من “الحقانية” إلى “العدل”.. تعرف علي تاريخ نشأة وزارة العدل المصرية

تقرير: أشرف زهران

سجلت حركة التاريخ مولد أول نظارة رسمية ومسئولة بولاية مصر في عهد الخديوي إسماعيل بموجب الأمر العالي الصادر منه باللغة الفرنسية في 28 أغسطس 1878 والموافق 1295، وعهد فيه إلى نوبار باشا بإجراء الإصلاحات التي يبتغيها من تشكيل هيئة نظارة أي مجلس نظاري يكون أعضاؤه كفلاء فيما بينهم في البلاد، وذلك كمهام موكلة إلى المجلس النظاري الجديد.

أسباب نشأة نظارة الحقانية في 1878م.
جاء الأمر الخديوي العالي الصادر في 28/8/1878 بنشأة هيئة نظار كنتيجة حتمية للتدخل الأجنبي في البلاد لدراسة أسباب تزايد الديون الأجنبية بقدوم بعثة “كيف” في عام 1875، وما تلاها من إنشاء صندوق الدين في منتصف عام 1876، وأعقب ذلك في خاتمة هذا العام بفرض الرقابة الثنائية على البلاد، وأخيرا تشكيل لجنة تحقيق عليا أوربية في بداية عام 1876 برئاسة اللورد ديلسبس، ونائبة الأول ريفرز ويلسون، والتي انتبهت لضرورة تقييد السلطة المطلقة للخديوي فى البلاد، وتشكيل هيئة نظارة مستقلة لإصلاح الأوضاع المالية والإدارية في البلاد . وهوما أسف عليه الخديوي إسماعيل، وقابله بالفتور والاعتراض قائلاْ بالحرف الواحد للقنصل الإنجليزي عندما ذهب لتهنئته بمجلس النظار: ” إنني منزعج من التنازلات التي قدمتها والتضحيات التي ضحيتها، ولكن لعلمي بأنها ضرورية فقد قبلتها بدون أسف بالرغم من أنها تكلفني خسارة كبيرة في سلطتي وهيبتي، كما انها تكلف عائلتي أملاكها “.

هذا وقد تشكلت هيئة النظارة أو المجلس الوزاري لأول مرة في تاريخ مصر الحديث برئاسة نوبار باشا رئيس النظار، وقد تم ترشيحه وبقوة من الدولتين العظميين آنذاك إنجلترا وفرنسا، وبدت العلاقات بين النظارة النوبارية، والقصر على غير ما يرام خاصة وأن إسماعيل باشا أبدى استياءه من استمرار تلك النظارة وبأنه لن يستطع البقاء طويلا هكذا في المسئولية بدون سلطة، وعليه فقد تم إعفاء النظارة النوبارية من مهامها في 23 فبراير 1879.

نص المرسوم الصادر بتشكيل أول مجلس وزاري مصري
أصدر هذا التشكيل الوزاري أو النظاري آنذاك ” نوبار باشا “، وهو يعد أول رئيس وزراء وهذا هو نص المرسوم، ” مولاي : بناء على أوامر مرسومكم أتشرف بأن أعرض على جلالتكم طلب الموافقة على الأسماء الآتية لتشكيل النظارة الجديدة وهم؛ رئيس مجلس النظار، وناظر الخارجية والحقانية نوبار باشا، .ناظر الداخلية رياض باشا، ناظر الجهادية راتب باشا، ناظر الأوقاف والمعارف العمومية وناظر الأشغال العمومية بالنيابة على باشا مبارك، وأرجو سموكم أن تسمحوا لي بأن أترك لمدة قصيرة نظارة المالية شاغرة غير أنني سأقوم بإدارة هذه المصلحة الهامة إلى أن أتمكن من عرض اسم شخص أعرفه بأنه يحظى تقدير سموكم ويتمتع بالثقة العامة.

لما كانت وزارة العدل تشغل جانبا هاما، ومظهراً أصيلاً لبنيان السلطة التنفيذية في البلاد ؛ إذ إنها جزء لا ينفصم عن الهيكل الوزاري ، بل تعد من الوزارات السيادية التى تتعلق أعمالها بسيادة الدولة على أرضها وممارسة شعبها فى اقتضاء حقوقه الأصلية ،الأمر الذى يحدو بنا إلى دراسة التطور التاريخي لنشأة وزارة العدل ونشاطاها فى تاريخ مصر الحديث.

التطور التاريخي لنشأة وزارة العدل
قبل إسناد ولاية مصر إلى محمد على باشا في عام 1805 كان السلطان العثماني فى إسطنبول يرسل إلى الوالي التركي بمصر عدد 24بيكا يتولون المصالح الكبرى فالعدل، إلى أن تم تولية محمد على باشا الذى أنشأ جهازا بيروقراطيا جديدا تبعا لاحتياجاته الإدارية يعرف باسم ( الدواوين ) وبدأه في بداية حكمة بنشأة ( ديوان الوالي أو الخديوي )، وكانت اختصاصاته مزيجاً من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية إذ أسند إليه ضبط الأمن العام في المدينة وسن اللوائح والقوانين والفصل فى النزاعات بين الأهالي المواطنين والأجانب على السواء خاصة في الأمور المتعلقة بالمواريث والجنايات الكبرى.

وفى عام 1825 أصدر محمد على أمراً عالياً إلى “كتخدا بيك” بإنشاء المجلس العالي الملكي:

1- الديوان العالي أو ديوان الخديوي.
2- ديوان الإيرادات.
3- ديوان الجهادية.
4- ديوان البحر.
5- ديوان المدارس ( المختص بالمدارس الابتدائية والتجهيزية والخصوصية ومطبعة بولاق وإدارة جريدة الوقائع المصرية ).

6- ديوان الأمور الإفرنجية والتجارة المصرية.

7- ديوان الفابريقات؛ أي المصانع .

و كانت تلك الدواوين هى المهد الأول لتطوير النظام النظاري أو الوزاري في مصر إذ إن رئيس الديوان كان يشغل منصب مدير عام الديوان وهو المنصب أو الوظيفة التي أطلقت عليه فى قانون” السياستنامة” إلى أن تحول هذا المصطلح الوظيفي تدريجياً إلى ” ناظر الديوان” .

و لقب” الناظر” هنا هو إشارة لأهم منصب رئاسي في السلطة التنفيذية، وليس له أي صلة بلقب الوزير من حيث اللغة ؛إذ إن كلمة( ناظر) تعود لأصل عربي بمعنى أشرف وأدار أما كلمة “وزير” فهي ترجع لأصل فارسي؛ إلا أن الأوربيين ربطوا بين الاثنين أشد الارتباط لاسيما في تقرير مشهور أعده ( باتريك كامبل ) إلى وزير خارجية بريطانيا في يوليه 1840 بالإشارة إلى رؤساء الدواوين بأنهم نظار وهو ما جرى عليه الأمر واستقر به الحال بعد ذلك ( 6/30 1863 – 1879 ).

هذا وقد شهد عهد الخديوي إسماعيل تحول الدواوين العامة إلى نظارات التي شكلت في عهده نظارة الداخلية والحقانية والمالية والمدارس والأوقاف وغيرها من النظارات، على أن النظارات الرسمية والمسئولة في البلاد ظهرت تنفيذا ًللأمر العالي الصادر باللغة الفرنسية بشأن تشكيلها فى 28 أغسطس 1878 والذى عهد فيه بهذا الأمر إلى نوبار باشا .
ومن أهم النظارات التي تم إنشاؤها في هذا العهد نظارة الحقانية التي تم إنشاؤها في الفترة ما بين 1872 حتى 1878 نتيجة لتغير نظام التقاضي ومحاولة تنظيم القضاء وتحويله من محاكم الحقانية إلى المحاكم المختلطة التي أنشئت فى 1874، نظارة الداخلية التى كانت تسمى سلفا ديوان الخديوي أو الوالي، نظارة الخارجية التي كانت تسمى بديوان الأمور الفرنجية، نظارة الأشغال العامة المنشأة في عام 1864، نظارة التجارة، نظارة المالية.

خاتمة النشأة
نتيجة التغير الوضع القانوني في مصر بعد إغلاق الحماية البريطانية عليها في 19 ديسمبر 1914 قد تم إطلاق مسمى (الوزارات على (النظارات ) فتحولت نظارة الحقانية منذ بدء نشأتها رسمياً في 1878 م إلى وزارة العدل في عام 1914 وحتى الأن.

علي عبدالجواد

صحفي مصري ، محرر بالمركز الإعلامي لنقابة المحامين ، حاصل على بكالوريوس في الإعلام - كلية الإعلام - جامعة الأزهر ، عمل كمحرر ورئيس قسم للأخبار في صحف مصرية وعربية.
زر الذهاب إلى الأعلى