من تراب الطريق (1200)

الإمام الطيب والقول الطيب(33).. المدرسة السورية في تجديد التراث

نشر بجريدة المال الخميس 14/10/2021
ـــ
بقلم نقيب المحامين الأستاذ : رجائى عطية
الإمام الطيب والقول الطيب(33)
ـــــــــ
المدرسة السورية
فى تجديد التراث
ـــــــ
غلب عليها الاتجاه الماركسى اللينينى , وفيها تكرست « المادية التاريخية » أداة لاكتشاف التراث وتحليله . وقادها ذلك إلى تقديم « الفارابى » المتوفى سنة 339 ه على أنه فيلسوف مادى يقول بتعاقب الصور والأضداد على الهيولى وبقاء النوع , وأُرْغِمَ هذا الحكيم المسلم على معانقة ماركس وإنجلز !
وبمثل ذلك فعلوا مع « النظَّام » المتوفَّى 238ه , فصوره رائدًا من رواد تحرير الإنسانية من سلطان الغيب والمجهول , ومع « إخوان الصفا » الذين صوروهم على أنهم رواد أوئل لفلسفة النشوء والارتقاء قبل دارون ولا مارك .
أما الإسلام كجوهر يشكل النسيج الداخلى لعلومهم فى منظور هذه المدرسة ــ فإنهم رأوه مجرد أثر « لاتجاه مثالى أو ميتافيزيقى » سببه « العجز التاريخى الذى كاد يمنع بلورة الاتجاه المادى » !
المدرسة المغربية فى تجديد التراث .
خصصت قدرًا كبيرًا من نشاطها لتحليل بنية العقل العربى وتكوينه , من زاوية العلوم الدينية والفلسفية والعرفانية , وفى هذا الإطار طرحت محاور ثلاثة :
(1) البيان ـــــ ويرادفه المعقول الدينى
(2) والبرهان ـــ ويرادفه المعقول العقلى
(3) ثم العرفان ـــ ويرادفه اللامعقول العقلى أو العقل المستقيل , وهو التصوف , وما أطلقوا عليه الهجميات الدينية والفلسفية التى حملها الموروث القديم .
وفى هذه المدرسة , انتهى العقل الفلسفى الإسلامى ـــ عندهم ـــ إلى مصير بائس شديد البؤس , فسيطر اللامعقول على قمم العقلانية فى الفكر الإسلامى , وأول المدموغين باللاعقلانية : جابر بن حيان أقدم رواد علم المنطق , وأبو بكر الرازى كبير أطباء المسلمين , وابن سينا الذى وصف بأنه « أكبر مكرس للفكر الظلامى الخرافى فى الإسلام », والإمام أبو حامد الغزالى الذى رأوه قد أدخل شيطان العرفان إلى البيان أو المعقول الدينى , وأسس فيما يرون أزمة العقل العربى .
وفى هذه المدرسة , انشطر العقل العربى إلى شطرين :
عقل مشرقى لا هوتى , وتقوم فلسفته على علم الكلام .
وعقل مغربى علمى , وتقوم فلسفته على الرياضيات والمنطق .
المدرسة الشرقية ــــ بحكم لا هوتَّيتها ـــ ماضويَّة .
والمدرسة الغربية ــــ بحكم علمانيتها ـــ مستقبليَّة .
وهذه فيما عقب أحد الباحثين, حرب مزدوجة دارت رحاها فى الثقافة العربية الإسلامية , وانتهت بانتصار ظلامية العرفان , وبانتصار لا عقلانية الشرق !
ودعونا نتوقف هنا لنرى بعده المدرسة المصرية فى تجديد التراث فى بابنا القادم بمشيئة الله .
المدرسة المصرية
فى تجديد التراث
اتخذت المدرسة عنوانًا لها « التراث والتجديد » محبذةً إيَّاه عن عنوان : « تجديد التراث », مفضلةً أن تقف بمشروعها تحت تسمية ذات دلالة مقصودة هى : « التراث والتجديد ».
ونفهم من هذا أن هناك فارقًا جوهريًا ـــ بين المسمَّيين ـــ فتجديد التراث يعنى التعامل مع التراث القديم كحقيقة موضوعية قابلة للتجديد , مع المحافظة على الأصول الثابتة , ومؤدى هذا التمييز بين الأصول والثوابت من ناحية , وتنطلق فى ضوء ذلك إلى تجديد المتغيرات , راميةً من خلال هذه وتلك إلى إجراء حركة التطور المصطلح على تسميتها : « الأصالة والمعاصرة » .
إلاَّ أن التجديد بهذا المعنى لا يتفق أو لا يحقق أهداف مقصود مدرسة « التراث والتجديد »؛ ذلك أن التراث لديها هو نقطة البدء , أما التجديد : فهو إعادة تفسير التراث حسبما تقتضى متطلبات العصر وحاجاته . فالتراث هو الوسيلة , والتجديد هو الغاية .
وعلى ذلك فالتراث وفقًا لهذه المدرسة , ليس هدفًا ولا إطارًا تتحرك فى إطاره حياتنا المعاصرة , بقدر ما هو « وسيلة » خاضعة لإعادة التفسير أو إعادة البناء من أجل تطوير الواقع وحل مشكلانه .
وغنى عن البيان أن هذه النظرة تجرد التراث من كل قيمة ذاتية أو خصائص ثابتة , سواء على مستوى الأصول أو مستوى الفروع . وعلى ذلك فإن القيمة الوحيدة المتبقية للتراث وفقًا لمفهومها هى مدى قدرته على تقديم « نظرية علمية فى تفسير الواقع والعمل على تطويره » , فإذا كان التراث وسيلة , والتجديد غاية , فإن الألَيق أن يتخذ المشروع عنوان : « التراث والتجديد » .

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى