«النقض» توضح.. متى يتحقق القصد الجنائي في جرائم إحراز الجواهر المخدرة؟

أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 16121 لسنة 73 القضائية، أن القصد الجنائي في جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز، أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة، مضيفة أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث استقلالاً عن هذا الركن إذا كان ما أوردته فى حكمها كافيًا في الدلالة على علم المتهم بأن ما يحرزه مخدر.

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد التعاطى جوهرين مخدرين “الهيروين والحشيش” فى غير الأحوال المصرح بها قانونًا. وأحالته إلى محكمة جنايات…….. لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت عملاً بالمواد 1/ 1، 2، 37/ 1، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم 2 من القسم الأول والبند رقم 56 من القسم الثانى من الجدول الأول الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمه عشرة آلاف جنيه وبمصادرة المضبوطات.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض…….. إلخ.

المحكمة

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى فيما يجمل فى أن أحد رواد مطعم…… فرع…….. أبلغ الشاهد الأول مدير هذا المطعم بوجود شخص فاقد الوعى داخل دورة مياه ذلك المطعم فتوجه على الفور إلى هذا المكان فوجد بابه موصدًا فقام بكسره فشاهد الطاعن جالسًا على المرحاض مرتديًا ملابسه مستندًا بظهره على صندوق المرحاض وبه آثار دماء من جرح بأعلى يده اليسرى وبجواره محقن ملوث بالدماء فقام بحمله بمساعدة العاملين معه خارج دورة المياه وعلى إثر إبلاغه الشرطة والإسعاف بالواقعة حضر الرائد….. ضابط الدورية اللاسلكية وتقابل مع المبلغ وشاهد بنفسه الطاعن فاقد الوعى تمامًا والجرح والدماء التى بيده اليسرى وأعقب ذلك نقله بسيارة الإسعاف إلى مركز السموم بمستشفى……..

حيث أجرى له الشاهد الثانى الإسعافات لإفاقته وأسفرت نتيجة تحليل عينة البول والدم المأخوذتين من الطاعن عن وجود نواتج تعاطى الهيروين والحشيش المخدرين، وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شاهدى الإثبات وما ثبت بتقريرى المعامل الطبية والكيماوية بمصلحة الطب الشرعى. وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغًا مستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها الشهادة متروكًا لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدى الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة – وحصلت أقوالهما بما لا تناقض فيه وبما تتوافر به حالة التلبس بالجريمة وقيام الدلائل الكافية على مقارفة الطاعن لها – فإن ما يثيره الطاعن فى ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن الطاعن هو الذى وضع نفسه طواعية واختيارًا فى ظروف أوجبت تدخل شاهدى الإثبات لإسعافه من حالة فقدان الوعى التى كان عليها وما استلزمه ذلك من أخذ عينة من دمه وبوله أسفرت نتيجة تحليلهما عن اكتشاف تعاطيه جوهرى الهيروين والحشيش المخدرين وهو ما عول عليه الحكم فى إدانته بالجريمة المسندة إليه ولم يعول فى ذلك على أى دليل مستمد من القبض على الطاعن وتفتيشه ولم يشر إليهما فى مدوناته ومن ثم فإنه قد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالاً على الدفع ببطلان القبض والتفتيش وتغدو منازعة الطاعن فى هذا الصدد جدلاً موضوعيًا حول تقدير توافر حالة التلبس، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع بلا معقب ولا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ذلك، وكان الطاعن قد أفصح على ما يبين من أسباب طعنه أنه طلب استدعاء الشاهد الثانى لمناقشته كخبير وليس عما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه المعمول بحاسة من حواسه، وكانت المحكمة قد اطمأنت – فى حدود سلطتها التقديرية – إلى ما ثبت بتقريرى المعامل الطبية والكيماوية بمصلحة الطب الشرعى من أن النتيجة تحليل عينتى البول والدم المأخوذتين من الطاعن أسفرت عن نواتج تعاطيه الهيروين والحشيش المخدرين فلا يصح أن يعاب عليها – من بعد – عدم إجابتها طلب الاسترسال فى مزيد من التحقيقات باستدعاء الطبيب المعالج – الشاهد الثانى – لاستطلاع رأيه فى هذا الصدد طالما أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، ومن ثم فإن ما يقوله الطاعن من إخلال الحكم بحقه فى الدفاع فى هذا الخصوص لا يكون له أساس.

لما كان ذلك، وكان الأصل فى الإجراءات أنها قد روعيت وعلى من يدعى أنها قد خولفت إقامة الدليل على ذلك وكان الطاعن لم يقدم دليلاً على أن المحامى…… الموكل من قبله وحضر معه أمام محكمة الجنايات وتولى الدفاع عنه فى الجناية التى دين بها غير مقبول أمام المحاكم الابتدائية، فإن ما يدعيه الطاعن فى هذا الصدد يكون على غير سند.

لما كان ذلك، وكان القصد الجنائى فى جريمة إحراز أو حيازة الجوهر المخدر يتحقق بعلم المحرز أو الحائز بأن ما يحرزه أو يحوزه من المواد المخدرة.

وكانت المحكمة غير ملزمة بالتحدث استقلالاً عن هذا الركن إذا كان ما أوردته فى حكمها كافيًا فى الدلالة على علم المتهم بأن ما يحرزه مخدر، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن أيًا من الطاعن أو المدافع عنه لم يدفع بانتفاء هذا العلم، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى مدوناته كافيًا فى الدلالة على إحراز الطاعن للمخدر وعلمه بكنهه، فإن ما ينعاه على الحكم من قصور فى هذا الصدد يكون فى غير محله.

لما كان ذلك، وكان باقى ما يثيره الطاعن فى أسباب طعنه لا يعدو أن يكون دفاعًا موضوعيًا، لا على المحكمة إن هى لم تتعقبه فى كل جزئية منه إذ إن اطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها، فإنه لا يقبل من الطاعن إثارته أمام محكمة النقض.

لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.

أشرف زهران

صحفي مصري، حاصل على بكالريوس إعلام، ومحرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين، ومكتب النقيب،
زر الذهاب إلى الأعلى