من توابع الفوضى ! (5)

من توابع الفوضى ! (5)

نشر بجريدة الوطن الجمعة 9 / 4 / 2021

بقلم: الأستاذ/ رجائي عطية نقيب المحامين

في 14/6/2012، قضت المحكمة الدستورية العليا بحكمها بعدم دستورية تشكيل مجلس الشعب، بما يرتب عليه رحيله من الساحة، وتزامن ذلك وإيشاك مجلس الشورى على الرحيل بدوره لاتفاق الأساس ـ الغير دستوري ـ الذي أدى إلى رحيل مجلس الشعب، فإن ذلك قد تزامن مع انتخاب رئيس الجمهورية، وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد مفاوضات، الإعلان الدستوري المكمل، ونصت مادته الأولى على إضافة فقرة ثالثة للمادة 30 من الإعلان الدستوري 30 مارس وإضافة مواد بأرقام 53 مكررًا،، 53 مكررًا (1)، 53 مكررًا (2)، 56 مكررًا، 60 مكررًا، 60 مكررًا (1)، لمعالجة المستجدات التي لا بد من علاجها لحين إتمام العملية المتعسرة لوضع الدستور الجديد، ولإقامة توازن اعترض عليه الإخوان اعتراضات شديدة، بما في ذلك ما أتت به الفقرة الثالثة المضافة للمادة 30 من أداء اليمين الدستورية للرئيس ـ إزاء رحيل مجلس الشعب ـ أمام المحكمة الدستورية العليا التي بدا أنها لم تعد تروق للإخوان، وصاروا على خصومة شديدة معها جاوزت مشروع إعادة تشكيلها الذي لم ير النور، إلى اتهامها بالتزوير , ثم تردد الرئيس الإخواني طويلاً في أداء القسم أمامها والذي أدّاه في النهاية على غضاضة، ولكن سبقه ليلتها أداء لليمين أمام متظاهري ميدان التحرير، ثم تلاه أداء قسم ثالث بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، في محاولة ظاهرة لرد الحياة إلى مجلس الشعب الذي لم يعد له وجود، فدُعِى إلى احتفالية القسم بالجامعة، وخولفت من أجله قواعد البروتوكول، وفي مشهد دعا الإمام الأكبر شيخ الأزهر إلى الانسحاب، بينما بقيت النار تحت الرماد، بشأن باقي ما تضمنه الإعلان الدستوري المكمل !!!

من البداية، لم يخف الإخوان المسلمون، ومن ورائهم السلفيون، اعتراضاتهم على الإعلان الدستوري المكمل، وجاراهم في الاعتراض عليه أطياف سياسية أخرى، ونظر هؤلاء وأولاء بعين الشك والارتياب، والتحفظ، إلى ما تبناه من توازنات لحين إتمام وضع الدستور، واعتبروها مصادرة على سلطات رئيس الجمهورية ( الإخواني ) وإن أقسم اليمين على احترامها، وقد بدا أن الاعتراض يملك الحجة في جوانب، ويفتقد الحجة في جوانب أخرى!

لا مراء في أن رحيل مجلس الشعب قد فرض عودة التشريع إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أخذًا بما تقرر أصلًا في الإعلان الدستوري 30 مارس، ويبدو أن هذه كانت التكأة والمدخل إلى الإعلان الدستوري المكمل، وصاحبها توازنات تبررها توجسات إن لم تكن اتفاقات. على أنه يلاحظ أن الإعلان المكمل لم يستغل هذه الوضعية الجديدة ليسترد كافة الاختصاصات والسلطات المقررة للمجلس العسكري بالمادة 56 من الإعلان الدستوري 30 مارس، وإنما اقتصر على استرداد الاختصاص المقرر له في البند (1) من تلك المادة، وهو مقصور على التشريع، والذي حرص النص على بيان أنه استرداد مؤقت لحين عودة مجلس الشعب ومباشرته لاختصاصاته. وهنا يمتلك الإعلان الدستوري المكمل حجته، ليس فقط لاستحالة الاستغناء عن التشريع، ولا لمجرد رد الوضع إلى ما كان عليه، وإنما لأنه من غير المقبول أن يجمع الرئيس بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فذلك غير دستوري، وغير حميد.

وتبدو حجة الإعلان الدستوري المكمل، أكثر لزومًا ووضوحًا، فيما نصت عليه المادة 53 مكررًا (1) المضافة، من أن الرئيس يعلن الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. فليس يجوز أو يقبل انفراد رئيس الدولة وحده بإعلان الحرب، ولم يعطه دستور 1971 هذه السلطة على ما فيه من توسع في سلطات الرئيس، فنصت المادة 150 من دستور 1971 على أن إعلانه للحرب يجب أن يكون بموافقة مجلس الشعب. ومن ثم يبدو المجلس الأعلى للقوات المسلحة بديلًا مقبولًا لمجلس الشعب الذي حل محله ـ مؤقتًا ـ في التشريع، فضلًا عن أنه القائم على أمور القوات المسلحة التي ستنفذ قرار الحرب، والأعلم بظروفها وقدرتها وأوضاعها.

ويتصل بهذا النص، وبما لم يثر حساسيات، ما نصت عليه المادة 53 مكررًا (2)، من أنه يجوز لرئيس الجمهورية في حالة حدوث اضطرابات داخل البلاد تستوجب تدخل القوات المسلحة، وبعد موافقة مجلسها الأعلى، إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية.

كذلك لم يكن هناك بد، ولا ضرر ولا ضرار، مما نصت عليه المادة الثانية من الإعلان الدستوري المكمل من استبدال نص المادة 38 من الإعلان الدستوري 30 مارس، بتقرير أن القانون ينظم حق الترشيح لمجلسي الشعب والشورى وفقًا لأى نظام انتخابي يحدده.

فقد كان هذا الاستبدال ضرورة لا محيص عنها للاحتياط مما أسفرت عنه تعديلات قوانين انتخاب المجلسين من عدم دستورية أفضت إلى رحيل مجلس الشعب بحكم أغلب اليقين أنه سيلحق به مجلس الشورى، وضرورة أيضًا لرأب صدع حدث بتعديل المادة 38 من الإعلان الدستوري 30 مارس، والتي عدلت خفية لمسايرة رغبة الإخوان في تعديل قوانين انتخابات الشعب والشورى، فالذي لا يعلمه كثيرون أنه كان قد تم خفية، بغير إعلان فيما عدا النشر المكتوم بالجريدة الرسمية 25/9/2011 ـ تعديل المادة 38 من الإعلان الدستوري 30 مارس، تعديلًا ضريرًا، بأن أباح الجمع في الانتخابات بين نظام القوائم الحزبية المغلقة والنظام الفردي وبنسبة الثلثين للأول والثلث الباقي للثاني. ومن ثم كان الاستبدال الذي قررته المادة الثانية للإعلان المكمل، ضرورة رشيدة لرد الأمور إلى نصابها، ومنح الفرصة للقانون لسن نظام للانتخابات لا يصطدم بالمبادئ الدستورية ويتقى ما كان قد حدث !!! بعد ذلك لا يبقى في الإعلان الدستوري المكمل إلاّ المواد المضافة أرقام 53 مكررًا، 60 مكررًا، 60 مكررًا (1)، وهى تحتاج إلى مزيد من التأمل للتعرف على وجهاتها ومقاصدها ودواعيها، وهى فيما يبدو، ولنا إليها عود، كانت أساس القرار الفردي الذي انفرد به الرئيس الإخواني، بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل برمته، إلغاءً اقترن بفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإحالة رئيسه ونائبه إلى التقاعد، في انقلاب ناعم اشتمل أيضًا على إصدار الرئيس إعلانًا منح فيه لنفسه سلطات أوسع كثيرًا مما كان يمنحه دستور 1971 للرئيس، واشتمل أيضًا فيما اشتمل عليه على جمعه في يده بين السلطتين التنفيذية والتشريعية !!

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى