته ، وتحرص على اتخاذه غاية ومنهاج حياة . أوصى القرآن الكريم رسوله المصطفى بأن يتخذ من طلب العلم دعاءً له إلى رب العالمين : « وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا » ( طه 114) .. وجعل سبحانه من التعليم غايةً للرسالة ذاتها ولرسولها المصطفى .. « كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ » ( البقرة /151) .. « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ » ( الجمعة /2 ) .. ولا يرتفع المسلم بفضيلة كما يرتفع بفضيلة العلم . ولا ينهض على الدعوات إلاَّ العلماء الذين أمسكوا بكل أطراف العلم ، وليس الجاهل كالعالم . « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ » ( الزمر/9 ) .. « وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ » ( آل عمران/ 7 ) .

        ولا يوصف المسلم بفضيلة أعز وأفضل من فضيلة الحكمة التى قوامها العقل والعلم .. « وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا » ( البقرة / 269 ) .. ومن فضل الله تعالى على رسول القرآن ما آتاه من كتاب وعلم وحكمة .. « وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا » ( النساء / 113 ) .

         وليس أعز فى تكريم العلم والعلماء من الآية الكريمة التى تقول : « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء » ( فاطر/28) .. والحق سبحانه وتعالى قرن ذوى العلم بالملائكة فى المعرفة الحقة بألوهيته وربوبيته ووحدانيته .. « شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ » ( آل عمران /18 ) .

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى